المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 961

انتهت قمة شرم الشيخ بإصرار الأطراف المشاركة فيها على إعلان أنها حققت إنجازات. وكان واضحاً للجميع أن هذه الأطراف كانت تتحدث عن أجواء أكثر مما تتحدث عن وقائع. فالتغييرات التي طرأت على الارض، حتى الآن، لا تظهر وجود إنجازات كهذه إلا الإنجاز المعنوي لرئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون. وربما أن شارون كان الوحيد الذي أفرط في تبيان حجم الإنجاز الذي حققه، والذي انعكس على مزاجه وأحاديثه مع الصحافيين.

 

ومع ذلك جاء ردّ الفصائل الفلسطينية في غزة على استمرار الاعتداءات الإسرائيلية ليظهر أن الطرفين يحاولان تثبيت قواعد لعب جديدة في مرحلة ما بعد قمة شرم الشيخ. وتستند هذه المحاولة الى حقيقة الفهم المتناغم لمتطلبات المرحلة. فبعد أربع سنوات من الانتفاضة والمواجهة المتواصلة يشعر المجتمعان الفلسطيني والإسرائيلي بالحاجة إلى استراحة المحارب. ومن الجائز انه ورغم الأثمان العالية والتضحيات الكبيرة يصعب القول إن المواجهة وفّرت فرصة الحل. فمواقف الطرفين ازدادت تصلباً لجهة الحل النهائي وعدم القدرة على الوصول إليه في السنوات القريبة. كما أن الحلول المرحلية لا توفر زخماً يمكن الاستناد إليه. ولذلك فإن الطرفين يلعبان في الوقت الضائع لعبة "الطرف الطيب".

وعلى الصعيد الفلسطيني تدرك السلطة وفصائل المقاومة، على حدّ سواء، أن إسرائيل الرسمية الحالية ليست في موضع الراغب او القادر على حل الصراع العربي الإسرائيلي. ولذلك سعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) لإقناع الفصائل بوجوب إحراج حكومة شارون.

وبدلاً من استمرار نجاحها في وصم الفلسطينيين بالإرهاب، يمكن من خلال التهدئة، ردّ التهمة الى نحر اسرائيل. وإذا كان هناك من خلاف في الصف الفلسطيني فإنه يدور حول نتائج هذا الإحراج. والبعض، وهم في السلطة، يعتقدون أن الهدوء سيقود إلى سحب ذرائع العدوان من شارون، وسوف تجبره "الإرادة الدولية" وهم يقصدون أميركا أساساً على التراجع عن تصلّبه السياسي وتقديم "تنازلات" للفلسطينيين. ولكن الطرف الفلسطيني الآخر يؤمن أن "إحراج" اسرائيل مؤقت سوف ينتهي إما بعودة حكومة شارون الى تفعيل "دائرة العنف" أو بإجبارها السلطة الفلسطينية على تفعيل هذه الدائرة ضد الفصائل. وحجة إسرائيل، التي تلقى التأييد من واشنطن، هي أن خريطة الطريق تطالب السلطة الفلسطينية بتفكيك "البنى التحتية للإرهاب" في المرحلة الأولى.

والواقع أن قبول التهدئة من الجانب الفلسطيني تأثر كثيراً بالرغبة الشعبية مثلما تأثر بالميل إلى تجنّب كل ما يثير الاحتكاك الداخلي. ولذلك عمدت قوى المقاومة إلى التأكيد أن عدوها هو إسرائيل وعمدت السلطة الى الجزم بأنها ليست في وارد لا تفكيك المنظمات الفلسطينية ولا جمع اسلحتها ولا الصدام معها وبكلمات أخرى، فإن كلاً من السلطة والفصائل تحاول التأكيد أمام الجمهور الفلسطيني أنها ليست الطرف الساعي إلى صدام داخلي. كما ان السلطة او الفصائل تحاولان التأكيد للعالم أن المشكلة ليست في الأداء الفلسطيني، وإنما في الاحتلال الإسرائيلي.

والشيء نفسه يمكن قوله عن الجانب الإسرائيلي. فقد خاض أريئيل شارون معركته ضد الانتفاضة الفلسطينية من موقع أن السلطة هي المحرّك الفعلي لها. وعمد في البداية الى محاولة تدمير السلطة واقتلاع جذورها في الضفة. ولكنه سرعان ما أدرك أن ذلك يعني، بشكل او بآخر، العودة إلى إخضاع ملايين الفلسطينيين للاحتلال العسكري الإسرائيلي المباشر. وبعدها فقط صار يعمل على أساس السعي الى نوع من التقاسم الوظيفي مع السلطة في الضفة والميل الى التخلّي عن التواجد الإسرائيلي في قطاع غزة. ولكن شارون كان يفهم أن ذلك غير ممكن من دون خطة سياسية سهلة التسويق. وكانت خطة الفصل هي البوابة لكسب تأييد من اليسار والوسط في إسرائيل، إضافة الى تأييد كل الجهات الدولية الراغبة في رؤية نوع من الحركة السياسية بعد كل هذا الجمود الطويل.

وهكذا، ورغم أن خطة الفصل كانت، عملياً، خروجاً عن "القبول المبدئي" بخريطة الطريق حاولت كل القوى الراغبة في التحريك أن ترى فيها جزءاً من هذه الخريطة. وهكذا فإن زعيم حزب العمل، شمعون بيريس رأى أن إعلان شارون عن خطة الفصل التي تقوم على مبدأ "تفكيك مستوطنات" يعني انتصار الخط الايديولوجي لحزب العمل. وهذا ايضاً كان موقف حركة يسارية مثل "ياحد" التي وفرت شبكة أمان برلمانية لحكومة شارون.

ولكن هذا الموقف ايضاً شكّل التأييد الأميركي والأوروبي لخطة الفصل. فإذا كان شارون يريد الانسحاب من غزة، فلماذا لا تؤيده هذه القوى، خاصة وهي ترى المصاعب التي تعترض إخلاء "مواقع استيطانية غير شرعية" في الضفة الغربية. وهذا ايضاً ما اجتذب تأييد الدولتين العربيتين اللتين أبرمتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل: مصر والأردن.

غير أن كل هذه المواقف تخفي قناعات أخرى. البعض، وخاصة في الجانب الرسمي العربي يريد من وراء الحركة السياسية إخفاء حالة العجز المزمن التي يعيشها، والتي باتت تحصر دوره فقط في الضغط على الفلسطينيين. وفي السلطة الفلسطينية التي تعاني من ضعف شديد داخلياً وخارجياً ثمة من يريد إخفاء حقيقة أنه لا معنى للسلطة من دون حركة سياسية وطاولة مفاوضات. أما في فصائل المقاومة، فإن هناك من يريد وراء التهدئة إخفاء حقيقة أن المقاومة، وهي خيار شعبي، تواجه مأزقاً حقيقياً في ظل تشرذم الواقع العربي.

لذلك التهدئة حاجة أملتها ضرورات الواقع، بصرف النظر عن قناعة الأطراف. ومن الجائز أن التهدئة باتت مظهراً آخر من مظاهر الصدام إلى حين تتغير الظروف القائمة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات