المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب محمد دراغمة:
الدماء الغزيرة التي سفحت في حي الزيتون في غزة فجر الأحد 26 الجاري كانت من السطوع بحيث أن معدي ومنفذي العملية – المذبحة - أنفسهم، وعلى غير العادة، لم يتكلفوا عناء البحث عن، ومحاولة تسويق، رواية أخرى لها، فاعترف مهندسها الأول شاؤول موفاز، وعلى نحو غير مفاجئ، أنها قد تكون مقدمة لاجتياح شامل للقطاع.

أما الهدف الآخر الذي لم يقله موفاز، فقد قالته جهات إسرائيلية أخرى، بعضها اعتبر العملية، والبعض الآخر اعتبر تصريحات موفاز، بمثابة دعاية انتخابية صرفه لحزب الليكود، الذي لا يجد غير الحرب والدماء والدمار وسيلة يخاطب فيها الناخبين ومخاوفهم.

فعملية دموية ضخمة كهذه، راح ضحيتها عشرات الضحايا من شهداء وجرحى، وخلفت وراءها مشاهد دمار لا تمحى من أذهان الناخبين، على الأقل حتى موعد الانتخابات، لم تعد إلا لتكون واحداً من أهم فصول الحملة الانتخابية لرئيس الوزراء أرئيل شارون وتابعة موفاز، الحالم بالبقاء في وزارة الدفاع في الحكومة المقبلة.

صحيح أن حزب شارون يحصد أعلى النتائج في استطلاعات الرأي العام، لكنه كان في حاجة إلى "ضربة انتخابية"، كما تسمى في الثقافة السياسية الإسرائيلية، لتزيح عن كاهله منافساً آخر، غير حزب العمل هذه المرة، وهو حزب "شينوي" الذي كان في الأيام الأخيرة مصدر القلق الأكبر لدى الليكود، وعلى نحو خصص دعائيو الحزب حملة خاصة لمواجهته.

ومبعث القلق "الليكودي" من حزب "شينوي" ليس في منافسته إياه على المكانة الأولى، التي باتت محتكرة له دون منازع، وإنما في النتائج التي يخلفها حصوله على عدد مرتفع من المقاعد، كما تظهره استطلاعات الرأي العام، وهو ما يرى فيه الليكود تهديداً لاستقرار حكومة شارون المقبلة، جراء تحفظ هذا الحزب الكبير الجديد، الذي قد يحتل المرتبة الثانية، على المشاركة في حكومة تضم الحركات الدينية وخصوصاً حركة "شاس".

ويخشى "الليكود" أيضاً من الأجواء الانتخابية غير المريحة له التي يخلفها الصعود المتواصل لهذا الحزب في استطلاعات الرأي، والتي يتخوف معها أن يدفع إلى تكتل ديني قوي يستقطب جزء من الناخبين المحتملين لـ "الليكود".

وكان أكثر من محلل إسرائيلي قد حذر من إقدام شارون على عمليات دموية ضد الفلسطينيين لأهداف انتخابية.

وذهب المحلل البارز في صحيفة "هآرتس" يوئيل ماركوس حد التحذير من احتمال تعرض شارون لحياة الرئيس عرفات، لينجو من تداعيات وتأثيرات الكشف عن فضحية القرض المالي.

ودعا ماركوس في مقاله الذي نشر عقب الكشف عن فضيحة تلقي شارون القرض من المليونير الجنوب إفريقي سيرل كيرن إلى إقالة شارون للحيلولة دون لجوئه لانتهاكات خطيرة وجنونية في سياق صراع البقاء الذي قد يجد نفسه يخوضه في معركته الانتخابية.

وإن جاءت عملية اجتياح حي الزيتون، التي اعتبرت الأكبر والأوسع لقوات الاحتلال في قطاع غزة منذ إقامة السلطة الوطنية في العام 94، لتؤكد ما حذر منه ماركوس وغيره، إلا أن تداعياتها ونتائجها ستتخطى الانتخابات الإسرائيلية ونتائجها.

فمن جهة، تلقي هذه العملية ظلالاً كثيفة على المبادرة المصرية الرامية إلى تحقيق إجماع وطني فلسطيني إزاء اقتراحها الرامي إلى وقف العمليات العسكرية لفترة من الوقت وذلك في مسعى منها لإيجاد مخرج من الحرب الدموية التي يشنها شارون على الشعب الفلسطيني. وتشير الأنباء الواردة من العاصمة المصرية إلى أن الإعلان الخاص بالوقف المؤقت للعمليات، الذي كان مرتقباً صدوره يوم الاثنين 27 الجاري عن ممثلي مختلف القوى والفصائل المجتمعين هناك، بات في حكم المؤجل، إن لم يكن في حكم اللاغي.

وقد صرح اكثر من متحدث باسم قوى فلسطينية أن وقف العمليات لم يعد مطروحاً بعد مجزرة حي الزيتون.

وقال عبد الله الشامي المتحدث باسم حركة "الجهاد الإسلامي" في تصريحات أعقبت العملية: "كنا تحت ضغوط لوقف العمليات، لكن شارون وضعنا بعد هذه المجزرة تحت ضغوط للرد عليها".

وبهذا فإن شارون يكون قد حقق الهدف الذي سعى دائماً لتحقيقه، وهو إبقاء جذوة العنف مشتعلة ليتمكن عبرها من خلق أجواء حرب في الشارع الإسرائيلي، ترشحه لأن يبقى الزعيم الحربي دون منافس لأطول فترة ممكنة.

وكان شارون لجأ في محطات عديدة مماثلة سابقة إلى عمليات دموية فاضحة من هذا النوع، وبضمنها عمليتا اغتيال المسؤول في "كتائب شهداء الأقصى" رائد الكرمي في كانون ثاني، وعملية اغتيال قائد "كتائب عز الدين القسام" صلاح شحادة في تموز من العام الماضي. وجاء اغتيال الكرمي بعد ثلاثة أسابيع من الهدوء شبه التام الذي أعقب دعوة علنية من الرئيس عرفات لذلك.

أما اغتيال شحادة فجاء في نهاية جهود أوروبية وعربية وفلسطينية قادت إلى إقناع حركة "حماس" بالانضمام إلى إعلان لوقف العمليات التفجيرية في إسرائيل.

ومن جهة ثانية فإن عملية بهذا الحجم قد تكون "بروفا" نفسية وعسكرية في مسعى شارون وموفاز لإعادة احتلال قطاع غزة.

ويعرف عن شاؤول موفاز أنه من أشد المتحمسين لإعادة احتلال القطاع منذ كان قائداً للجيش. أما شارون فيعرف عنه حماسه الشديد لإبقاء الحدود المصرية مع غزة حدوداً نهائية لإسرائيل، بما يقتضيه ذلك من إعادة احتلال القطاع ومواصلة الاستيطان فيه.

وقد نبه المحلل الإسرائيلي يوئيل ماركوس في مقال كتبه قبل عملية اجتياح حي الزيتون، (هآرتس، 26 كانون الثاني) من وجود نية لدى سارون لاكتساب لقب: مستوطن غزة العظيم. وأطلق ماركوس تحذيراً آخر من نوايا شارون هذه التي قال بأنها: ستجرنا - أي الإسرائيليين - إلى فوضى لن نتخلص منها دون حرب أهلية".

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, شينوي, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات