المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تحليل أخباري
  • 1219

من المفترض أن يقر الكنيست الاسرائيلي، نهائيا، في الأيام المقبلة مشروع قانون يقضي بمنع رئيس اتحاد النقابات العامة، الهستدروت، من عضوية الكنيست، تحت حجة ازدواجية الوظائف. وفي هذه الحالة يجري الحديث عن النائب عمير بيرتس، المرشح لرئاسة حزب "العمل"، ولكن هذا القانون له أبعاد سياسية ونقابية، كون أن القانون لم يطرح في هذه المرحلة بالذات إلا لأسباب سياسية حزبية، وايضا لدى البعض من منطلقات ضرب النقابات.

 

وكان الكنيست الاسرائيلي قد أقر قبل حوالي عشرة اعوام قانونا يمنع رئيس سلطة محلية (مجلس قروي أو بلدي) من عضوية الكنيست، ودخل حيز التنفيذ في العام 1998، ولكن في تلك الحالة كان يجري الحديث عن منصبين ممولين من الخزينة العامة، ولم يتم التطرق في حينه الى منصب رئيس الهستدروت، ولا حتى في ظل حكومات حزب "الليكود"، لأن احد اعضاء الليكود البارزين، أبراهام هيرشزون، كان رئيسا لاتحاد نقابات صغير يسيطر عليه "الليكود"، وبعد ان استقال هيرشزون من منصبه، قبل خمسة أشهر، بعد أن تبوأ منصب وزير السياحة، بادر رئيس كتلة الليكود الحاكم، جدعون ساعر، إلى طرح القانون، بالتعاون مع زعيم كتلة شينوي يوسف تومي لبيد، الذي يقود توجها اقتصاديا صقريا، وبادر الى الكثير من القوانين التي تقلل من مكانة العاملين، مثل الغاء محاكم العمل، او التقليل من دورها، وغيرها من القوانين.

وفي التصويت على القانون في اللجنة البرلمانية لشؤون إدارة الكنيست كان الفرز واضحا بين نواب اليمين السياسي واليمين الاقتصادي من جهة، وبين اليسار الصهيوني والكتل الفاعلة بين العرب وحتى المتدينين الأصوليين، مثل "شاس"، المتحالفة مع بيرتس في الهستدروت من جهة أخرى. وتم اتخاذ القرار بتأييد 11 نائبا مقابل 10 نواب، ولكن ميزان القوى داخل الكنيست لن يكون مختلفا لدى طرحه للتصويت.

 

من هو عمير بيرتس

 

كان عمير بيرتس (53 عاما) الذي ولد في المغرب وهاجر الى إسرائيل في العام 1956، من جيل الشباب البارز في حزب "العمل" الإسرائيلي، وبالذات لكونه شرقيا في هذا الحزب، الذي يطغى عليه الطابع الاشكنازي، لا بل انه متهم بأنه رسخ قواعد سياسة التمييز العنصري ضد ابناء الطوائف الشرقية من اليهود، على مدار سنوات حكمه التسع والعشرين الأولى لإسرائيل.

وفي جيل مبكر نسبيا (ابن 36 عاما) انتخب للكنيست لأول مرة في العام 1988، ضمن قائمة "المعراخ"، التي في صلبها حزب "العمل"، وبرز أكثر في العام 1993 حين تبنى المعركة لمكافحة البطالة، ولكن في العام 1994 تمرّد هو وزميله حاييم رامون على قيادة الحزب التقليدية في انتخابات الهستدروت، واستطاعا تشكيل قائمة جرفت الأصوات وحوّلت حزب "العمل" الى حزب أقلية، ليطيحا بعد ذلك بجميع القيادة التقليدية التي سيطرت على الهستدروت طوال عشرات السنين.

في العام 1996 دخل بيرتس الكنيست ضمن قائمة "العمل"، ولكن في العامين 1999 و2003 خاض الانتخابات على رأس قائمة "عام إيحاد" (شعب واحد)، وهو الحزب الذي اقامه لاحقا، ونجح في ادخال مقعدين ثم ثلاثة مقاعد، وفي هذا العام تم حل حزبه وضمه لحزب "العمل"، وعمليا فقد عاد بيرتس وأنصاره إلى حزبهم الاصلي.

وفي هذه المرحلة فإن بيرتس يخوض المنافسة على رئاسة حزب "العمل"، وتوجه له اتهامات بأنه جند موظفي الهستدروت لجمع انتسابات للحزب، كما توجه لأنصاره اتهامات بالتزييفات، خاصة بين سائقي سيارات الأجرة، والمنتسبين العرب.

ودلت الاستطلاعات التي كانت تجري قبل قرار الحزب بتأجيل الانتخابات، على أن عمير بيرتس يتمركز في المرتبة الثانية بعد زعيم الحزب شمعون بيريس، وبينهما فارق قليل، مقارنة بالفارق بين المركز الثاني (بيرتس) والمركز الثالث الذي كان يحتله ايهود باراك، رئيس الحكومة السابق.

ويرى محللون ان سطوع نجم عمير بيرتس، هذا الشرقي "الذي يبرز أصوله"، قد يشكل خطرا سياسيا مستقبلا على احزاب تتنافس على كسب أكثر ما يمكن من أصوات الشرقيين، مثل حزب الليكود، ولكن هذا رهان ليس له أساس في معطيات الشارع الاسرائيلي، الذي لا يزال يركض وراء العسكري، وليس وراء القائد النقابي الاجتماعي.

 

التقاء مصالح لإبعاد بيرتس عن السياسة

 

ما حصل في الكنيست لتحقيق أغلبية لهذا القانون، الذي يلقى ردود فعل معارضة في الصحافة الاسرائيلية، هو التقاء مصالح بين ثلاثة اطراف، سياسة حزبية، وسياسة عامة، وسياسة اقتصادية.

فعلى صعيد السياسة الحزبية، رأينا ان مجموعة المتمردين في حزب الليكود، أرادت خلق زعزعة جديدة في الحكومة، التي تضم حزب "العمل"، بضرب هذا الحزب من خلال بيرتس، ولكن رئيس الحكومة اريئيل شارون، سارع الى تأييد القانون، بعد أن أقرت الحكومة حرية التصويت، ولم تتخذ موقفا رسميا منه، خاصة وأن حزب "العمل" بطبيعة الحال يعارض القانون.

ولكن على الرغم من تجند حزب "الليكود" للقانون، إلا انه صدرت اصوات تعارضه، مثل رئيس لجنة القانون والدستور البرلمانية ميخائيل ايتان، الذي عارض القانون في لجنة ادارة شؤون الكنيست، وسأل رئيس كتلته، جدعون ساعر "بأي حق تمنع شخصا من أن يكون عضو كنيست"، وسارع "الليكود" إلى سحب ايتان من اللجنة واستبداله بعضو آخر مؤيد للقانون.

أما على صعيد السياسة العامة، فإن عمير بيرتس محسوب على جناح "الحمائم" في حزب "العمل"، وهو من مؤيدي جميع اتفاقيات السلام والاتفاقيات المرحلية، ومؤيد لاقامة دولتين لشعبين، وله توجهات ايجابية تجاه العرب، ولكن في الممارسة ليس الى هذا الحد، على الرغم من ان للعرب الآن مكانة افضل في مؤسسات الهستدروت، مقارنة بالماضي، وهنا التقى نواب من الليكود مع كتل اليمين المتطرف.

وبخصوص السياسة الاقتصادية، فإن السابق ذكرهم ما كان بإمكانهم تحقيق أغلبية لولا تأييد كتلة شينوي، التي تتبع خطا وسطيا صهيونيا، ولكنه يميني صقري في كل ما يتعلق بالاقتصاد، والطبقة العاملة، فزعيم الحزب، تومي لبيد، والى جانبه الزعيم الثاني ابراهام بوراز، يتخذان موقفا متشددا في السياسة الاقتصادية، وهما من أشد المؤيدين للسياسة الاقتصادية التي ينتهجها وزير المالية بنيامين نتنياهو، وعلى رأسها تصفية ما تبقى من القطاع العام، والغاء المخصصات الاجتماعية والقضاء على دولة الرفاه، وضرب كافة القوانين التي تضمن حقوق العاملين، وكما ذكر بداية، فإن لبيد يحاول منذ سنوات اقرار قانون يقضي بالغاء محاكم "العمل"، وهي مبادرة لاقت تأييدا من وزير المالية نتنياهو، وفي كل "موسم" اضرابات يلوح نتنياهو بنواياه تجاه محاكم "العمل".

ويرى المراقبون أن سن هذا القانون ينخرط ضمن التوجه الاقتصادي الرسمي في إسرائيل، للقضاء كليا على الحياة النقابية تمهيدا لجعل سوق العمل في إسرائيل مباحا، وترك الأمور في أيدي أصحاب العمل.

 

الخيار الصعب

 

على ما يبدو فإنه لا تزال هناك فرصة أمام عمير بيرتس للبقاء في عضوية الكنيست، فقد أضيف بند يسمح لعمير بيرتس بالبقاء في عضوية الكنيست حتى نهاية الولاية الحالية، أي في خريف العام القادم 2006، أو حين يحل الكنيست نفسه قبل هذا الموعد، وهنا على بيرتس ان يختار بين الهستدروت وعضوية الكنيست.

إن القرار لن يكون سهلا، بالنسبة له، فمن يرفع راية العاملين ويجند كل خطاب سياسي واقتصادي لمصلحة العاملين ويترأس اتحاد نقابات يضم أكثر من 700 ألف عامل، لن يكون بإمكانه التخلي عن المنصب من أجل عضوية كنيست.

وقد يكون الجواب السهل على بيرتس اختيار الهستدروت، لو لم ينافس على زعامة حزب "العمل"، فهو لا يمكنه ان يتزعم حزبا ويكون خارج كتلته البرلمانية، على الرغم من أن فرص نجاح بيرتس في رئاسة الحزب ضيئلة الى درجة معدومة، ولكنه حين يخوض المعركة الانتخابية عليه أن يوضح موقفه لناخبيه.

حسب المعلومات التي وصلتنا فإن عمير بيرتس كلف طاقم محامين بفحص دستورية القانون الجديد، وإذا ما كان بإمكانه أن يواصل الإمساك بالمنصبين، حتى مع اقرار القانون، الى حين إنهاء ولايته في رئاسة الهستدروت في العام 2007.  إلا أن قرارًا كهذا لا يمكن اتخاذه إلا في المحكمة العليا الاسرائيلية، إذا عرض عليها الموقف وتبنته.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات