ثمة مآخذ كثيرة على الاتفاقيات الائتلافية التي وقعها حزب الليكود مع أحزاب الصهيونية الدينية وأحزاب اليهود الحريديم المتشددين دينياً ضمن سعيه لتأليف الحكومة الإسرائيلية المقبلة والتي من المتوقع إعلانها بعد أسبوع. وهي مآخذ طُرحت بقوة في سيلٍ لا ينقطع من التحليلات الإسرائيلية في الأيام القليلة الفائتة.
يكمن أحد أسباب تعزّز قوة قائمة تحالف "الصهيونية الدينية" في انتخابات الكنيست الـ 25 التي جرت يوم 1 تشرين الثاني 2022، والتي تُرجمت في ارتفاع تمثيله إلى 14 مقعداً، وتحوّله إلى القوة البرلمانية الثالثة، في انتقال أغلبية مصوتي حزب "يمينا" إلى التصويت للتحالف المذكور. وقد وقف على رأس "يمينا" (في انتخابات الكنيست الـ 24) رئيس الحكومة السابق نفتالي بينيت، الذي أعلن اعتزال الحياة السياسية بعد انتهاء توليه لمنصب رئيس الحكومة ونقل رئاسة الحزب إلى وزيرة الداخلية السابقة أييلت شاكيد، وكان الحزب ممثلاً في ذلك الكنيست بـ 7 مقاعد، ولكنه لم يتمكن في الانتخابات الأخيرة من تجاوز نسبة الحسم بالرغم من اندماجه ضمن حزب "البيت اليهودي" (المفدال سابقاً) في تحالف واحد وقفت شاكيد على رأسه. وإننا إذ نسجّل هذا السبب فمن أجل الكشف عما يستتر وراء ظاهر المعنى من هذا الانتقال، ولا سيما في صفوف المعسكر السياسي- الحزبي المعروف باسم "الصهيونية الدينية"، والذي تنتمي إليه جميع الأحزاب المذكورة أعلاه.
أكدت ورقة تقدير موقف جديدة صادرة عن "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الـ 25 (في 1 تشرين الثاني 2022) لم تفاجئ الفلسطينيين الذين، بصفتهم متابعين دائمين لما يحدث في إسرائيل، استطاعوا تشخيص التغيير الذي يجري منذ أكثر من عشرة أعوام في علاقة المجتمع الإسرائيلي بالقضية الفلسطينية، وارتفاع مكانة وقوة الأحزاب المعارِضة للتسوية السياسية. وبحسب الورقة، فإن النتائج عزّزت التقديرات التي يتم الحديث عنها في أوساط فلسطينيين كثر، ووفقاً لها لن تعترف إسرائيل بالفلسطينيين كشعب، ولا بحقهم في تقرير المصير، ناهيك عن أن إسرائيل ترفض "حلّ الدولتين"، وفي أفضل الأحوال ستوافق على حكم ذاتي فلسطيني مُوسّع، وسوف تستمر في بناء المستوطنات في أراضي الضفة الغربية، ولن تُخلي البؤر الاستيطانية، كذلك فإن القوى السياسية الإسرائيلية التي تريد ترسيخ العلاقات على أساس تعايُش وسلام ضعفت كثيراً إلى جانب ازدياد الخطر بأن يتحول الصراع من صراع قومي إلى صراع ديني.
كان من أبرز نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الـ25 التي جرت يوم 1 تشرين الثاني 2022، عدم تمكن حزب ميرتس ("يسار صهيوني") من اجتياز نسبة الحسم، ما عكس تدهوراً كبيراً في مسيرة هذا الحزب.
وبغية التذكير بالعوامل التي تسببت بهذا التدهور نستعيد هنا بعض المحطات ومفترقات الطرق التي مرّت بها تلك المسيرة ولا سيما منذ خمسة أعوام، وكنا توقفنا عندها في السابق أكثر من مرة.
منذ ظهور النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية العامة التي جرت يوم 1 تشرين الثاني الحالي وأظهرت أن بنيامين نتنياهو بات، إذا ما رغب، قادراً على تأليف حكومته السادسة فقط عبر إقامة ائتلاف حكوميّ مع من يوصفون بأنهم "حلفاؤه الطبيعيون"، وهم أحزاب "الصهيونية الدينية" واليهود الحريديم المتشددين دينياً، ازدادت التحذيرات من أن مثل هذه الحكومة ستؤدي إلى اتساع الشرخ بين إسرائيل واليهود في الولايات المتحدة، ما سينعكس بشكل شبه أكيد على العلاقات بين الدولتين عموماً.
1- لعل أول ما تثبته نتائج انتخابات الكنيست الـ25 التي جرت يوم 1 تشرين الثاني 2022، والتي تطالعون تحليلاً موسعاً ومعمقاً لها ولإسقاطاتها في معظم مواد العدد الحالي من "المشهد الإسرائيلي"، أن اليمين الإسرائيلي بات منذ فترة طويلة يحتل الأكثرية في الكنيست، فضلاً عن أن ما يسمى بـ" معسكر قوى الوسط- اليسار" لا يتبنى طروحات بعيدة جداً عن طروحات هذا اليمين، ولا سيما في ما يتعلق بالموقف من القضية الفلسطينية، وفي سائر مفاصل السياسة الخارجية الإقليمية والعالمية. وسبق أن تطرقنا إلى هذه المسألة بتفصيل أكبر يوم 22 آب 2022 لدى توقفنا عند جوهر المعسكرات السياسية المتنافسة في الانتخابات، بما يعفينا من عناء التكرار.
الصفحة 13 من 45