قبل حوالي ثلاثة اشهر عقد وزير الدفاع، شاؤول موفاز، في مكتبه سلسلة اجتماعات للبحث في مسألة حساسة: كيف يمكن وقف تدفق الاموال التي تصل الى المناطق (الفلسطينية) من الخارج لتمويل نشاطات <<المنظمات الارهابية>>. وقد استمع موفاز الى استعراض من ممثلي الجهاز القضائي وقيادة <<مكافحة الارهاب>> وكبار المسؤولين في "الشاباك" و"الموساد" (رئيس الموساد، مئير دغان، قام بعمل مكثف بهذا الصدد حتى قبل اشغاله منصبه الحالي). لكن ما سمعه الوزير لم يترك لديه انطباعاً خاصاً. ما زال هناك الكثير مما يجب القيام به، قال في ختام المباحثات؛ لم ننجح في وقف التدفق، وهناك عشرات ملايين الدولارات ما زالت تصل الى الضفة والقطاع.
الانجاز الجدي الاساسي الذي تحقق في هذا المجال في الاشهر الأخيرة - قبل موجة الاعتقالات في الحركة الاسلامية في اسرائيل أمس (هذه الاعتقالات تضمن حالياً النجاح، ولكن ليس نجاحاً جدياً) - كان بالمجمل نتيجة جهود قامت بها دول أخرى. ومنذ بداية السنة سُجّل هبوط حاد في حجم المساعدات التي تدفقت من الخارج للجمعيات الخيرية الاسلامية التي تعمل بالتنسيق مع حماس. التقييدات التي فرضتها الولايات المتحدة وألمانيا على الجمعيات الخيرية التي نشطت في اراضيهما، وخطوات مماثلة عكفت على القيام بها بريطانيا وفرنسا، ساهمت في الانخفاض الجدي لتدفق الاموال.
اتخذ القرار الامريكي بإخراج "صندوق الاراضي المقدسة" التابع لحركة حماس في الولايات المتحدة على القانون في اعقاب تفجيرات 11 أيلول 2001. لأول مرّة وجدت الادعاءات الاسرائيلية ضد هذا الصندوق أذناً صاغية في الولايات المتحدة، فقط بعد تلك التفجيرات.
كما أن الاطاحة بنظام الرئيس العراقي، صدام حسين، الذي قد يكون الداعم الاقتصادي الأكبر لعائلات الانتحاريين، من المفروض أن تسهم في تقليص الظاهرة.
غير أن مصادر امنية قالت لصحيفة "هآرتس"، ان اسرائيل نفسها ليس بمقدورها أن توقف بشكل منهجي وشامل التمويل "للارهاب". يفترض أن اعتقال رؤساء الحركة الاسلامية سيؤدي الى "تجفيف" القناة التي تتدفق من الخارج عبر عرب اسرائيل الى المناطق، ولكن ما زال هناك الكثير من الطرق للتدفق من الخارج، ومن ضمن ذلك استخدام بنوك اسرائيلية.
ثمة خلافات في الرأي بين الخبراء في النيابة العامة والجهات الأمنية بما يتعلق بنجاعة استخدام الوسيلة التي اتبعت - اعتقال من أجل تقديم المعتقلين للمحاكمة الجنائية. بعض الجهات تمتدح وسيلة أخرى: الصلاحية الادارية. إنه لمن الصعب جداً إثبات مخالفة قانونية تتعلق بتحويل اموال للارهاب في المحاكمة الجنائية.
ومقابل هذا، لو كان لدى الدولة صلاحية الاستيلاء الاداري على أموال يشتبه في أنها مخصصة للارهاب، لكان من الممكن أن نقدر بأن نتائج استخدامها ستكون أفضل.
هذا ما فعلته بريطانيا، على سبيل المثال، في القضية الأخيرة المتعلقة بإرسال الانتحاريين الى تل ابيب. فبعد يومين من اعتقال ابناء عائلات الانتحاريين، صودرت حسابات البنك، واملاك وبيوت افراد العائلة وتم تقديمهم للمحاكمة بتهمة انهم علموا بخطط قريبيهما.
صلاحيات المصادرة مشمولة في اقتراح مشروع قانون تم بلورة نصّه في وزارة العدل وفي السلطة القومية لحظر تبييض الأموال، لكن المصادقة على القانون، الذي تصفه المصادر الأمنية بأنه "مصيري" في الحرب ضد الارهاب، تتعرقل منذ اكثر من نصف سنة. اقتراح القانون ايضاً يمكّن الدولة من الاعلان عن أفراد كنشطاء إرهابيين دون الحاجة الى إثباتات بشأن انتمائهم التنظيمي المعين، وبناء على ذلك يمكن القيام بمصادرة الأموال التي بحوزتهم.
الثغرة البارزة في الجهاز الاسرائيلي تتعلق بالذات بالبنوك في البلاد. توصية قسم القانون الدولي في النيابة العسكرية، التي نشرت في صحيفة "هآرتس" في شهر كانون الأول في العام الماضي، تبيّن ان البنوك في اسرائيل تستخدم كـ "قناة تمويه"، يستطيع داعمو الارهاب في الخارج أن ينقلوا الأموال عبرها الى المناطق. ووفق التوصية، فإن البنوك الاسرائيلية تدير نشاطات مالية مخالفة للقواعد الدولية في مجال منع تمويل الارهاب. وتعمل البنوك كـ "مرسال"، يزود الخدمات للبنوك الفلسطينية، لكنها عملياً لا تكلّف نفسها بفحص شراريب النظراء الفلسطينيين. المصادر الأمنية أعربت عن خشيتها من أنه بهذه الطريقة تمر عشرات ملايين الدولارات للارهاب.
وهناك مشكلة جوهرية إضافية تتعلق بالجهاز الاقتصادي الفلسطيني. وهذه ، على حد زعم المصادر الأمنية، ما زالت بدون وسائل شفافية ومراقبة مناسبة. وفقط بالنسبة للاموال التي تحولها اسرائيل للسلطة تم التوصل الى اتفاق ملزم اكثر مع وزير المالية الفلسطيني، سلام فياض، ووفقها توجد مراقبة من قبل مكتب مدقق حسايات امريكي.
ورغم تركيز الجهود في هذا المجال، يعترفون في الجهاز الأمني، أنه ما زال هناك نقص كبير في المعلومات المخابراتية. من السهل أكثر على الشاباك أن يحدد من قام بتركيب أي عبوة ومتى وكيف وصلت العبوة للانتحاري، من أن يفهم بأي وسائل وطرق التفافية تتدفق الاموال من الخارج الى اسرائيل.
التعاون الوثيق مع قوات أمن أجنبية في هذا المجال بدأ يثمر نتائج . ورغم المخاطر الواضحة، يبدو ان المشكلة لا تقف بعد على رأس سلم أجندة القادة في اسرائيل. "إذا كان هناك أحد يعتقد بأنه يمكن الآن أن ننام بهدوء، وأن اعتقال رجال الحركة الاسلامية أوقف تدفق الاموال للارهاب- فإنه ببساطة على خطأ"، خلص الى القول مصدر أمني.
(هآرتس 14 أيار 2003 )