وفقاً لآخر القراءات الإسرائيلية حول المحطة الراهنة التي وصلت إليها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، وما يمكن أن تؤول إليه في قادم الأيام، يمكن ملاحظة ما يلي:
أولاً، هناك اتفاق واسع على أن سلوك رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو ناجم قبل أي شيء عن مصلحته الشخصية والسياسية الضيقة من جهة، وعلى أن هذه المصلحة منفصلة تماماً عن حاجات إسرائيل في الواقع، من جهة أخرى. ولعلّ أكثر ما دفع في اتجاه هذا الاتفاق الواسع في أوساط المحللين الإسرائيليين هو موضوع صفقة التبادل التي من شأنها أن تؤدي إلى وقف الحرب، ولكنها ما زالت متعثرة، فقط بسبب الشروط التي يضعها نتنياهو، وكان آخرها ضرورة استمرار سيطرة إسرائيل على كل من معبر رفح ومحور فيلادلفيا في منطقة الحدود بين قطاع غزة ومصر.
عبّر محافظ بنك إسرائيل المركزي، أمير يارون، الأسبوع الماضي، عن نظرة تشاؤمية حيال مستقبل الاقتصاد الإسرائيلي، استنادا إلى سلسلة معطيات في الاقتصاد، ومعها أداء الحكومة في إدارة الميزانية، وشكل إعداد ميزانية العام المقبل. وأعلن عن إبقاء الفائدة البنكية على حالها، وهي تُعد عالية بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، ملمحا إلى أنها قد تبقى عند مستواها الحالي فترة طويلة. ويأتي هذا القرار، في ظل استفحال غلاء المعيشة، رغم ما يظهر من لجم لوتيرة التضخم في الشهرين الماضيين، فالأسعار ترتفع بنسب أعلى من نسب التضخم في المواد والبضائع الحياتية الأساسية، من أغذية وغيرها. إلى ذلك، فقد نشرت معطيات جديدة بشأن الكلفة العسكرية للحرب الدائرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، إذ بلغت حتى الآن 30 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل حتى نهاية العام الجاري إلى أكثر من 35 مليار دولار، وهذا لا يشمل الكلفة المدنية للحرب.
في 8 تموز 2024، أعلن الجيش الإسرائيلي أن يهودا فوكس، قائد المنطقة العسكرية الوسطى في الجيش، أنهى خدمته وخرج إلى التقاعد، وحل مكانه اللواء آفي بلوط. يأتي هذا الانتقال في قيادة المنطقة الوسطى في ظل توتر كبير في العلاقات بين المستوطنين التوراتيين وقائد المنطقة الوسطى المنصرف، فوكس، لدرجة وصلت إلى أن تضع المخابرات الإسرائيلية حراسا مرافقين لفوكس خوفاً على حياته من المستوطنين الغاضبين. ففي شباط 2023، تم نقل صلاحيات إدارة حياة المستوطنين والتخطيط والبناء في المنطقة "ج" وجزء من عمليات مصادرة الأراضي من القيادة الوسطى للجيش إلى وزارات مدنية، مما أدى إلى تضارب في الصلاحيات بين القيادة الوسطى والوزارات المدنية التي يسيطر عليها المستوطنون. واجه اللواء فوكس تحديات كبيرة بسبب تآكل سلطته وعدم قدرته على الاستمرار كصاحب السيادة على منطقة محتلة، خاصة مع تعمد الشرطة الإسرائيلية تحت قيادة الوزير إيتمار بن غفير عدم فرض الأمن في شوارع الضفة الغربية وترك المستوطنين المسلحين يمارسون أعمالاً إرهابية.
حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما زرعته من قتل ودمار في الجانب الفلسطيني، وبما مُنيت به من فشل ذريع في تحقيق أي من أهدافها المُعلَنة، بما فيها تحرير المخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وما تمخض عن هذه الحرب التي دخلت شهرها العاشر على التوالي من آثار وانعكاسات على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك عدم قدرة سكان العديد من البلدات في جنوب البلاد على العودة إلى بلداتهم وترميم منازلهم والعودة إلى السكن فيها، ومثلها أيضاً الأوضاع المتوترة على الحدود الشمالية وتبادل العمليات الحربية مع حزب الله اللبناني، بما في ذلك أيضاً هجرة السكان من العديد من بلدات الشمال الحدودية وتحوّلها إلى "مدن أشباح" منذ أشهر عديدة ـ هذا كله لا يشكل سبباً مهماً وكافياً يؤدي إلى إسقاط الحكومة الإسرائيلية الحالية!
الصفحة 42 من 880