كتب محمد دراغمة:عندما يرفض رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون القبول حتى بخارطة الطريق، التي شارك شخصياً في وضع لمساتها الأخيرة، وعندما يطلب من الفلسطينيين ما هو أكثر من الاستسلام، معلناً، بكل ما عرف عنه من غطرسة، أنه لن يقبل سوى بتفكيك وسحق المنظمات المسلحة، لأن الهدنة ستمنحها الوقت الكافي لإعادة بناء قوتها استعداداً للحرب قادمة، وعندما يقذف حجراً في وجه العالم، معلناً إن النساء في المستوطنات سيواصلن الولادة، وبالتالي لديهم الحق في التوسع على الأرض الفلسطينية، فإن من الطبيعي أن يفجر موجة عمليات مثل هذه التي شهدتها اسرائيل في الايام القليلة الماضية.
لقد بدا شارون منتشياً في الآونة الأخيرة بما اعتقد أنه نصر حققه على الفلسطينيين، خصوصاً على القوى والمجموعات المسلحة التي قتل واعتقل منها ما قتل واعتقل، ليفاجأ بهذه الموجة العارمة من العمليات والتفجيرات التي ضربت في أنحاء مختلفة من إسرائيل، وآخرها وقعت في العفولة بعد فرض إغلاق شامل مشدد على الأراضي الفلسطينية.
ربما كان لتوقيت وقوع هذه العمليات مغزاه للجانب الفلسطيني، من حيث رفض من وقف وراءها لخطة خارطة الطريق وللقاء مع شارون، لكنها حملت معها الكثير من الدلالات الهامة للإسرائيليين، وفي المقدمة منها سقوط خيار شارون القائم على الحل العسكري أو الأمني.
فأن تأتي موجة عمليات مثل هذه بعد كل عمليات الاغتيال والقتل والاعتقال، فإن ذلك بدا حتى في نظر الإسرائيليين كأنه بداية جديدة للصراع المتواصل منذ حوالي ثلاث سنوات. ويقول الصحافي روني شكيد، مراسل "يديعوت احرونوت" في الاراضي الفلسطينية: "يبدو الأمر وكأننا عدنا إلى ما قبل نيسان 2002 عندما قام شارون باجتياح الأراضي الفلسطينية، فقد بينت هذه العمليات أن جميع الاغلاقات المشددة، والاغتيالات، والاعتقالات لا تؤدي إلى حل المشكلة".
وما اعتبره شارون الدواء، وهو القمع العسكري، ظهر هنا كأنه الداء بعينه، فالعنف الإسرائيلي المنقطع النظير لم يكن ليقود سوى لعنف أشد وأمضى في الجانب المتلقي. فقد أوصل هذا العنف الشعب الفلسطيني، وبخاصة الشباب منه، إلى درجة غير مسبوقة من فقدان الأمل والأمان، وجعل الحياة بالنسبة له ليس أكثر من مظهر من مظاهر الموت. وفي بعض الأحيان كان الشعور بالكرامة الوطنية المهانة من قبل الجنود الإسرائيليين الدافع الأول للمبادرين لتنفيذ مثل هذا النوع من العمليات.
وفي حالات أخرى تمثل الدافع في الشعور باقتراب الموت، فيقرر الشخص أن يذهب إلى الموت بنفسه قبل أن يصله هذا.
وقال روني شكيد متسائلاً: "ما الذي يوقف العمليات من جانب الفلسطينيين طالما أن هناك كل هذه الدوافع، احتلال وقتل وقمع وإفقار وحصار وامتهان؟".
"وإذا عرفنا أن صناعة المتفجرات باتت معروضة على مواقع الانترنت، والمواد متوفرة في البقالات، فماذا تبقى للشباب الفلسطيني؟ لم يتبق له سوى أن يختار أقرب الطرق إلى إسرائيل، فإذا كانت طريق جنين مغلقة، فأنه يسلك طريق الغور، وإذا كانت هذه وتلك مغلقة، فأنه يأتينا على شكل يهودي متدين، وإذا لم يتح له هذا تأتي فتاة تشبه اليهود.."، قال شكيد.
لكن شارون المكابر حتى في ذروة الفشل لا يعترف بسقوط خياره، بل يستخدم فشله هذا في محاولة أخرى لترميم مكانته والولوج في جولة أخرى مهما كان منسوب الدماء فيها.
فجولة أخرى في حرب شارون كفيلة بأن تبقيه مركز استقطاب في إسرائيل، وتمنحه ليس فقط فترة إعفاء أخرى من تسديد الاستحقاق السياسي المترتب عليه، بل سلاحاً يهجم به على الشعب الفلسطيني وقيادته.
فالعمليات بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي هي: خيار عرفات لإسقاط مساعي شارون الرامية للتوصل إلى السلام مع رئيس الوزراء الفلسطيني الجديد، نعم مساعي شارون لتحقيق السلام..