المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1153

كتب حلمي موسى:

 من دون رتوش وتحت أنظار العالم، تدور معركة حامية الوطيس بين جبهتين في المجتمع الإسرائيلي، رسمية وشعبية. وتتلخص قوى هذه المعركة الوجودية في لجان التحقيق من جهة وفي المؤسسة الرسمية من جهة أخرى. وخلال اليومين الأخيرين خرجت هذه المعركة عن تقاليدها التي تتميز بالتسريبات وبالضرب في المناطق المستترة لتغدو معركة صريحة وعلنية بين رئيس الحكومة والجيش من جانب ومراقب الدولة من الجانب الآخر.

 

 

فقد أرسل رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، رسالة إلى رئيسة الكنيست تطالب بوقف نشر تقرير مراقب الدولة حول تعامل الحكومة مع الجبهة الداخلية أثناء حرب لبنان الثانية. وكذلك كان حال قيادة الجيش الإسرائيلي التي طالبت بحق الرد على التقرير قبل نشره على الملأ.

 

وبدا واضحاً أن المعركة بين الحكومة ومراقب الدولة التي تشمل جوانب مثل الفساد وإخفاقات إدارة حرب لبنان الثانية يمكن أن تقضي على الحكومة الحالية. فإيهود أولمرت وحكومته يعانيان من انعدام ثقة مزمن لدى الجمهور الإسرائيلي بلغ حدوداً لا سابق لها باقترابها من خط الثمانين في المائة. وبوسع أية ضربة معنوية أو قانونية توجه إليه أو إلى حكومته من أي جهة ذات تقدير في المجتمع، كهيئة مراقبة الدولة، أن توجه إليه ضربة قد تكون قاتلة. وحتى إذا لم تكن هذه الضربة قاتلة فإنها تضعضع أسس حكومة أولمرت قبل وقت قصير من نشر نتائج تحقيقات لجنة فينوغراد.
ويتهم المقربون من أولمرت مراقب الدولة، ميخا ليندنشتراوس، بالرغبة في إسقاط الحكومة ورئيسها. ويقولون إن ليندنشتراوس غدا جزءاً من عصابة "فرض القانون" التي ترمي إلى لي ذراع السياسيين. غير أن "جماعة فرض القانون" تعتقد أنه لم يسبق أن وصل إلى الحكم في إسرائيل زعيم أشد استخفافاً بالقانون ورجاله من إيهود أولمرت الذي أقدم على وضع وزير للعدل هو في أصله أحد أشد أعداء المحكمة العليا. كما أنه لم يكتف بذلك بل أقدم على تعيين ضابط تحوم حوله شبهات قانونية في منصب المفتش العام للشرطة.

وقد رأى رئيس لجنة مراقبة الدولة في الكنيست، زبولون أورليف، أن أولمرت وديوانه يتعاملون بلا مبالاة مع ما جرى في الجبهة الداخلية أثناء حرب لبنان. واعتبر هو وآخرون أن تعامل أولمرت مع مراقب الدولة هو تحقير للمراقب ولمبدأ المراقبة.

 

ويبدو أن الحلبة السياسية الإسرائيلية التي تختزن الكثير جدا من التناقضات والتي اضطرت إلى دخول مرحلة سبات تشعر بالحاجة اليوم لأن تتحرك وفق دقات عمل لجان التحقيق أو الإجراءات القانونية. فاشتداد حدة الفضائح المتصلة بالفساد سواء لأولمرت شخصياً أو للمحيطين به صارت تفرض على الحلبة السياسية نوعاً جديداً من التعاطي.

 

ولذلك ليس صدفة أن تتصدى المعارضة لأولمرت عبر الوقوف إلى جانب مراقب الدولة أو لجان التحقيق. وقد أوضح رئيس لجنة مراقبة الدولة في الكنيست، وهو زعيم المفدال زبولون أورليف، أن أولمرت نال كل الفرص للرد على تقرير مراقب الدولة. غير أن أهم ما قاله هو أن "نشر التقرير تأجل أكثر من عشرة شهور بسبب عدم تعاون ديوان رئاسة الحكومة".

 

واعتبر زعيم ميرتس، يوسي بيلين، أن حكومة أولمرت وائتلاف كديما "تجاوزوا كل الخطوط الحمر في تعاملهم مع أجهــزة المراقبة والقضاء في إسرائيل". كما أن أرييه إلداد من "الاتحاد القومي ـ المفــدال" حمل بشدة على سلوك أولمرت وقال إنه "لا ينبغي العجب من حقيقة أن أولمرت هو المسؤول عن الفشل في حرب لبنان، فهو يتهرب من واجبه القانوني بالمثول أمام مراقب الدولة". وكذلك كان موقف رئيس كتلة الليكود في الكنيست، جدعون ساعر، الذي اعتبر أن "سلوك أولمرت المهين مع مراقب الدولة والانتقادات التي يوجهها يهين منصبه، وأن كل غايته هي التهرب من المسؤولية عن إخفاقات حرب لبنان الثانية".

 

غير أن الانتقادات لأولمرت بهذا الشأن تجاوزت المعارضة واضطر قسم من أعضاء الائتلاف إلى الوقوف ضده. واعتبر داني ياتوم (من حزب العمل) أن "صمت رئيس الحكومة ورفضه تقديم الأجوبة لمراقب الدولة، هو نوع من الإقرار بالذنب. إن رئيس الحكومة لا يهين بذلك مراقب الدولة وإنما يهين الجمهور بأسره، الذي ينبغي تقديم الأجوبة له".

 

ورغم وقوف أعضاء الكنيست من كديما إلى جانب أولمرت إلا أن الجميع يعرف أن هناك في كديما حركة معارضة تشتد ضده. وينتظر كل من شاؤول موفاز وتسيبي ليفني ومئير شطريت اتضاح الموقف ليعلنوا صراحة رأيهم في أولمرت.

 

غير أنه إذا كان هناك من معنى لما يجري اليوم في إسرائيل فإنه نوع من احتدام الصراع بين أجهزة الحكم التشريعية والتنفيذية والقضائية، وان ساحة المواجهة هي عناصر التداخل بينها. ومما لا ريب فيه أنه ما كان لهذا الصراع أن يظهر ويحتدم لولا أن الإخفاقات باتت على كل لسان وصار كثيرون يستشعرون الخطر من تفاقمها.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات