المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 1914

إذا كان الصحافي الإسرائيلي يارون لندن قد تحدث عن العرب بفظاظة عنصرية مباشرة، فيجب التذكير بأن الخطاب الإعلامي الاسرائيلي برمته، فيما عدا استثناءات محدودة قليلة، هو خطاب يتعامل مع المواطنين العرب مثلما تتعامل معهم السلطة المركزية الاسرائيلية: مواطنون من الدرجة الثانية فما تحت.

إن سجل القضايا التي تهم وتقلق وترتبط بالعرب الفلسطينيين مواطني اسرائيل، يكاد لا يصل منه شيء إلى دائرة التغطية والجدل والاستقصاء في الإعلام العبري. فلا يظهر العربي أو قصته على الشاشات وصفحات الجرائد إلا مقرونا بالجريمة أو العنف أو مشتقات الأمن والإرهاب العديدة. الصورة التي تترسخ نتيجة ذلك هي غاية في التسطيح العنصري، فالعربي هو مجرم أو إرهابي أو "متطرف".

هذه هي البنية التحتية التي تنشأ عليها نظرات استعلائية وتصنيفات دونيّة للعرب. إذا كان لندن هذا استخدم كلمة وحوش، فإن أوصاف القتلة والمخربين والمتهربين من دفع الضرائب والمقتحمين المجتاحين لـ "أراضي الدولة"، هي مفردات معهودة مألوفة شائعة وراسخة في التقرير الصحافي مثلما في التقرير الرسمي للحكومة. يجب فقط التذكير بكيفية عرض وقولبة العرب الفلسطينيين في النقب، حتى تتضح الصورة بكل بشاعتها.

ليس فقط صورة العربي هي المشوهة في منابر الإعلام الاسرائيلي، بل إن صوت العربي حينما يصل، أو يتاح له الوصول بالأحرى، هو صوت المتهم الذي يجب عليه أن يبرر ويفسر. ولطالما سلك إعلاميون كما لو أنهم محققون حين حاوروا عربيا أو عربية.

إقصاء المواطنين العرب منهجيا من التغطية في وسائل الإعلام

يكتب "معهد فان لير" في القدس على موقعه أنه يُستشف من فحص أنماط التغطية الصحافية التي يحظى بها المواطنون العرب في الصحافة العبرية، أن هذه التغطية مشبعة بالأفكار النمطية السلبية والمسبقة حول العرب. تبيّن كذلك أن حجم تغطية المواطنين العرب كان شحيحا للغاية وتمحور على امتداد الوقت في موضوعين أساسيين وهما الأمن والجريمة. جرى تصنيف غالبية النشاط الاحتجاجي الذي قام به المواطنون العرب كذاك الذي يلامس "الأمن والتآمر"، ولا يتعلق بطرح مطالب مدنية. على هذا النحو ساهمت التغطية الإعلامية في نزع الشرعيّة عن مطالب المواطنين العرب للمساواة المدنية والقومية في إسرائيل.

في هذا الباب، تقول جمعية "سيكوي" التي تنشط في مجال المساواة المدنية، إنه يتم اقصاء المواطنين العرب في البلاد بشكل منهجي من التغطية في وسائل الاعلام في إسرائيل. وبينت أبحاث كثيرة، أجريت في السنوات الأخيرة، أن المواطنين العرب ورغم كونهم يشكلون ما يقارب خُمس مواطني الدولة، إلا أن نسبة تمثيلهم ما بين المحاوَرين والمتحدثين في وسائل الاعلام العبرية - في التلفزيون، الراديو، الصحف والإنترنت- تراوحت ما بين 2-3% فقط، أي عُشر نسبتهم في المجتمع. هنالك إسقاطات جدية للتمثيل الإعلامي للمواطنين العرب في إسرائيل، على مواقف الغالبية اليهودية وبالأخص على العلاقات بين اليهود والعرب. وكون هناك قطيعة كبيرة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل في غالبية الأطر الحياتية - العمل، التعليم، السكن، الجيش وما شابه- فإن غالبية الجمهور اليهودي يبلور مواقفه تجاه الأقلية العربية بواسطة تمثيلها الإعلامي، الذي يعاني من نواقص كثيرة، ويعتبر منحازا ونمطيا للغاية.

على مستوى آخر مرتبط، تلاحظ المنظمة أنه بالإضافة إلى النقص الحاد بالمختصين، فإن التمثيل الضعيف القائم، هو على الأغلب، نمطي وسلبي جدا. غالبا ما تتم استضافة المحاوَرين العرب فقط في شؤون سلبية ومختلف عليها، متعلقة بالصراع القومي أو بمشاكل الجريمة والفقر في المجتمع العربي، وليس كعلماء، مختصين ومهنيين في مجالاتهم. لهذا الوضع، هناك، بالطبع، تأثير سلبي واضح على العلاقات بين اليهود والعرب، وذلك كون المجتمع اليهودي الواسع يتلقى صورة سلبية وعدائية تصور المجتمع العربي، كمجتمع خامل وغير منتج، بينما يشعر المجتمع العربي الذي يعاني من التمييز والإقصاء من قبل الاعلام المركزي، بأنه غير مرغوب فيه في الحيز العام الإسرائيلي. من الجدير بالذكر، بأن حالة تمثيل النساء العربيات أكثر سوءا وهن مغيبات بشكل شبه تام.

وحيال ذلك بادرت جمعية "سيكوي" إلى مشروع "حاضرون غائبون" الهادف إلى التصدي لتغييب المواطنين العرب، اهتماماتهم وممثليهم، عن الإعلام العبري، عشية الانتخابات القريبة. ويهدف المشروع إلى وضع قضايا المواطنين العرب وصوتهم في مركز الاهتمام الإعلامي، وفي سبيل هذا الغرض يتم بشكل منهجي نشر حوارات وفيديوهات مع شخصيات معروفة من المجتمع العربي، إلى جانب الرصد المنهجي للتعامل الإعلامي - على نمط مشروع "مؤشر التمثيل" القائم في الجمعية منذ أربع سنوات. وهذا المشروع مشترك لجمعية "سيكوي" وموقع "العين السابعة" المختص بالقضايا الاعلامية وشركة "يفعات" المختصة برصد منشورات الإعلام العبري.

في الأسبوع الأول من الحملة، تم إصدار فيلمين قصيرين بمشاركة من الإعلامية كاملة طيون والشاعرة والمحاضرة د. راوية أبو ربيعة.

وتشير طيون، مركّزة مشروع تمثيل المواطنين العرب في الإعلام العبري في جمعية "سيكوي"، إلى المغالطات والإشاعات التي يبثها الإعلام الاسرائيلي عن أعضاء الكنيست العرب والتعامل مع قضايا مجتمعهم. بينما تساءلت د. أبو ربيعة عن الاهتمام الإعلامي الذي كان سيحظى به نجاح امرأة تنتخب لقائمة يهودية متدينة دون أي تحصين! كما حصل مع المرشحة عن القائمة المشتركة إيمان نصار خطيب؟ ومن المقرر إصدار فيديوهات إضافية في الأسبوع المقبل.

وترى جمعية "سيكوي" أن الانتخابات القريبة هي ليست فرصة ثانية فقط للناخبين والأحزاب، وإنما أيضا للإعلام العبري، الذي يقوم عادة (وخاصة في فترة الانتخابات) بتغطية إعلاميّة سلبيّة للمجتمع العربي وقياداته السياسيّة.

وتشير نتائج "مؤشر التمثيل" إلى أنه في الانتخابات السابقة، قبل بضعة أشهر، خصصت للمجتمع العربي 4ر11 بالمئة من التغطية الإعلاميّة، والإقصاء كان واضحاً بشكل خاص في وسائل الإعلام التجاريّة حيث احتلت الأماكن المنخفضة في القائمة، وخصّت بالذكر صحيفة "كالكاليست" التي تجاهلت كليّا المجتمع العربي، وذلك على الرغم من أنها غطت فترة الانتخابات بشكل موسّع ومعمّق وتطرقت للقضايا ما قبل الانتخابات، وللقوائم الانتخابية والبرنامج الانتخابي لكل قائمة.

وتفيد معطيات الرصد الأسبوعي الأخير بأن القائمة المشتركة حظيت بـ3ر9 بالمئة فقط من التغطية الإعلامية في الأسبوع المنصرم (25-31 آب). وهذا المعطى يشكل هبوطا حادا في النسبة التي حظيت بها القائمة قبل أسبوعين، غداة المقابلة في "يديعوت أحرونوت" مع النائب أيمن عودة حول احتمال الدخول للائتلاف الحكومي، حيث بلغت التغطية ذروتها وكانت بنسبة 16ر16 بالمئة.

وهذه الحملة هي امتداد لبرنامج "مؤشر التمثيل" التي تعمل عليه جمعية "سيكوي" منذ 4 سنوات بهدف مواجهة الأفكار النمطية التي يعززها الإعلام بحق المواطنين العرب ولدفع التمثيل الإعلامي اللائق بهم.

كما أطلقت "سيكوي" الأسبوع الماضي حملة موازية على صفحاتها في شبكات التواصل الاجتماعي لتفنيد ادعاءات اليمين حول عمل النواب العرب.

ما تعرضه وزارة الخارجية عن الصحافة لإسرائيلية يرسم خيط الاستشراق

ستختلف الصورة تماما لو استعرضنا الشكل الذي تعرض فيه حالة الصحافة على منابر رسمية إسرائيلية، وزارة الخارجية مثلا. فهي تزعم على موقعها الرسمي أنه "منذ انطلاق عملها في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر حرصت ثقافة الصحافة في إسرائيل على الالتزام بمرتكزات الإعلام الديمقراطي والمقصود توفير أقصى قدر ممكن من الدقّة في نقل الأنباء والسعة في وجهات النظر والوقوف مواقف مستقلّة تجاه المؤسّسات العامّة والسياسية. اتّبعت التشكيلات الصحافية الأولى في إسرائيل النموذج الأوروبي من حيث الدور الإعلامي حيث أثّرت ثقافة الموالاة الأوروبية على كيفية عمل الصحافة الإسرائيلية التي اتّصفت بالتبعية والتماهي مع أحزاب سياسية حدّدت لها أجندتها".

وبالطبع فإن استقاء الثقافة الصحافية من النموذج الأوروبي سيحمل ليس فقط حريات، وإنما أيضا تشويهات، وخصوصا حين يتم فحص وامتحان الصحافة من زاوية نظرتها وتغطيتها لمن يعتبر "الآخر"، "العدو"، "مكمن التهديد"، وما شابه. ومثلما كانت تغوص تلك في الاستشراق منذ عهد الكولونيالية وما بعدها، فإن النموذج الصحافي الاسرائيلي كالمؤسسة برمتها، كانت ذات ملامح كولونيالية ساطعة.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات