قدّم عمرام متسناع مساء الأحد الموافق 4/5/2003 استقالته من رئاسة حزب العمل الإسرائيلي، وذلك بعد مضي تسعة أشهر على انتخابه لهذا المنصب من قبل منتسبي الحزب. وجاءت الاستقالة بعد عدة أشهر من مخاض عسير فشل خلالها متسناع بقيادة حزبه إلى أي انجاز يذكر، وقد تمثل فشله الأكبر بعدم استطاعته توحيد الحزب خلفه، مما ساهم بصورة مباشرة بضرب الحزب انتخابيا في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت للكنيست في الثامن والعشرين من كانون ثاني/ يناير المنصرم. وفي الوقت الذي يتحدث فيه الكثيرون عن الدوافع التي حدت بمتسناع للاستقالة، إلا أن قلة قليلة تنبهت إلى بعض التطورات الأخيرة التي حدثت في الحزب والتي كانت بمثابة "القشة التي قصمت ظهر البعير" والتي حسمت الأمور لدى متسناع تجاه الاستقالة.فبالرغم من أن الكثيرين من قادة الحزب عملوا على تقويض زعامة متسناع بصورة مستمرة، دون الاكتراث بكونه زعيم الحزب المنتخب، وبالرغم من المطبات التي وقع فيها متسناع خلال الشهور التسع الأخيرة، إلا أن الأيام القليلة الماضية شهدت بعض التطورات التي أفقدته الرغبة في مواصلة قيادة حزب العمل.
بالإمكان الحديث عن أربعة تطورات بارزة حدثت مؤخرا وتبين من خلالها لمتسناع بأن فقدانه لقيادة الحزب أصبح مسألة وقت فقط.
التطور الأول هو العمل المكثف الذي قام به بعض نشطاء الحزب تجاه تقريب موعد الانتخابات لزعامة الحزب من جهة، مستهدفين ايضاً إعادة رئيس الحزب الأسبق إيهود براك لتسلم دفة القيادة مجددا. اعتبر عمرام متنساع هذه التحركات وكأنها طعنة سكين في الظهر، في وقت أكثر ما يحوج حزب العمل فيه هو الوحدة الداخلية لمواجهة حكومة أرئيل شارون اليمينية. كما أن متسناع، المعروف برؤيته السياسية الحمائمية واستقامته النسبية في التعامل مع خصومه، وصل إلى قناعة بأن الحزب هو عبارة عن "عش دبابير"، وبالتالي فإنه لا يستحق تضحيات من جانبه. هذه القناعة قد تدفع متسناع، الذي بقي عضوا في الكنيست بالرغم من استقالته من رئاسة العمل، إلى فحص امكانية تأسيس حزب يساري جديد بالتعاون مع ميرتس وبعض منشقي العمل.
أما التطور الثاني فقد كان داخل معسكر متسناع ذاته، مما اعتبر بداية لتفسخ هذا المعسكر. فقد أعرب عضو الكنيست العمالي متان فلنائي، والذي كان أول من أيد ترشيح متسناع لرئاسة الحزب علنا قبل نحو عام، عن رغبته بمنافسة متسناع على زعامة الحزب بعد أن حصل على بعض استطلاعات الرأي التي ادعت بأنه صاحب الفرص الأكبر بالحصول على تأييد أعضاء العمل في انتخابات داخلية قد تجرى في المستقبل القريب. إن رغبة فلنائي بمنافسة متسناع من جهة وقدرة فلنائي على تجنيد أنصار له من داخل معسكر متسناع، من جهة اخرى، جعلت متسناع يعتقد بأن قيادته للحزب آخذة في الانهيار، وبأن عليه استخلاص العبر في أسرع وقت ممكن.
لقد تبين لعمرام متسناع مؤخرا بأن عليه المضي قدما في تقليص مصروف الحزب، نظرا للديون الكبيرة التي يرزح تحت أعبائها والتي تقدر بنحو 130 مليون شيكل إسرائيلي (حوالي 30 مليون دولار أمريكي)، مما يحد من قدرته على تجنيد خبراء متخصصين لمساعدته في تحسين أوضاع الحزب، بالذات في ظل غياب تعاون حقيقي وفعال من قبل قادة الحزب الآخرين معه. وقد تعاظمت خشية متسناع من هذا التقليص في قدرة الحزب المالية بعد أن تسلم طلبا خطيا من دورون ألحناني، مدير عام الحزب، بصدد تجميد فعاليات الحزب ريثما تتم دراسة كيفية الخروج من الأزمة المالية الراهنة التي تعصف به. لذلك، فإن عدم توفر ميزانية تساعد متسناع في المضي قدما بتنفيذ بعض المشاريع السياسية، التي من شأنها مساعدته على تعزيز قيادته للحزب، فقد رأى أن استقالته أصبحت أمرا حتميا.
بالإضافة إلى ذلك، فإن التطور الذي حدا بمتسناع إلى اتخاذ قراره النهائي للاستقالة من رئاسة العمل يتعلق بشكل مباشر بما حدث مؤخرا في فرع حزب العمل في مدينة حيفا، التي كانت تعد معقل متسناع، بالذات بعد أن كان رئيسا لبلدية هذه المدينة نحو عقد من الزمن، وبعد أن حظي بشعبية واسعة من قطاعات كبيرة في المدينة. فعمرام متسناع تدخل على رأس طاقم قطري لحزب العمل فارضا الأستاذة الجامعية عليزا شنهار كمرشحة العمل لرئاسة البلدية في الانتخابات المقرر لها أن تجرى في الثالث من حزيران المقبل، الأمر الذي لاقى معارضة شديدة داخل أروقة الحزب. كما أن هذا الأمر أحدث تمردا داخل الحزب، حيث قاد النشيط العمالي المحامي يونا ياهف قائمة جديدة، بالتعاون مع حزب "شينوي" وحركة "الخُضر" مرشحا نفسه لرئاسة البلدية، مما أدى إلى انقسام معسكر اليسار في حيفا وزيادة فرص شموئيل أراد، مرشح الليكود، بالفوز برئاسة البلدية في المدينة التي لم يفز بها الليكود أبدا برئاسة البلدية.
كما أن الطاقم الذي رأسه متسناع اقترح على عضو المجلس البلدي من حزب العمل، نيطاع غوفرين المحسوبة على معسكر بنيامين بن إليعيزر، خصم متنساع التقليدي، تبوء الموقع السادس في قائمة الحزب المنافسة في الانتخابات البلدية، إلا أن غوفرين أصرت على تبوء الموقع الرابع، بعكس رغبة متسناع. وفي التصويت الذي حصل داخل فرع الحزب استطاعت غوفرين الحصول على 43 صوتا لصالحها مقابل 42 صوت وممتنع واحد، مما فُسر كفشل ذريع لمتسناع في عقر داره.
إذا أضفنا التطورات الأخيرة المذكورة أعلاه إلى ضعف التيار اليساري في إسرائيل من جهة وفقدان متسناع للكاريزما المطلوبة لقيادة حزب العمل خاصة واليسار الإسرائيلي عامة، من جهة اخرى، لوصلنا إلى نفس الاستنتاج الذي أعلن عنه متسناع يوم الأحد الأخير.
غير أن استقالة متسناع من زعامة الحزب العمل من شأنها أن تساهم في المستقبل القريب بتغيير ملامح حزب العمل خاصة واليسار الإسرائيلي عامة وربما تجعلنا نرى تغييرات جذرية في الخريطة السياسية الإسرائيلية، بالذات في ظل التطورات الإقليمية والدولية الراهنة.
4 أيار 2003