المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حاولوا أن تتصوروا، أن العناوين الرئيسية عشية النقاش في مركز حزب "العمل" حول الانضمام إلى حكومة الوحدة، ستكون: "شارون أبلغ ‘الرباعية‘ بأنه يدعم خريطة الطرق التي تشمل إقامة دولة فلسطينية وتجميد المستوطنات". كم من أعضاء المركز سينجح متسناع في تجنيدهم ضد التوقيع على هذه الخطوط العريضة، التي يمكنها أن تكفي لتوقيع إتفاق ائتلافي مع "ميرتس"؟ ومع التلويح بخطر حكومة اليمين المتطرف، من سيسمح لنفسه بالانشغال بـ "صغائر الأمور"، مثل ماهية الدولة الفلسطينية المذكورة، أو شروط تجميد المستوطنات.

يبدو أن شارون لا يملك منافسًا في العالم السياسي في قدرته على تحويل الفشل إلى نجاح، على تصوير المجرم على أنه ضحية والمعارضة على أنها موافقة. لقد تعلم أن "نعم، ولكن" ناجعة أكثر بكثير من "لا، ولكن". في كل الأحوال ستكون النتيجة نفسها: تخليد الوضع الراهن، والتمتع باستراحة يمكن إستغلالها لإقامة مستمسكات جديدة. التجسيد الأكبر لذلك موجود في وثيقة التحفظات التي حضّرها شارون في الشهر الماضي، قبل وضع الصيغة النهائية لخارطة الطرق على طاولة بوش.

ليس عجيبًا أن شارون يحرص على حفظ الوثيقة عميقًا في الخزنة. هذا في الواقع هو الكمين الذي ينصبه لممثلي "معسكر اليسار". قائمة التحفظات تحوّل خارطة الطرق إلى مجرد ورقة أخرى عديمة الأهمية، وتهيئ لها مصيرًا مشابهًا للمصير الذي فرضه شارون على خطة ميتشل ومسار تينت. الموظفون الذين تصفحوا قائمة التحفظات اكتشفوا أنها تعرض الدمج بين التواصل الجغرافي الذي تضمنه "الخارطة" للدولة الفلسطينية، وبين "التواصل المواصلاتي". إسرائيل ستسمح لسكان بيت لحم بالسفر إلى الخليل عن طريق الأجسرة والأنفاق، بينما سيستمر اليهود في بناء مستوطنات على وجه الأرض.

والمزيد بشأن المستوطنات: وثيقة شارون تنصّ على أن تجميدها سينتظر إلى حين تحقق "وقف إطلاق نار شامل". لكي نفهم بالضبط ماهية هذا الشرط يجب أن ندقق في "خطاب هرتسليا" الأخير، الذي عرض فيه شارون الخطة التي بلورها، بحسب أقواله، مع بوش (هذا في الواقع تفسيره لـ "خارطة الطرق"). يشدّد رئيس الحكومة على أنه لن يتحرك جندي إسرائيلي واحد من المناطق، قبل أن يُنزع السلاح من "كل التنظيمات الخاضعة لعرفات"، وقبل أن يُنزع السلاح من أيدي كل المحاربين. كل ذلك بعد إنتخابات ديمقراطية (للمجلس التشريعي فقط)، تكون نتائجها محددة سلفًا: تغيير القيادة الفلسطينية الحالية بأخرى جديدة.

من الصعب أيجاد بند جوهري في "خارطة الطرق"، لا تطالب تحفظات شارون بقلبه رأسًا على عقب؛ رئيس الحكومة يتحفظ من ذكر مفاهيم أساسية مثل "المبادرة السعودية" و"إنهاء الاحتلال". وهو يعارض مطلب تنفيذ تقرير برتيني، المتعلق بالوضع الانساني الخطير الذي يسود المناطق، وهو يطالب بشطب البند المتعلق بإعادة فتح المؤسسات الفلسطينية في القدس الشرقية. شارون يطالب أيضًا بتقليص صلاحيات المراقبة والتتبع التي تتمتع بها "الرباعية"، وأكثر من أي شيء- إلغاء كل تفصيل في "خارطة الطرق" لا يستوي نهائيًا مع خطاب بوش الذي ألقاه في 24 حزيران 2002.

ومن أجل عدم الكشف عن الهوة السحيقة التي بينه وبين "الرباعية"، أمام الجمهور الاسرائيلي، طلب شارون من بوش وحصل على تأجيل إلى ما بعد الانتخابات. ولئلا يكشف ما يستتر من وراء موافقته المفترضة، على "تبني خارطة الطرق بشكل مبدئي"، وتحويلها إلى خطوط عريضة لحكومة الوحدة، طلب شارون من بوش طلبين: الأول- تأجيل عرض "الخارطة" الرسمية إلى ما بعد إتمام تشكيل الحكومة. الثاني- صبّ كامل ثقله لإجبار باقي أعضاء "الرباعية" على فتح الخارطة مجددًا للمفاصلة.

عندما تكون نتائج الانتخابات في إسرائيل معروفة مسبقًا، مع بعض الزيادة أو النقصان، فإن الانتخاب الأهم معطى لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية. هل سيساهم في إبطال مبادرة أخرى حظيت حتى الآن بموافقة فلسطينية ومباركة مصر والسعودية والأردن؟ هل ستدفع به اعتبارات سياسية داخلية، لا تمت بصلة للمصالح الأمريكية، إلى التعاون مع محاولة أخرى لشارون لقبر مبادرة سلام إضافية، في طبعة جديدة من الوحدة المزيّفة؟

(هآرتس، 27 كانون الثاني)

ترجمة: "مدار"

المصطلحات المستخدمة:

هرتسليا, رئيس الحكومة, هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات