المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • كلمة في البداية
  • 1100
  • أنطوان شلحت

أثبتت معطيات جديدة نشرتها منظمة "يش دين" ("يوجد قانون") الإسرائيلية لحقوق الإنسان هذه الأيام أن فشل ما تصفه بأنه "جهاز تطبيق القانون الإسرائيلي" في الأراضي المحتلة منذ 1967 في القيام بواجبه في حماية الفلسطينيين من عنف المستوطنين يعتبر منهجياً، وأشارت إلى أنه في الوقت عينه فشل طويل الأمد، ما يؤكد أن هذه سياسة متعمدة لدولة إسرائيل التي تعمل على تطبيع العنف الأيديولوجي للمستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وتدعمه بل وتستفيد من نتائجه.

ولفتت المنظمة أيضاً إلى أن أعمال العنف والمخالفات التي يمارسها المستوطنون ضد الفلسطينيين تُرتكب في جميع أنحاء الضفة الغربية؛ في الأراضي الزراعية، وعلى الطرقات، وفي شوارع القرى والمدن وحتى في المنازل. ويسعى المستوطنون، من خلال العنف، لتوسيع نطاق الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية عن طريق زرع الرعب والخوف وتعطيل الحياة اليوميّة للفلسطينيين.
وتحتوي هذه المعطيات على تفاصيل يجدر توثيقها، ومنها ما يلي:


(*) منذ العام 2005، قامت منظمة "يش دين" برصد 1597 ملف تحقيق تم فتحها في أعقاب أعمال عنف قام بها مستوطنون إسرائيليون ضد فلسطينيين في مناطق الضفة الغربية (لا تشمل القدس الشرقية). بالإضافة إلى هذه الحالات وثّقت "يش دين" على مدى عدة أعوام مئات من حوادث عنف المستوطنين الإضافية التي اختار فيها الضحايا الفلسطينيون للمخالفة عدم تقديم شكوى إلى الشرطة، وفي هذه الحالات، وفقاً للأغلبية، لم تحقق الشرطة في المخالفات على الإطلاق. ومن بين 1531 قضية تحقيق تم الانتهاء من معالجتها، جرى تقديم لوائح اتهام لـ 107 قضايا (7 بالمئة) فقط. ويُظهر تحليل الظروف التي تم فيها إغلاق ملفات التحقيق، أن الشرطة فشلت في التحقيق في 81.5 بالمئة من الملفات التي تم فتحها منذ العام 2005. وتشير نسبة الفشل المرتفعة هذه إلى فشل منهجي مستمر لهيئات تطبيق القانون في التعامل مع الجرائم الأيديولوجية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية.


(*) منذ كانون الأول 2022 ومنظمة "يش دين" تقوم برصد 91 واقعة تتعلق بمخالفات ارتكبها مستوطنون إسرائيليون ضد فلسطينيين في الضفة الغربية (هذه الوقائع انتهت معالجتها في الشرطة وأدت الى تقديم لوائح اتهام). 50 بالمئة من لوائح الاتهام (46 واقعة) أدت إلى إدانة كاملة أو جزئية للمتهمين بارتكاب مخالفة. 42 بالمئة من الإجراءات (38 واقعة) انتهت بلا شيء بعد أن قررت المحكمة عدم إدانة المتهمين، أو إلغاء لائحة الاتهام أو حذفها. وإجمالاً، منذ العام 2005، أدت 3 بالمئة فقط من ملفات التحقيق التي تم فتحها لارتكاب مخالفات أيديولوجية من طرف مستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى إدانة. هذا المعدل المنخفض يبعث برسالة مفادها أن جهاز تطبيق القانون لا ينظر بجدية إلى عنف المستوطنين ويساهم في تعزيز الشعور بالحصانة عند الجناة وتكرار أفعالهم.


(*) المعلومات التي تجمعها وتحللها "يش دين" لا تشمل جميع الحوادث التي يقوم فيها المستوطنون الإسرائيليون بإلحاق الضرر بالفلسطينيين أو بممتلكاتهم في الضفة الغربية. ومن أجل الحصول على صورة أكثر شمولاً، تتصل "يش دين" بشرطة إسرائيل كل عام لتلقي بيانات حول تطبيق القانون في الضفة الغربية من "الهيئة المكلفة بهذه المهمة". ومن البيانات التي قدمتها الشرطة الإسرائيلية إلى "يش دين"، يبدو أنه في العام 2021، تم فتح 282 ملف تحقيق في منطقة "لواء شاي" (شومرون ويهودا، أي الضفة الغربية) بشأن "السلوك الإسرائيلي غير المنضبط والجريمة اليهودية القومية". في 113 حالة كان المتضررون فلسطينيين وفي 169 ملف تحقيق كان ضحايا المخالفة من غير الفلسطينيين (أفراد من قوات الأمن الإسرائيلية ونشطاء إسرائيليون وأجانب). عندما كانت الضحية فلسطينية، تم تقديم 3 لوائح اتهام فقط، وهي نسبة 2.6 بالمئة من إجمالي ملفات التحقيق. لكن عندما كانت الضحية غير فلسطينية، تم تقديم 16 لائحة اتهام، أي ما يعادل 9.5 بالمئة من مجموع ملفات التحقيق. أي أن احتمال تقديم لائحة اتهام ضد مستوطن أساء إلى شخص غير فلسطيني في الضفة الغربية (أفراد من قوات الأمن وآخرين) يزيد بمقدار ضعفين ونصف الضعف عن فرصة قيام سلطات إنفاذ القانون الإسرائيلية بتقديم لائحة اتهام ضد مستوطن قام بإيذاء فلسطيني. وبذا، تظهر البيانات موقفاً تمييزياً في عمل سلطات تطبيق القانون في الأراضي المحتلة. فالجريمة التي يرتكبها إسرائيلي بحق من هو غير فلسطيني، أي بحق أفراد من قوات الأمن وآخرين، تؤدي إلى تحقيق كبير من طرف الشرطة وتقديم لوائح اتهام. في المقابل فإنه فيما يتعلق بالعنف الموجه ضد الفلسطينيين، يتصرّف جهاز تطبيق القانون بإهمال ولا يلاحق الجناة.
منذ عدة أعوام استشهدنا باستخلاص جازم توصل إليه أستاذ اللسانيات الإسرائيلي، البروفسور عيدان لاندو، مؤداه أن "البربرية الإسرائيلية الحديثة"، حسبما تتجسّد مظاهرها في آخر الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في أراضي 1967، هي البربرية الإسرائيلية القديمة ذاتها، لكن من دون خجل، نظراً إلى أن "مُستنقع الاحتلال يخلع شكلاً ويرتدي آخر. فهو هنا منذ أعوام طويلة، ونحن غارقون فيه إلى درجة أصبح من الصعب معها أن نرى التغييرات الحاصلة فيه"!، على حدّ ما يؤكد. ومن أبرز هذه التغيّرات رسوخ واقع كون الجيش والمستوطنين في تلك الأراضي هما بمثابة يد واحدة. وهو واقع يُترجم جانباً مهماً وخطراً من تطورات بنيوية عميقة حدثت في إسرائيل مرتبطة بالتغيّرات الديموغرافية المجتمعية، وبالتحولاتالاجتماعية في مجتمع المهاجرين الاستعماري والآثار الاستراتيجية لاحتلال 1967، كما بيّن المرة تلو الأخرى "تقرير مدار الاستراتيجي" حول المشهد الإسرائيلي.
وتحت وطأة هذه التحوّلات تقلّصت في الأعوام الأخيرة، بشكل حادّ، ما تسميه الأدبيات الإسرائيلية "حريةعمل الجيش الإسرائيلي في مقابل المستوطنين". ويُعزى هذا، من بين أمور أخرى، إلى ازدياد نسبة مُعتمري الكيبا (القبعة الدينية اليهودية) والمستوطنين العاملين في وحدات الجيش ولا سيما المنتشرة فيالضفة الغربية بشكل دائم أو مؤقت (مثل لواء المشاة)، بالإضافة إلى القيادات المُكلفة بـ "حفظ النظام" فيالضفة، بما في ذلك الإدارة المدنية. وفي كثير من الأحيان يظهر أن ولاء هؤلاء للقيادة العسكرية جزئي لاأكثر، وفي هذا يكمن أيضاً أحد عوامل انتشار البؤر الاستيطانية العشوائية وصعوبة إخلائها. ولئن كان هذا الكلام يشخص الواقع القائم منذ فترة فما بالكم الآن وقد أصبح وزراء الصهيونية الدينية وأتباع كهانا من المستوطنين هم المسؤولون عن "الأمن القومي" والإدارة المدنية وغيرهما، وأصبح من الصعب التفريق بين الطرفين.

المصطلحات المستخدمة:

الصهيونية, شاي, الإدارة المدنية

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات