*عضو الكنيست دوف حنين لـ "المشهد الإسرائيلي": نحاول من خلال معالجة مشكلة اللاجئين الأفارقة تعميق الحساسية لدى الجمهور الإسرائيلي إزاء اللاجئين عمومًا*
كتب بلال ضـاهـر:
ارتفع منسوب العنصرية والعنف ضد اللاجئين الأفارقة المتواجدين في إسرائيل بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة. فقد قام شبان إسرائيليون بإلقاء زجاجات حارقة باتجاه بيوت أو أماكن يتواجد فيها اللاجئون، وبأعجوبة لم يُصب أحد بأذى. لكن خلال مظاهرة جرت في حي "هتيكفا" في جنوب تل أبيب، مساء يوم الأربعاء الماضي، هاجمت مجموعة كبيرة من المتظاهرين الإسرائيليين مواطنين أفارقة وأصابتهم بجروح وألحقت أضرارا بسيارتهم. كذلك أشعل المتظاهرون النيران في حاويات النفايات وحاولوا الاعتداء على متظاهرين يساريين طالبوا بإعطاء حقوق للاجئين. كما اعتدى المتظاهرون على محال تجارية يشتري منها اللاجئون احتياجاتهم وكسروا واجهاتها ونهبوا محتوياتها.
وجاء هذا الانفلات في أعقاب خطابات، أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أنها كانت محرضة وعنصرية، القاها أعضاء كنيست يمينيون، بينهم داني دانون وياريف ليفين وميري ريغف وميخائيل بن أري. ودعا هؤلاء الخطباء إلى طرد اللاجئين الأفارقة إلى دولهم، رغم خطورة ذلك بسبب الأوضاع السيئة للغاية، وأهمها الحروب الأهلية، في دول مثل إريتريا وجنوب السودان. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 80% من اللاجئين الأفارقة في إسرائيل هم من هاتين الدولتين.
ورغم أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أدان اقوال أعضاء الكنيست أمام المتظاهرين في حي "هتيكفا"، رغم أن معظمهم من حزبه، وأدان أيضا سلوك المتظاهرين، لكن تبين أن حكومته لا تفعل شيئا من أجل وضع حلول لقضية اللاجئين الأفارقة لديها.
وكرر نتنياهو تعهده بحل هذه القضية من خلال استكمال بناء الجدار عند الحدود الإسرائيلية - المصرية وإقامة معسكر اعتقال كبير في جنوب البلاد. لكن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن إسرائيل لن تتمكن من سد الطريق أمام اللاجئين الذين يأتونها عبر شبه جزيرة سيناء، وأنه حتى لو قل عددهم، فإن اللاجئين سيدخلون إلى إسرائيل عبر حدودها مع الأردن.
وبرز في هذه الأثناء أن الادعاءات التي طرحها نتنياهو لدى رفضه الموافقة على استيعاب لاجئين أفارقة في إسرائيل، هي نفسها الادعاءات التي يطرحها في سياق رفضه التوصل إلى حل لقضية اللاجئين الفلسطينيين. وقال إن استمرار وصول اللاجئين الأفارقة إلى إسرائيل يشكل خطرا على الهوية اليهودية والوضع الديمغرافي في إسرائيل.
وأجرى "المشهد الإسرائيلي" المقابلة التالية مع المرشح السابق لرئاسة بلدية تل أبيب وعضو الكنيست عن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، الدكتور دوف حنين، حول موضوع اللاجئين الأفارقة في إسرائيل.
(*) "المشهد الإسرائيلي": لماذا ترفض إسرائيل حتى اليوم معالجة قضية اللاجئين الأفارقة الموجودين فيها؟
حنين: "دخول اللاجئين الأفارقة يتناقض مع أيديولوجية الحكم في إسرائيل، التي تنص على أن إسرائيل هي دولة بإمكانها استقبال أفراد في البلاد بشرط واحد فقط وهو أن يكونوا يهودا. والأفراد الذين ليسوا يهودا لا يستقبلهم الحكم هنا بالترحاب. ولذلك فإن دخول اللاجئين يتناقض مع هذه الأيديولوجية".
(*) هل الدولة ملزمة من ناحية القانون الدولي، وأنت رجل قانون بالأساس، بمنح مكانة لاجئ لمواطنين أجانب يتواجدون في أراضيها ويوجد خطر على حياتهم في أوطانهم؟
حنين: "نعم. توجد معاهدة دولية، تم وضعها في العام 1951، واسمها ’معاهدة حقوق اللاجئ’، وتقول إن جميع دول العالم ملزمة بمنح لجوء في أراضيها لإنسان يهرب من مكان معين، لأنه مهدد هناك بخطر التعرض للموت أو القتل، حتى يزول الخطر على حياته في موطنه. وإسرائيل وقعت على هذه المعاهدة، بل إنها كانت واحدة من الدول التي بادرت إلى هذه المعاهدة، بعد الحرب العالمية الثانية والمحرقة، لكن من الناحية الفعلية فإن دولة إسرائيل لا تطبقها. وتطبيق المعاهدة يحتم على السلطات في إسرائيل التدقيق في كل ملف وطلب بشكل مفصل يقدمه المواطنون الأفارقة من أجل الحصول على مكانة لاجئ. وفي حال تبين أنه يستحق الحصول على مكانة لاجئ يجب منحه هذه المكانة. لكن حكومة إسرائيل ترفض تنفيذ هذا الإجراء".
(*) هل الحلول التي تقترحها حكومة إسرائيل لوضع حد أمام استمرار دخول لاجئين أفارقة، مثل بناء الجدار عند الحدود مع مصر وبناء معسكر اعتقال في جنوب، هي حلول كافية؟
حنين: "لا. اليوم يوجد حوالي 70 ألف لاجئ إفريقي في إسرائيل. وإذا أرادت الحكومة إقامة منشأة اعتقال كبيرة يمكنها أن تتسع لحوالي 11 ألف لاجئ، فماذا ستفعل الحكومة إذا دخل إسرائيل 50 أو 60 ألف لاجئ آخر؟ هؤلاء اللاجئون موجودون هنا، وبموجب القانون الدولي يجب الاعتناء بهم ويستحيل إعادتهم إلى إريتريا أو جنوب السودان، فماذا ستفعل الحكومة بهم؟ وهي لا تعطيهم حلولا".
(*) هذا يعني أن الحكومة ونتنياهو يضللان الجمهور في إسرائيل؟
حنين: "أعتقد أن الحكومة ونتنياهو يضللان الجمهور في إسرائيل بشكل كبير. وهما لا يطرحان حلولا حقيقية، ويحاولان تحريض جمهور ضد جمهور آخر، لأنهما يقولان لسكان الأحياء الفقيرة في جنوب تل أبيب، حيث يتركز نصف هؤلاء اللاجئين فيها، إن سبب مشاكلهم هو اللاجئون".
(*) كيف وصل هذا العدد الكبير من اللاجئين الأفارقة إلى تل أبيب؟
حنين: "الجيش ينقلهم إلى هناك. وكل يوم في الساعة العاشرة صباحا تحضر حافلتان أو ثلاثة اللاجئين من إفريقيا إلى منطقة محطة الحافلات المركزية القديمة في تل أبيب... وبعد أن يتخطوا الحدود بين إسرائيل ومصر يجمعهم الجيش [الإسرائيلي] وينقلهم إلى معسكر اعتقال، وعندما يمتلئ معسكر الاعتقال، إذ يوجد هناك ثلاثة آلاف مكان تقريبا، يتم إدخال اللاجئين القدامى أكثر إلى حافلات وينقلونهم إلى تل أبيب. وهكذا نشأت في المدينة جالية كبيرة من الإريتريين والسودانيين".
(*) لكن لماذا يتم نقلهم إلى تل أبيب حصرا؟
حنين: "لأن تل أبيب هي مدينة كبيرة وهي مركز إسرائيل وقادرة على استيعاب كل هؤلاء الأشخاص. لكن هذا يخلق ضائقة كبيرة للغاية في أحياء جنوب تل أبيب. والوضع هناك هو أن آلاف الأشخاص، اللاجئين، يسكنون في الشوارع وينامون فيها وفي الحدائق. كذلك لا توجد للاجئين مصادر لكسب الرزق لأنه بموجب سياسة الحكومة يحظر عليهم أن يعملوا. والوضع في أحياء جنوب تل أبيب سيء جدا سواء بالنسبة للاجئين أو للسكان. وهذا الوضع يخلق أجواء غير آمنة وصعبة".
(*) هل هناك اقتراحات بديلة لحل هذه القضية؟
حنين: "نحن نقترح توفير الفرصة أمام اللاجئين الأفارقة للعمل. ولأن الجميع، وحتى وزارة الخارجية الإسرائيلية أيضا، يقول إنه يستحيل طرد اللاجئين وإعادتهم إلى دولهم، إريتريا أو السودان، من ناحية القانون الدولي والموقف الدولي، فإنه ينبغي السماح لهم بالعيش وهذا يعني السماح لهم بالعمل. وإذا كانت دولة إسرائيل تقول إن من الصعب توفير أماكن عمل لهم، فإن عليها أن تتوقف عن استيراد العمال الأجانب. ففي كل عام تجلب دولة إسرائيل، بصورة قانونية، ثلاثين ألف عامل أجنبي، للعمل في الزراعة والبناء. إذن لتتوقف الحكومة عن استيراد عمال أجانب وعليها أن تعطي أماكن العمل هذه إلى الذين أصبحوا موجودين في البلاد وبذلك سيكون بإمكان اللاجئين العيش بكرامة وألا يتحولوا إلى مجرمين".
(*) إسرائيل، وخاصة الحكومة الحالية، رفضت حلولا من أي نوع لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وها هي تواجه الآن قضية اللاجئين الأفارقة. ونتنياهو يستخدم الادعاءات نفسها ضد اللاجئين الفلسطينيين والأفارقة. كيف ترى هذا الأمر؟
حنين: "أنت محق، وأعتقد أنك تطرح نقطة بالغة الأهمية. وموضوع اللاجئين الأفارقة هو موضوع ساخن جدا في إسرائيل، ولا يمكن تجاهله أو غض الطرف عنه. ومن شأن هذا الوضع أن يؤدي، وهذا ما نحاول أن نفعله، إلى خلق حساسية لدى الجمهور في إسرائيل تجاه اللاجئين عموما. وموضوع اللاجئين عموما في إسرائيل هو أمر يحظر التحدث حوله أو تقديم تنازلات فيه. أي أنه إذا لم يكن الحديث عن لاجئين يهود فإنه لا ينبغي الانشغال بمواضيع كهذه. ومن خلال هذا الموضوع سيكون بإمكاننا أن نبين الضائقة التي يعيش فيها اللاجئون، وأن هذا موضوع يستوجب نشاطا وتجندا".
(*) هذا يعني أن إسرائيل فشلت في امتحان اللجوء بسبب سياستها العنصرية تجاه غير اليهود؟
حنين: "صحيح جدا. حكومة إسرائيل فشلت هنا بشكل كبير للغاية في مسألة اللاجئين وفي مسألة اللجوء عموما، وهذا جزء من ذلك التوجه الذي يشدد عمليا على معايير أخلاقية مزدوجة تجاه اللاجئين. لأن اللاجئين اليهود يستقبلون بالترحاب ويفرش لهم بساط أحمر، لكن اللاجئين غير اليهود تسعى الحكومة إلى نفي محنتهم، وهو النفي نفسه والمحنة نفسها التي شاهدناها على مدار سنوات طويلة تجاه اللاجئين الفلسطينيين ونحن نشهدها اليوم تجاه اللاجئين الأفارقة".
(*) كيف تنظر إلى المظاهرة التي جرت في جنوب تل أبيب، الأسبوع الماضي، وخصوصا أن الخطباء فيها الذين حرضوا على العنف هم نفسهم الذين يقفون على رأس تظاهرات المستوطنين وهم نفسهم أيضا الذين يطرحون القوانين العنصرية والمعادية للديمقراطية في الكنيست؟
حنين: "أنظر إلى ذلك على أنه تعبير عما نشاهده، وبالمناسبة ليس في إسرائيل فقط وإنما في أوروبا أيضا في السنوات الأخيرة، وهو نوع جديد من اليمين الذي لا يمتاز بالعنصرية فقط وإنما بتصاعد عدوانيته أيضا وذلك قياسا باليمين في الماضي. ومثلما أن موجة العنصرية في أوروبا ضد الإفريقيين هي ضد المسلمين أيضا، فإن موجة العنف عندنا هي ليست ضد العرب فقط وإنما ضد الإفريقيين أيضا. وهذه فعلا سياسة واحدة تتكون من العنصرية والكراهية وتقود هؤلاء السياسيين المتطرفين إلى محاولة تحقيق مكاسب سياسية على حساب ضائقة سكان أحياء جنوب تل أبيب".