يُحسن المسلسل الإسرائيلي بعنوان "كراهية حتى الموت" صنعاً حين يبدأ أول مشاهده من العنف البوليسي الوحشي ضد مواطنين عرب في القدس، قبل أن ينتقل الى زعيق مشجعي فريق بيتار القدس لكرة القدم: "ليت قريتكم تحترق" و"عرب أبناء عاهرات"، وفي الخلفية الزعيق المقزّز "الموت للعرب". في مشهد الشرطة، ينفلت عدد من عناصرها بالضرب بالأيدي والأرجل والهراوات على مواطن معتقل بين أيديهم بلا قدرة على الرد أو الهرب. وعلى الرغم من إحكام القبض عليه لا تتوقف القبضات عن الاعتداء عليه. هذا الربط بين عنصرية الجموع في الشارع وبين العنف البوليسي مهم وهو بالمناسبة يضع المسائل في الترتيب الصحيح: عنصرية الشارع تبدأ من عنصرية المؤسسة، المتمثلة هنا في الشرطة الإسرائيلية التي يفترض أنها "مسؤولة عن واجب تطبيق القانون"، وهو ما يشمل عدم الاعتداء بالضرب على محتجز. لكن الوحشية موثقة بالصوت والصورة. وتتكرر في مشهد لاحق يقوم فيه عناصر شرطة ما يسمى "حرس الحدود" برش مسحوق الفلفل الحارق في عيون فتاة فلسطينية تم احتجازها وإلقاؤها أرضاً، ومن قبل أكثر من عنصر "أمن"! الفيديو يظهر سادية مجردة وإبداء مظهر عنصرية وكراهية باللباس الرسمي.
قالت تحليلات إسرائيلية كثيرة إن قيام المذيع الإسرائيلي المعروف يارون لندن بوصف المواطنين العرب الفلسطينيين في اسرائيل بأنهم مجموعة من المتوّحشين، أو وحوش بشرية، لا يجسّد كل المسألة أو المشكلة، فهي ليست مسألة صحافي فرد في تعامله مع مليون مواطن بل مشكلة صحافة بأكملها، مشكلة مؤسسة، ثقافة سياسية وإعلامية، جزء من بنية كاملة.
إذا كان الصحافي الإسرائيلي يارون لندن قد تحدث عن العرب بفظاظة عنصرية مباشرة، فيجب التذكير بأن الخطاب الإعلامي الاسرائيلي برمته، فيما عدا استثناءات محدودة قليلة، هو خطاب يتعامل مع المواطنين العرب مثلما تتعامل معهم السلطة المركزية الاسرائيلية: مواطنون من الدرجة الثانية فما تحت.
إن سجل القضايا التي تهم وتقلق وترتبط بالعرب الفلسطينيين مواطني اسرائيل، يكاد لا يصل منه شيء إلى دائرة التغطية والجدل والاستقصاء في الإعلام العبري. فلا يظهر العربي أو قصته على الشاشات وصفحات الجرائد إلا مقرونا بالجريمة أو العنف أو مشتقات الأمن والإرهاب العديدة. الصورة التي تترسخ نتيجة ذلك هي غاية في التسطيح العنصري، فالعربي هو مجرم أو إرهابي أو "متطرف".
وصل والدي، الذي ينحدر من خلفية شرقية ضعيفة ونشأ في بيئة فقيرة، إلى رتبة ملازم أول في وحدة الأرصدة في الجيش الإسرائيلي. ودرس أبي في منتصف الأربعينات من عمره في قسم التاريخ في جامعة تل أبيب، وحصل على درجة البكالوريوس بالتعاون مع قاعدة تدريب الضباط. كنت في نهاية المدرسة الثانوية آنذاك، وقد تأثرت إلى حد كبير برؤيته جالسا في المنزل منكبا على الدراسة ليل نهار، وبسماعه يتحدث عن أساتذته وعن المواضيع التي يتعلمها بحماس كبير. وكانت هذه التجربة أحد الأسباب الرئيسية لاختياري التوجه لجامعة تل أبيب وللعلوم الإنسانية بالذات بعد إنهاء خدمتي العسكرية. ولقد ساعدني ذلك لأشرح لنفسي ولمن حولي عن السبب الذي جعلني أختار العلوم الإنسانية بدل الدراسات العملية.
الصفحة 351 من 882