لم يشهد تاريخ اسرائيل حكومة كحكومة اريئيل شارون، تفتقر للاغلبية البرلمانية الثابتة، ويكون بامكانها، ليس فقط ان تعيش حوالي تسعة أشهر، لا بل انها تقول لنا ان عمرها اطول من هذا بكثير.
حكومة شارون سجلت الكثير من الارقام القياسية، في عدد نزاعاتها وتفككها، وموتها وقيامها خلال ايام قليلة وساعات، حتى أن رئيسها شارون سجل رقما قياسيا من حيث انه اكبر رئيس حكومة من ناحية العمر، فهو ينهي يوم السبت القادم عامه السابع والسبعين، ولكن ما عليه، فزميله الواقع تحت امرته، الوزير شمعون بيريس، اصبح عمره 81 عاما ونصف العام.
أقدمت الحكومة الاسرائيلية يوم الأحد 20/2/2005، على اتخاذ قرار تاريخي باعطاد الضوء الاخضر عملياً لبدء عملية اخلاء ست وعشرين مستوطنة في القطاع وشمالي الضفة في اطار ما بات يعرف بخطة الفصل. وقد جاء هذا القرار في ظل اعتراض خمسة من وزراء الليكود، في مقدمتهم وزير المالية بنيامين نتنياهو. ومن الواضح انه لم يكن بوسع شارون انجاز هذا القرار من دون كل تلك الخطوات التي سبقته في الكنيست وفي الحكومة والتي مهدت الطريق لاطلاق الضوء الاخضر هذا.
انتهت قمة شرم الشيخ بإصرار الأطراف المشاركة فيها على إعلان أنها حققت إنجازات. وكان واضحاً للجميع أن هذه الأطراف كانت تتحدث عن أجواء أكثر مما تتحدث عن وقائع. فالتغييرات التي طرأت على الارض، حتى الآن، لا تظهر وجود إنجازات كهذه إلا الإنجاز المعنوي لرئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون. وربما أن شارون كان الوحيد الذي أفرط في تبيان حجم الإنجاز الذي حققه، والذي انعكس على مزاجه وأحاديثه مع الصحافيين.
ليست هناك كلمة في القاموس تعبر عما يجري في صحراء النقب (إقرأ تقريرًا منفردًا) سوى التطهير العرقي المتواصل لاقتلاع ساكنيها العرب. بالامس حان دور قرية العراقيب التي انقضت عليها جرافات وجرارات "الدوريات السوداء" لتحصد مزروعات السنابل وتقتل حباتها قبل ان تنبت قمحا وشعيرا. هي هي جرافات الخراب وزرع الموت والدمار ذاتها التي تهدم في مخيم جنين وتجرف في اراضي سلفيت وتستعد لاتلاف منازل المستوطنات المنوي اخلاؤها في قطاع غزة. النقب هو النقب وشارون هو شارون تغير كل شيء فيه الا عدائيته للعرب والتعامل معهم كما يحب دائما بالجرافات.. ولا تستوقفه شارة حمراء كما عنون كتاب سيرته الصحفي عوزي بنزيمان. وتعكس الجرافة التي صنعت للإعمار فظاظة حكومة اريئيل شارون في تعاملها مع العرب حتى لو كانوا مواطنين فيها. في غضون ساعات قامت هذه الديناصورات المعدنية بحرث الاف الدونمات المزروعة في قرية العراقيب بدموع عيون اهاليها وعرق جباههم في اطار عملية تطهير عرقي لان مزارعي هذه الارض يكبرون دولة اسرائيل بسنوات ولا تزال اضرحة ابائهم من قبل النكبة عام 1948 وسط الاراضي شاهدا صارخا على هويتها واحقية ملكيتها. ولن تتوقف عملية قضم الارض بل السطو المسلح بالجرافة والبندقية على الارض العربية في النقب عند حد الاستيلاء على ارض العراقيب والقطامات بل ستطال الافا مؤلفة من الدونمات تمهيدا لحشر الاهالي العرب في مجمعات معينة وتهويد المكان على غرار ما يحصل في الجليل. وما السياسة الرسمية المتبعة مؤخرا في تكثيف شيطنة اهالي النقب وعرضهم كغزاة لـ"اراضي الدولة" الا نذيرا باستعداد السلطات الاسرائيلية لتصعيد هجمتها واقتراف المزيد المزيد من فظائعها بحق هذا الجزء الدافئ من الوطن سيما والحديث يجري اليوم عن حل مشكلة المستوطنات على حساب المواطنين العرب في كافة اماكن تواجدهم. امام هذه الهجمة من الحري بسائر المواطنين العرب في المثلث والجليل ممثلين بنشطائهم وفعالياتهم وبلجنة المتابعة التحرك للتضامن والمشاركة في المظاهرة الجماهيرية بعد ظهر يوم الجمعة القادم شمال بئر السبع وبالاعتصام في خيمة الاحتجاج دفاعا لا عن المساواة او مخصصات التأمين الوطني بل عن البقاء فالنقب ينادي ومن حقه على الجميع تلبية النداء ومشاركة اهله في اعادة زرع ما جرفته جرافات شارون وحكومته.
الصفحة 26 من 56