المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

يُحسن المسلسل الإسرائيلي بعنوان "كراهية حتى الموت" صنعاً حين يبدأ أول مشاهده من العنف البوليسي الوحشي ضد مواطنين عرب في القدس، قبل أن ينتقل الى زعيق مشجعي فريق بيتار القدس لكرة القدم: "ليت قريتكم تحترق" و"عرب أبناء عاهرات"، وفي الخلفية الزعيق المقزّز "الموت للعرب". في مشهد الشرطة، ينفلت عدد من عناصرها بالضرب بالأيدي والأرجل والهراوات على مواطن معتقل بين أيديهم بلا قدرة على الرد أو الهرب. وعلى الرغم من إحكام القبض عليه لا تتوقف القبضات عن الاعتداء عليه. هذا الربط بين عنصرية الجموع في الشارع وبين العنف البوليسي مهم وهو بالمناسبة يضع المسائل في الترتيب الصحيح: عنصرية الشارع تبدأ من عنصرية المؤسسة، المتمثلة هنا في الشرطة الإسرائيلية التي يفترض أنها "مسؤولة عن واجب تطبيق القانون"، وهو ما يشمل عدم الاعتداء بالضرب على محتجز. لكن الوحشية موثقة بالصوت والصورة. وتتكرر في مشهد لاحق يقوم فيه عناصر شرطة ما يسمى "حرس الحدود" برش مسحوق الفلفل الحارق في عيون فتاة فلسطينية تم احتجازها وإلقاؤها أرضاً، ومن قبل أكثر من عنصر "أمن"! الفيديو يظهر سادية مجردة وإبداء مظهر عنصرية وكراهية باللباس الرسمي.

هذا المسلسل الوثائقي بثته القناة "8" التي تتميز بجودة برامجها قياسا بالقنوات التجارية الطاغية، وهو يأتي ليطرح منذ أولى دقائق الحلقة الأولى مسألة مركزية مفادها أن عنصرية الأفراد في إسرائيل هي نتاج لعمل مؤسسات مركزية كبرى تسعى لتكريس وتعميق الفصل بين اليهود والعرب في إسرائيل، لغرض إذكاء الكراهية وبالتالي عدم إبقاء مكان سوى لدولة اليهود فقط هنا. بكلمات أخرى، هذه العنصرية ليست ظاهرة تتفشى رغم أنف السلطات أو مركز الحكم أو أجزاء مؤثرة منه على الأقل، بل تأتي ضمن استراتيجية ذات غايات وبرامج سياسية واضحة. وهناك كثير من الباحثين الذين يؤكدون هذا التوجه بشكل أو بآخر، أحدهم قال إن هذه الأجواء هي عامل مهم في جعل الجندي ينفذ جميع الأوامر التي تصدر اليه للقيام بممارسات ضد فلسطيني أعلن عنه أنه "مطلوب". باحث آخر قال إن "شيطنة العرب وتأجيج الكراهية ضدهم يتحول الى أمر مهم وحيوي يساعد على تجنيد المجتمع الإسرائيلي ضمن الجهد الحربي".

من القائل "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني"؟

من نماذج العنصرية الفردية التي عبر عنها محاوَرون في المسلسل ما قاله أحد الإسرائيليين الذي يدير صفحة خاصة على موقع للتواصل الاجتماعي يعبر فيها عن الرفض التام "لشيء اسمه شعب فلسطيني"! لا بل إنه يظن أنه بفضل نشاطه هذا ضاق كثيرا نطاق من يعتقدون بوجود هذا الشعب. ("عندما أسأل الناس في الشارع هل هناك شيء اسمه شعب فلسطيني، وتكون الإجابة لا، أشعر بارتياح كبير، هذا حسب رأيي إنجاز"). لكنه سرعان ما ينتقل من هذا الحديث بمفردات النقاش والتأثير (عن إلغاء وجود شعب، يجب الانتباه) الى حضيض عنصري بشع ملؤه التحريض والدعوة للقتل الجماعي لا أقلّ، ومما قاله "أنا أتمنى أن يُقتل أمامي عينيّ عشرات آلاف، بل ومئات آلاف العرب، فكل قطرة دم يهودية تفوق دماء كل المسلمين في العالم"!

هنا يجب السؤال: من القائل "لا يوجد شيء اسمه شعب فلسطيني"؟ أهذا العنصري المهووس هو أوّل من خرج بهكذا موقف أم أنه شكل السياسة الإسرائيلية على مدى عقود طويلة، بل وما زال يمارَس على نحو عمليّ حتى الآن، من خلال رفض أية حقوق جماعية وسياسية للشعب الفلسطيني. رئيسة حكومة إسرائيل (من حزب "العمل" بالذات) غولدا مئير كانت قالت ما يلي: "لا يوجد شعب اسمه فلسطيني" لا بل زادت: "أنا الفلسطينية". وهذه بالطبع من أقدم أساطير الصهيونية كانت أولى أرضياتها كذبة: أرض بلا شعب قدم إلى شعب بلا أرض.

هنا لا تستقي العنصرية الفردية موبقاتها من مؤسسة حكم، بل من البنية الأيديولوجية للصهيونية نفسها.

مخرج المسلسل رون كحليلي معروف بمواجهته لمظاهر عنصرية في إسرائيل، وعادة ما كان يتمحور فيما عانته الطوائف اليهودية من اصول عربية، أي ما بات يُعرف بـ"الشرقيين". وهناك من يناقشه أنه في تناوله لموضوع العنصرية ضد العرب، يقوم بتحميل المسؤولية عنها للسلطات الإسرائيلية الأولى التي ينظر إليها على أنها متماهية مع اليهود الأشكنازيين، ذوي الأصول الأوروبية. عن هذا سيفصّل لاحقا في هذا التقرير.

إغلاق بركة ككناية عن إغلاق الحيّز كله بوجه العربي

يتنقل المسلسل من عنصرية مشجعي فريق كرة القدم المذكور أعلاه، الى نقاش بين شاب عربي وحارس بركة سباحة عامة في كيبوتس "غان شموئيل". ومما يُستنتج، أنه يجري منع الشاب من الدخول للبركة التي تفتح أبوابها للزبائن الذين يدفعون رسوما مالية مقابل ذلك، فقط لكونه عربياً وليس لأي سبب آخر. هذه الحادثة تعرّضت لها عائلة من مدينة الطيبة، قبل نحو عام. ووفقاً لموقع محلّي، فقد مُنع افراد العائلة من الدخول إلى بركة السباحة في "غان شموئيل"، واقترح الحارس عليهم الذهاب للسباحة في سورية!

المركز لضحايا العنصرية ومركز "إعلام"، نشرا شريط فيديو توجه للعائلات العربية بعدم الصمت حيال الممارسات العنصرية والتمييز ضدهم في برك السباحة. وأوضح حقوق العائلة العربية في حال تم منعها من الدخول إلى برك السباحة، أو تم التمييز ضدها من خلال طلب دفع مبالغ أعلى مما تقوم البرك بجبايته عادة أو تخصيص أماكن سباحة خاصة للعرب. وناشد العائلات العربية التي تتعرّض للعنصرية، بالتوجه لتقديم شكوى في الشرطة، موضحاً أنّ قانون منع التمييز في الأماكن العامة يمنح إمكانية التقدم بدعوى تعويضات قد تصل إلى أكثر من 50 ألف شيكل.

هذه مسألة تشكل نموذجاً مصغراً ومرتبطاً بإغلاق حيّزات بلدية وأخرى سكنيّة، ناهيك عن الاقتصادية والتجارية، في وجه المواطنين العرب. سلوك إدارة البركة التي تقوم بالفصل بين اليهود والعرب عبر إقصاء الأخيرين، هو اشتقاق دقيق جدا من موقف حكومي رسمي تم التعبير عنه حتى بالتشريع وبالقوانين التي تقول: هذه الدولة، هذا الخير العام، هذا الحيّز العام مملوك لليهود حصرياً. هذا ما نص عليه "قانون القومية" الذي يجسّد كثيرا من البشاعات العنصرية لكن ليس كلها. فلم تنشأ العنصرية من وضع هذا القانون أو من يوم إطلاقه، كما يمكن أن يُستشف من جدالات كثيرة ومفرطة أحيانا حول هذا القانون، وكأن مجرّد إلغائه يعيد العرب الى فراديس مفقودة..

يتساءل المخرج كحليلي: "كيف يمكن أن يتصرف الجمهور عندما يتباهى زعيم المعارضة بنيامين غانتس كيف أنه في فترة توليه رئاسة هيئة أركان الجيش قتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وعندما يعلن الزعيم السابق لحزب العمل أفي غباي الذي يمثل اليسار، أن أقصى ما يمكن فعله في الصراع مع الفلسطينيين هو تحقيق الفصل بينهم وبين اليهود وليس التعايش"؟

"عنصريون بسبب الظروف"

تكتب عميره هاس في " هآرتس" عن ثقافة العنصرية التي تتحكم أكثر فأكثر في المجتمع الإسرائيلي أنه لا توجد ثقافة قفزت مكتملة من حضن التاريخ. الثقافة ديناميكية تنشأ وتتشكل باستمرار من التقاء وتقاطع السلوك والإنتاج البشري والجغرافيا، ومن عمليات تاريخية واقتصادية. وهي تعدد مثلا: احتلالات أجنبية وكوارث، تنقلات قسرية وإملاءات مناخية، نضالات تحرر فاشلة وأخرى ناجحة. أي إذا كنا (تقصد الإسرائيليين) في ثقافتنا الحالية وقحين ومتسلطين وجشعين للقوة ونهمين للأرض وعنصريين، فهذا ليس بسبب جيناتنا اليهودية، بل بسبب الظروف التي جعلتنا سارقين ونرتزق من السلب. وتتابع: في مرحلة ما العنصرية والتمييز الجندري يحصلان على حياتهما وشخصيتهما، يصوغان القوانين، يوجهان المحاكم الدينية والقومية ويشكلان التفكير الديني، العسكري والعلمي. هما يتحولان الى طبيعيين جدا الى درجة أن أحدا لا يشعر بهما.

من جهة رفض حجج المسلسل، يأتي دورون بروش في "معاريف"، فيقول: يدّعي مسلسل "كراهية حتى الموت" أن هناك منشورة عنصرية في إسرائيل ضد العرب كل دقيقتين. الخطاب العام بات أكثر عنصرية ضد العرب، يقول المخرج. لكني أدعوه للارتياح، لم أحسب لدقائق، لكن يحظى اليساريون أيضاً مئات المرات يومياً بأمنيات تريد شنقهم في ساحة رابين، طردهم الى غزة، والتعبير عن الأسى لأن هتلر لم ينه عمله ضدهم". بل إن الكاتب يخفف من خطورة الزعيق العنصري في وسائل التواصل الاجتماعي ويكتب: يجب ألا تشعر بالانزعاج من قوة الكراهية المتبادلة بين لوحات المفاتيح (...) فموشون الشرقي يعرف وحشية العرب عن قرب لأن أهله عاشوا معهم في مراكش وأنتم الأشكنازيون لا تفقهون شيئاً، لكن موشون نفسه يسافر يوم السبت الى الطيرة للقيام بمشتريات أو تصليح السيارة بثمن بخس، وهناك يتعانق بدفء مع فادي ووسيم (العربيين).. لا يجب أن ينسى المرء بالطبع أن كراهية الآخر، وفي هذه الحالة كراهية العرب، هي نتاج مطلب. في الوسط العنيف، الافتراضي على الأقل، ينفجر بطبيعة الحال، من يكسبون عيشهم بشكل جيد من الكراهية والصراع بين جميع السكان. موشون هذا لن يكون أفضل حين يسمع رئيس وزرائه يصرخ بأن العرب يتدفقون إلى صناديق الاقتراع.

ويختتم الكاتب: عندما يتساهل جهاز القانون تجاه العنصرية والإقصاء، سواء باسم حرية التعبير أو بسبب الكسل المجرد، فإن الخطاب الافتراضي، ومن هنا التفكير أيضاً، سيواصلان الغليان.

وفي حين يحمّل الكاتب السلطة المركزية بمركباتها كلها المسؤولية عن تفشي الكراهية، فإنه يتخذ موقفا منغلقا تماما أمام قيام مخرج المسلسل بالعودة الى الجذور، الى النكبة، وبرأيه فإن المسلسل "يتبدد ويفقد الكثير من تركيزه وقيمته لأنه يبدأ في مناقشة "الظلم" التاريخي و"المعاناة" التي لحقت بالعرب"!

لماذا؟ حسب رأيه، كل طرف يشعر بالغبن الخاص به، وحين تقع حروب هناك مهزومون دائما. وهو يعتقد أن العودة للعام 1948 لا يخدم المسلسل وهو غير ذي صلة أصلا! ويزعم أن مجرد ذكره "يثير غضب كثيرين ممن هم مستعدون للإنصات للآخر، لأنهم قلقون من تدهور الخطاب العام الإسرائيلي، ويدركون أن جاراً عربياً مقابل باب بيتهم أفضل من يهودي في الشقة في الطابق العلوي يتقافز أولاده الأربعة فوق رأسه دون توقف"!

بكلمات أخرى: هذا الكاتب يشبه قنوات التلفزة التي تريد عربياً لطيفاً هادئاً يبتسم وهو يقول صباح ومساء الخير ولكن إيّاه ثم إيّاه أن يفتح ملفات النكبة والتهجير والتطهير العرقي. ومثل هذه الطروحات يمكنها الانضمام بكل سلاسة الى الملف المسمى: العنصرية وكراهية العرب في إسرائيل.

"في نهاية المطاف، كل عربي هو إرهابي!"

ترى الكاتبة أريانه ميلاميد ("هآرتس") أن مسلسل "كراهية حتى الموت" هو صفعة في وجه "اليسار النقي". وتكتب: هذا مسلسل رائع. ليس فيه تخفيضات وتنازلات لأحد. معطيات الكراهية مثيرة للقلق، سواء في مواقع التواصل الاجتماعي أو في تصريحات "الموت للعرب" العامة. أهي الثمار المعطوبة لشجرة الديمقراطية الإسرائيلية؟ كلا! تبدأ العنصرية، إن صح التعبير، حيث يلتقي بها المخرج: الشرطة تضرب بوحشية عربيا غير مشتبه فيه. مألوف؟ ربما بدأ كل شيء من مدرسة لا يعرف فيها أي طالب عربياً إسرائيلياً أو فلسطينياً بالاسم، ومن الخوف والعداء اللذين انتشرا في الحلبة السياسية، فنتجت الكراهية؟ أو ربما حين "صُدمت" طالبة لسماعها بوجود معلمين عرب في مدرستها؟ عرب؟! معلمون؟! هي ليست قادرة على الإطلاق تخيّل عربي كمدرّس. في نهاية المطاف، كل عربي هو إرهابي.

الكاتبة تقتبس في هذه الأمثلة مقاطع من المسلسل. فغالبية الطلاب الإسرائيليين في مركز البلاد لم يسبق لهم أن التقوا عربياً بشكل مباشر وشخصي. كأنه مجرّد "فكرة" او بالأحرى صورة نمطيّة مقولبة تُصاغ في الإعلام وفي الخطاب العبري الداخلي.

تقول ميلاميد إنه تم محو العرب من على الشاشة كبشر وإبقاؤهم ككومبارس مطلوب منهم التعبير عن الولاء وإدانة الهجمات أو العنف في مجتمعهم. تمثيلهم التلفزيوني ضئيل. الفكرة عنهم أنهم أعداء، وبما أن هناك حربا، سيظلون أعداء وستستمر الحرب طالما أنها تخدم الحكومة التي لا تقدّم أي خيار آخر، وتهدد أي شخص يحاول.

أما عن اتهامها اليسار أيضاً وليس اليمين فقط بتحمّل مسؤولية هذه الكراهية العمياء للعرب، والفلسطينيين خصوصاً، فتقول إنه عندما تتعرض وسائل الإعلام للتهديد، فإنها تخشى أن تعامل العرب بشكل إيجابي خشية من أن يُنظر إليها على أنها غير وطنية، خائنة. وتتابع بسخرية أن الإسرائيلي المتوسط يريد رؤية عرب لطفاء يشاركون في برامج تلفزيون الواقع، دون أن يكون لديهم أي تعبير عن مواقفهم أو ذواتهم الحقيقية.

لكن الكاتبة تصرّ على التوقف عند ما تسميه "قلب المشكلة": إذا كان الشخص يعتقد أنه ينتمي إلى شعب مختار، وحقه في الأرض إلهي وحصري - فكيف لن يكره؟ وتضيف: في الكلية العسكرية التحضيرية في مستوطنة "عالي" يعود الجنود المسرحون من الجيش الإسرائيلي الى الكلية لتعلّم اللغة العربية، لماذا؟ لتسهيل الأمر عند حواجز نقاط التفتيش. نحن أسياد الأرض وهم سيعرفون مكانهم.

لكن الكاتبة ترفض نفاق الشرائح الإسرائيلية المسمّاة يسارية، والتي تهاجم سكان العفولة، ذوي الأصول الشرقية أي العربية- اليهودية عمليا، بسبب رفضهم السماح لمواطنين عرب بشراء أراض للبناء في منطقة نفوذ هذه المدينة الطرفية الصغيرة؛ لكن تلك الشرائح "اليسارية" تصمت تماما على البلدات اليهودية الغنيّة و"البيضاء" والتي ترفض هي أيضاً سكن العرب في نطاقها.

للتذكير: عملت بلدية العفولة هذه أيضاً على إغلاق متنزه عام أمام العرب. وقد قضت المحكمة بمنع إغلاق أي مكان مخصص لخدمة الجمهور في وجه المواطنين، على اختلاف أماكن سكنهم، وفق ما جاء في ادعاء مركز "عدالة" لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل. والمحكمة حكمت بإلغاء التعليمات العنصرية التي أصدرتها بلدية العفولة، والتي تمنع دخول سكان غير المدينة إلى المتنزه العام. وقال المركز القانوني إن قرار البلدية يستهدف العرب بشكل واضح ومباشر، إذ أظهرت تقارير إخبارية أن اليهود من غير سكان العفولة يسمح لهم بالدخول. قرار البلدية هذا مخالف لقانون البلديات، وكذلك قانون منع التمييز بالمنتجات، الخدمات والدخول للأماكن العامة وأماكن الترفيه. بلدية العفولة لا تملك صلاحية التصرف على هواها بمنطقة عامة وأرض مخصصة للجمهور، فمنذ القسم العنصري الذي أقسمه أعضاء البلدية للـ"حفاظ على طابع المدينة اليهودي" وحتى مشاركته في مظاهرة عنصرية تطالب بمنع بيع البيوت للعرب، يصرح رئيس البلدية، علناً أنه يريد مدينة خالية من العرب".

تقول الكاتبة: هاجمت وسائل الإعلام الشرقيين في العفولة الذين صرخوا ضد المواطنين العرب الفائزين في المناقصات السكنية، لكنه (الإعلام) تجاهل العنصرية العميقة لكفار هفرديم، وهي بلدة صغيرة تتمتع برخاء اقتصادي ويقطنها أثرياء في شمال- غرب الجليل، والتي ألغت مناقصات مماثلة فاز بها مواطنون عرب، لنفس السبب.

في النقطة الأخيرة المذكورة أعلاه يشتعل جدل حول قضيّة مسؤولية الأشكنازيين عن هذه الكراهية. فإذا كانت ميلاميد تتهم من يغضّ الطرف ويمارس سلوكيات عنصرية "ناعمة"، بالنفاق، فإن الكاتبة سمدار شيلوني (موقع يديعوت أحرونوت) مثلا، تعبر عن سخطها من تحميل الأشكنازيين مسؤولية الكراهية. قبل ذلك تتحفّظ الكاتبة من تفسير المخرج لبعض المعطيات، مثل حقيقة أن هناك منشورة عنصرية ضد العرب كل دقيقتين في إسرائيل. وتكتب: نعم، يتم نشر منشور عنصري معاد للعرب كل دقيقتين في إسرائيل، لكن يبدو أن كحليلي قد نسي أن جميع أبطال الشبكات الاجتماعية قد تآكلوا لكثرة المظاهر العنيفة للعنصرية ضد العرب (والأثيوبيين والسودانيين والروس) التي غزت صفحاتهم، على الرغم من أنهم بذلوا قصارى جهدهم لإزالتها. وقد انطفأ بريقهم لكثرة ما أدانوا تلك المنشورات العنصرية نفسها. وتخاطب المخرج: إذا كان كحليلي لا يريد أن يكون الفتى الذي صاح "عنصري! عنصري!" فهو بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد وقول شيء حقيقي.

أي نقاش حول العنصرية ضد العرب سرعان ما يصبح جدلا بين اليهود أنفسهم

شيلوني تنتقل الى ما يغيظها فعلا، كما يبدو، وهو تحميل "اليسار" أي "الأشكنازيين" عملياً، أية مسؤولية عن الكراهية. وتقول: الحلقة الثالثة هي أكثر إثارة للاهتمام من الأولى والثانية، وذلك لسبب بسيط هو أن كحليلي يعود في هذه الحلقة إلى مقلعه، وهي مؤامرة التوثيق التي يعرفها ويحبها ويزدهر فيها - علاقات الأشكنازيين بالسفاراديين، الغربيين بالشرقيين. وتتابع أن المخرج يطور هنا أيضاً فكرة قديمة- جديدة مفادها تحميل "اليسار الأشكنازي" مسؤولية هذه الكراهية من خلال قيامه بفصل اليهود الذين هاجروا من الدول العربية عن لغتهم وعاداتهم وثقافتهم وأصولهم.

وتضيف ساخرة: لا تعرف وقاحة اليسار الأشكنازي حدوداً، لأن اليسار هو الذي أضر بالعرب الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر من كل اليمين مجتمعا، عندما كان في السلطة خلال العقود الأولى من صعود الدولة. ومرة أخرى، نحن منغمسون في الدوامة الأبدية للأشكنازي والشرقي، لأن ما هو الأكثر منطقية من اتخاذ مواقف عنصرية حين نتناول العنصرية؟

وهي تتهم المخرج بأنه "رسم صورة مثالية وغير دقيقة بالضرورة لليهود والمسلمين الذين يعيشون جنبا إلى جنب في الدول العربية، إلى أن جاءت دولة حزب المباي ودمرت كل شيء، كما يتجاهل حقيقة أن العنصرية وكره الأجانب المتماثل مع اليمين السياسي، آخذان في الارتفاع في بعض المناطق النائية من العالم الغربي. مثل أوروبا أو الولايات المتحدة، ويربطهما بالمصباح الذي يحب أن يبحث تحته عن العملة التي يريدها".

وكمن يثبت أن أي نقاش حول العنصرية ضد العرب سرعان ما ينتقل ليشكل جدلا بين اليهود أنفسهم، تختتم شيلوني بالقول: "قد يكون صحيحاً أن المباي هو أصل كل الشرور، لكن تكرار هذا الطرح مرة تلو الأخرى لن يزيد من أنصاره بالضرورة في هذه المرحلة. والأسوأ من ذلك هو أن هذا التصور يزيل المسؤولية عمّن يقف وراء مظاهر العنصرية، التي لا خلاف على بشاعتها نفسها. وإذا كان كحليلي يريد حقاً المضي قدماً، فربما حان الوقت للتوقف عن النظر للخلف بغضب، وتوجيه هذا الغضب الرائع نحو الحاضر؟".

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات