المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
حريديم أمام مكتب تجنيد في القدس. (فلاش 90)

حرب الإبادة الإسرائيلية المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بما زرعته من قتل ودمار في الجانب الفلسطيني، وبما مُنيت به من فشل ذريع في تحقيق أي من أهدافها المُعلَنة، بما فيها تحرير المخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية، وما تمخض عن هذه الحرب التي دخلت شهرها العاشر على التوالي من آثار وانعكاسات على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بما في ذلك عدم قدرة سكان العديد من البلدات في جنوب البلاد على العودة إلى بلداتهم وترميم منازلهم والعودة إلى السكن فيها، ومثلها أيضاً الأوضاع المتوترة على الحدود الشمالية وتبادل العمليات الحربية مع حزب الله اللبناني، بما في ذلك أيضاً هجرة السكان من العديد من بلدات الشمال الحدودية وتحوّلها إلى "مدن أشباح" منذ أشهر عديدة ـ هذا كله لا يشكل سبباً مهماً وكافياً يؤدي إلى إسقاط الحكومة الإسرائيلية الحالية!

هذا أبرز ما أظهرته نتائج استطلاع "مؤشر الصوت الإسرائيلي" الأخير، لشهر حزيران الماضي. وطبقاً لهذه النتائج، فإنّ الموضوع الأساس الذي يمكن أن يشكل "سبباً رئيساً" يؤدي إلى النتيجة المذكورة (إسقاط الحكومة) هو "التوتر القائم بين أحزاب الحريديم والأحزاب الأخرى" في الائتلاف الحكومي الحالي، على خلفية أزمة إلزام الشبان الحريديم بتأدية الخدمة العسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي، وأزمة "قانون الحاخامات" الذي طرحت كتلة شاس مشروعه على الكنيست، لكن كتلة "عوتسما يهوديت" برئاسة الوزير إيتمار بن غفير تسببت في إفشال التصويت عليه، ثم تأجيله بالتالي، احتجاجاً على رفض رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ضمّ بن غفير إلى عضوية "كابينيت الحرب".

فردّاً على سؤال "من بين المواضيع التالية، أيها برأيك هو السبب الأساس الذي يمكن أن يؤدي إلى سقوط الحكومة؟"، قال 44,4 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع إنه التوتر المذكور بين كتل الحريديم وكتل الائتلاف الأخرى، وهو ما قاله أيضاً 46,9 بالمائة من المشاركين اليهود في الاستطلاع و32,4 بالمائة من المشاركين العرب. استمرار الحرب ضد قطاع غزة، لم يعتبرها سبباً كافياً لإسقاط الحكومة سوى 5,8 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و2,9 بالمائة من المشاركين اليهود و19,9 بالمائة من المشاركين العرب. واعتبر استمرار تبادل النيران الكثيفة في الحدود الشمالية مع حزب الله سبباً كافياً لإسقاط الحكومة 4,3 بالمائة من مجمل المشاركين وكذلك 4,3 بالمائة من المشاركين اليهود و4,3 بالمائة من المشاركين العرب. ولم تشكل مسألة عدم التوصل إلى اتفاق يضمن تحرير المخطوفين الإسرائيليين في قطاع غزة سبباً كافياً لإسقاط الحكومة سوى في نظر 16,3 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و14,6 بالمائة من المشاركين اليهود و24,5 بالمائة من المشاركين العرب.

ومن المثير في نتائج الاستطلاع بشأن السؤال المذكور أن 21,5 بالمائة من مجمل المشاركين فيه و23,4 بالمائة من المشاركين اليهود و11,9 بالمائة من المشاركين العرب قالوا إن "لا أحد من المواضيع المذكورة يمكن أن يكون سبباً كافياً يؤدي إلى إسقاط الحكومة".

يُشار إلى أنّ "مؤشر الصوت الإسرائيلي" هو الاستطلاع الذي يجريه "مركز فيطربي للرأي العام والسياسات في إسرائيل " (في إطار "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" وكجزء منه) مرة كل شهر، ابتداء من نيسان 2019. وقد شمل استطلاع المؤشر لشهر حزيران الأخير عينة من المستطلَعين قوامها 750 شخصاً من الذكور والإناث (600 منهم من اليهود و150 من العرب، في سن 18 سنة وما فوق) جرى استطلاعُ آرائهم خلال ثلاثة أيام ـ اليوم الأخير من حزيران الماضي واليومان الأولان من تموز الجاري. وتناول هذا الاستطلاع مجموعة من القضايا والأسئلة المطروحة على جدول الأعمال الإسرائيلي العام وتشكل القضايا المركزية التي يتداولها الإعلام الإسرائيلي بكثافة عالية خلال الفترة الأخيرة، وأبرزها: المزاج القومي العام ـ مستقبل النظام الديمقراطي في إسرائيل ومستقبل الأمن القومي الإسرائيلي؛ الوضع على الجبهة الشمالية، مع حزب الله اللبناني؛ قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمّل الحرب المتواصلة والممتدة إلى وقت طويل؛ الصفقة لتحرير المخطوفين الإسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة؛ تأثير الوضع الأمني على المزاج العام في الدولة؛ العودة إلى الحياة الاعتيادية والتقرّب من الدين؛ ما السبب الأكثر أهمية الذي يمكن أن يؤدي إلى سقوط الحكومة الإسرائيلية الحالية؟؛ ومسألة فرض التجنيد الإلزامي على الشبان الحريديم لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي.

حضيض "المزاج القومي" وغموض "الجبهة الشمالية"!

جاءت نتائج الاستطلاع الجديد في ما يتعلق بالمجالين اللذين يشكلان "المزاج القومي" (الإسرائيلي) مشابهة لنتائج استطلاع الشهر السابق، أيار، وهي الأدنى على الإطلاق حتى الآن، أي منذ البدء بإجراء هذا الاستطلاع الذي يشمل بصورة دائمة سؤالين حول مركّبيّ "المزاج القومي" ـ شعور المواطنين الإسرائيليين حيال وضع إسرائيل الأمني وحيال النظام الديمقراطي في إسرائيل في المستقبل المنظور. ويؤكد معدّو الاستطلاع أن هذين المركّبين أصبحا مترابطين بشدة، من حيث ديناميكية التأثير والتأثر المتبادلين التي نشأت بينهما عقب أحداث السابع من تشرين الأول ثم تعززت بصورة عميقة جراء الحرب على قطاع غزة وحيال استمرارها، من جهة، ومن جراء التصعيد الحاصل على الحدود الشمالية بين إسرائيل وحزب الله واحتمال تدهوره السريع إلى حرب شاملة، قد تتسع لتكون حرباً إقليمية، من جهة أخرى.

فقط أقل من ثُلث مجمل المشاركين في الاستطلاع (29 بالمائة) قالوا إنهم متفائلون بشأن المجالين المذكورين، بينما كان العرب المشاركون في الاستطلاع أقل تفاؤلاً من المشاركين اليهود في كلا المجالين ـ مستقبل النظام الديمقراطي (34 بالمائة من اليهود مقابل 17 بالمائة من العرب) ومستقبل الأمن القومي (32 بالمائة من اليهود مقابل 14 بالمائة من العرب). لكنّ الأغلبية الكبيرة من مجمل المشاركين عبّرت عن تشاؤمها حيال المستقبل في كلا المجالين ـ النظام الديمقراطي (66,2 بالمائة) والأمن القومي (68,5 بالمائة)؛ كما كان التشاؤم سيد الموقف والشعور أيضاً بين المشاركين اليهود والعرب، لكن بنسبة أكبر بين العرب - النظام الديمقراطي (62,8 بالمائة و83,9 بالمائة، على التوالي) والأمن القومي (65,4 بالمائة و83,7 بالمائة، على التوالي).

في ضوء الوضع الحربيّ المعقد على الجبهة الشمالية بين إسرائيل وحزب الله، سُئل المشاركون في الاستطلاع عن رأيهم في ما ينبغي على إسرائيل القيام به هناك، فتبين من النتائج أن الجمهور الإسرائيلي منقسم بين مَن يعتقدون بضرورة السعي إلى تسوية سياسية مع حزب الله رغم احتمال اندلاع مواجهة إضافية أخرى في المستقبل (42,2 بالمائة من مجمل المشاركين) ومَن يعتقدون بضرورة "التحرك لتحقيق حسم عسكري ضد حزب الله، حتى ولو بثمن تكبيد الجبهة الداخلية/ المدنيين خسائر كبيرة" (37,7 بالمائة). وقال 10,3 بالمائة من مجمل المشاركين إنه "ينبغي مواصلة القتال كما يجري اليوم"، بينما قال 9,8 بالمائة إنهم لا يعرفون ما ينبغي القيام به.

وأظهرت النتائج فوارق كبيرة وجدية جداً في هذا الموضوع بين مواقف المشاركين اليهود في الاستطلاع ومواقف المشاركين العرب: بين اليهود ـ 43,5 بالمائة (مقابل 9 بالمائة فقط من المشاركين العرب) يريدون الحسم العسكري، ولو بالثمن المذكور آنفاً، بينما يفضّل 35,6 بالمائة (مقابل 74,6 من المشاركين العرب) التسوية السياسية لإنهاء حالة القتال الحالية و11,8 بالمائة يؤيدون استمرار القتال كما هو عليه اليوم (مقابل 3,2 بالمائة من المشاركين العرب).  

أغلبية لصفقة تحرر المخطوفين وتنهي الحرب

إزاء استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة واحتمالات اندلاع حرب شاملة في الشمال، مع حزب الله، سُئل المشاركون في الاستطلاع عن مدى قدرة المجتمع الإسرائيلي على التحمل والفترة الزمنية التي يمكن له أن يتحمل أعباء هذه الحالة، فبيّنت النتائج أن المشاركين اليهود يقدّرون هذه الفترة على النحو التالي: أشهر قليلة فقط ـ 29 بالمائة (مقابل 32 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع و46,7 بالمائة من المشاركين العرب)، بين نصف سنة وسنة كاملة ـ 21,8 بالمائة (مقابل 20,3 بالمائة من مجمل المشاركين و12,7 بالمائة من المشاركين العرب)، سنة كاملة وأكثر ـ 7,6 بالمائة (مقابل 7,5 بالمائة من مجمل المشاركين و7,3 بالمائة من المشاركين العرب)، كل ما يحتاجه من وقت من أجل تحقيق أهداف الحرب المعلنة ـ 34 بالمائة (مقابل 30,3 بالمائة من مجمل المشاركين و11,9 بالمائة من المشاركين العرب).

يتضح من هذه النتائج ومقارنتها بنتائج سابقة أنه قد حصل انخفاض ملموس في نسبة المشاركين اليهود الذين يعتقدون أن المجتمع الإسرائيلي قادر على التحمّل كل الوقت اللازم من أجل تحقيق أهداف الحرب (من 40 بالمائة في آذار، مثلاً، إلى 34 بالمائة في حزيران)، بينما حصل ارتفاع في نسبة المشاركين العرب الذين يعتقدون بأن المجتمع الإسرائيلي غير قادر على التحمل لأكثر من أشهر قليلة (من 37 بالمائة في آذار إلى 47 بالمائة في حزيران)، في مقابل انخفاض حاد في نسبة المشاركين العرب الذين يعتقدون بأن هذه القدرة قد تستمر من نصف سنة إلى سنة كاملة (من 32 بالمائة في آذار إلى 13 بالمائة في حزيران)، كما حصل ارتفاع حاد أيضاً في نسبة المشاركين العرب الذين "لا يعرفون" (من 12 بالمائة في آذار إلى 21 بالمائة في حزيران). 

السؤال الآخر الذي يتكرر في الاستطلاعات خلال الأشهر الأخيرة في هذا السياق هو، بطبيعة الحال، حول مسألة الصفقة لتحرير المخطوفين الإسرائيليين في قطاع غزة. وقد كانت صيغة السؤال في هذا الاستطلاع: "ماذا ينبغي على إسرائيل أن تفعل، برأيك، بشأن الصفقة لتحرير المخطوفين؟". وعلى هذا السؤال، جاءت الإجابات في ثلاثة احتمالات على النحو التالي: 1. الموافقة على صفقة لتحرير جزء من المخطوفين في مقابل وقف مؤقت للقتال في قطاع غزة ـ هذا ما أيّده 29,4 بالمائة من مجمل المشاركين، 33,8 بالمائة من المشاركين اليهود و7,8 بالمائة من المشاركين العرب؛ 2. الموافقة على صفقة شاملة لتحرير جميع المخطوفين في مقابل إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة ـ وهو ما أيّده 56,1 بالمائة من مجمل المشاركين في الاستطلاع، 49,6 بالمائة من المشاركين اليهود و88,1 بالمائة من المشاركين العرب؛ 3. "لا أعرف" ـ 14,5 بالمائة من مجمل المشاركين، 16,6 بالمائة من المشاركين اليهود و4,1 بالمائة من المشاركين العرب.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات