كان من المقرر رسميا، حسب الجدول الزمني الأصلي، أن يكون تنفيذ خطة الفصل قد بدأ منذ أيام. ولكن تأجيل موعد البدء "لأسباب دينية" نقل الموعد إلى منتصف الشهر المقبل. وقد دأب رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون على التصريح طمأنة وتهديدا في الوقت نفسه أن لا شيء سيعرقل الشروع بتنفيذ الخطة في مواعيدها المقررة.
ومع ذلك فإن مسائل أولية في الخطة غير واضحة الآن قبل أقل من ثلاثة أسابيع على بدء التنفيذ.
وبين هذه الأمور الموقف الإسرائيلي من الانسحاب من "محور فيلادلفي" على حدود القطاع مع مصر ومن المطار والميناء والممر الآمن إلى الضفة الغربية. وحسب آخر المعلومات فإن جميع خبراء القانون الدولي أبلغوا إسرائيل أن عدم انسحابها التام من حدود قطاع غزة مع مصر والسماح بتشغيل المطار والميناء يعني أنها لم تنه احتلالها للقطاع. ولكن وزيرة الخارجية الأميركية كونداليسا رايس عند بحثها هذه المسألة مع الجانب الإسرائيلي تلقت جوابا حاسما حول ذلك: إسرائيل تعتبر أن إخلاء محور فيلادلفي طموح تسعى لتحقيقه، لكنها لا ترى أن بالوسع فعل ذلك عام 2005.
وأبدى وزير الدفاع الإسرائيلي شاؤول موفاز أمله بأن يتم التوصل قريبا إلى اتفاق مع مصر حول السيطرة على محور فيلادلفي. وذهب مصدر عسكري إلى حد القول بإمكانية التوصل مع مصر إلى اتفاق بشأن انتشار القوات المصرية على المحور خلال أسبوع. غير أن مثل هذه التقديرات شاعت في الأسابيع الأخيرة سواء على أيدي الأميركيين أو الإسرائيليين في حين ليس هناك على الأرض ما يؤكد ذلك.
كما أن قضية البيوت والمنشآت القائمة في المستوطنات لم تجد لها حلا حتى الآن. ووفق ما نشرت الصحف الإسرائيلية فإن القرار بشأن هدم البيوت أو إبقائها ما زال بين أخذ وشد داخل الحكومة. فشارون وأنصاره يشيعون أن القرار هو الهدم. وزعيم حزب العمل شمعون بيريس وأنصاره يشيعون أن هناك اتفاقات صارت مبرمة بين إسرائيل وأطراف دولية حول شراء الدفيئات الزراعية وكذلك عدد من حظائر الأبقار والماشية. غير أن شيئا نهائيا لم يتأكد بعد. وهذا ما دفع رئاسة الحكومة الفلسطينية إلى الإعلان عن أن التنسيق مع الإسرائيليين يعاني خللا واضحا يتمثل في أن حكومة شارون لا تقدم معلومات حيوية للسلطة الفلسطينية حول إخلاء المستوطنات.
ومع ذلك يبدو أن السلطة الفلسطينية عبر التنسيق مع القوى الدولية استعدت لكل الاحتمالات ووضعت في الحسبان احتمالات بقاء أو هدم البيوت والدفيئات. ولكن الشيء الوحيد الواضح هو أن إسرائيل تريد من الفلسطينيين ألا يحتفلوا بشكل واسع بتفكيك المستوطنات. وإن كان لا بد من الاحتفال فليس في المستوطنات أو على أطلالها. ولهذا الغرض أقيمت قوة خاصة من عدة آلاف من رجال الأمن الفلسطينيين لتشكيل حاجز بين الجمهور الفلسطيني والمستوطنات الإسرائيلية المخلاة.
ولكن الفلسطينيين، حسب رئيس الحكومة أحمد قريع (أبو علاء)، لا يعلمون شيئا لا عن مواعيد الإخلاء ولا عن برنامج الإخلاء، وهل سيكون دفعة واحدة أم على مراحل. وهذا ما يعيد إلى الأذهان قرار الحكومة الإسرائيلية بشأن الفصل، الذي تحدث عن ثلاث مراحل يسبق كل منها قرار حكومي بشأن المستوطنات المراد إخلاؤها.
ورغم أن تصويت الكنيست الأسبوع الفائت ضد مشروع قانون يقضي بتأجيل تنفيذ خطة الفصل لثلاثة شهور أو سنة شكل إزاحة لآخر عقبة قانونية فإن حدة المعارضة الميدانية لم تبهت. ويبدو أن المؤسسة العسكرية التي تدرك المصاعب الميدانية التي تواجهها عملية الإخلاء صارت تطالب بالمصادقة على مراحل الفصل دفعة واحدة في الحكومة. وحسب "معاريف" فإن الجيش طلب من شارون ووزيرة العدل التخلي عن تدرجية التصويت على المراحل.
وحسب الخطط، التي وضعها الجيش سيشارك في عملية الفصل ما لا يقل عن 43 ألف جندي ونحو 7 آلاف شرطي. ويطلب الجيش منحه حرية العمل لاختيار أساليب ومواعيد إخلاء المستوطنين.
ومن الممكن أنه في ظل عملية معبر كيسوفيم سوف يكون من الصعب على الجيش الإسرائيلي تخيّل إتمام عملية الإخلاء من دون التعرض لعمليات فلسطينية. وثمة من يعتقد أن هذه العمليات قد تقرر صورة الإخلاء خاصة في ضوء التهديدات التي يطلقها الجيش والساسة في إسرائيل ردا على العمليات الفلسطينية.
وقد أعلن شارون أول من أمس أنه أبلغ وزيرة الخارجية الأميركية أن رده على العمليات الفلسطينية سيكون قاسيا على نحو خاص. ولكن بصرف النظر عن الأساليب التي هدد شارون باستخدامها فإن هذه الأساليب سوف تحدد بالمقابل ردود الفعل الفلسطينية.
وثمة من يؤمنون بأن الاختبار الحقيقي لخطة الفصل هو ما تحمله للإسرائيليين من تهدئة أو تصعيد على الصعيد الأمني. فإذا ترافق الانسحاب بعمليات فلسطينية وإطلاق نيران وقذائف على المستوطنات المحيطة بالقطاع فإنه يصعب تخيل ألا تكون هذه هي الحال بعد إتمام الانسحاب.
وحينها قد يصح قول كثيرين حول أن الصدام الذي جرى قبل أيام بين قوات السلطة وخلايا حماس لم يكن حول الأسلوب الذي يرافق الانسحاب بقدر ما كان حول الأسلوب الذي يلي هذا الانسحاب.