المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ابحاث ودراسات
  • 2416

في خضم التحليلات والاستعراضات التي مارستها وسائل الإعلام المختلفة للحرب التي توقفت نيرانها قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، رأى بعضهم أن يطلق على هذه الحرب اسم "الحرب العربية - الإسرائيلية السادسة" (بعد حروب 1948، 1956، 1967، 1973، 1982)، مغفلين بذلك حرباً تعد من أطول حروب هذا الصراع وقتاً، ومن أكثرها ضراوة وهي حرب الاستنزاف التي دارت رحاها على مدار ثلاث سنوات (1967 - 1970)، على الجبهة المصرية أساساً، وعلى بعض قطاعات ما سمي آنذاك بالجبهة الشرقية في سماء هضبة الجولان السورية ومنطقة الأغوار الأردنية ومنطقة الجنوب اللبناني.

 

في خضم التحليلات والاستعراضات التي مارستها وسائل الإعلام المختلفة للحرب التي توقفت نيرانها قبل أكثر من ثلاثة أسابيع، رأى بعضهم أن يطلق على هذه الحرب اسم "الحرب العربية - الإسرائيلية السادسة" (بعد حروب 1948، 1956، 1967، 1973، 1982)، مغفلين بذلك حرباً تعد من أطول حروب هذا الصراع وقتاً، ومن أكثرها ضراوة وهي حرب الاستنزاف التي دارت رحاها على مدار ثلاث سنوات (1967 - 1970)، على الجبهة المصرية أساساً، وعلى بعض قطاعات ما سمي آنذاك بالجبهة الشرقية في سماء هضبة الجولان السورية ومنطقة الأغوار الأردنية ومنطقة الجنوب اللبناني.

 

ولعل نسيان هذه الحرب وتغييبها مرده إلى عوامل عدة أهمها الأثر الرجعي لحرب أكتوبر (تشرين أول) 1973 ورغبة أنور السادات، وتيار الردة على الناصرية الذي قاده في مصر، بتقزيم كل حدث يذكر بانجازات حققها سلفه جمال عبد الناصر، وذلك كي لا يحد ذلك الحدث من نجاعة عملية "صناعة البطل" التي عكف عليها بعد حرب 1973 لتنتج شخصية "بطل العبور" التي كانت بدورها النسخة الممهدة لشخصية "بطل السلام" التي أنتجتها زيارته للقدس في التاسع عشر من تشرين الثاني 1977.

 

ونستطيع القول إن "الحرب التحريكية" التي قادها أنور السادات العام 1973 قد ساهمت إلى حد كبير في طمس معالم حرب الاستنزاف وإنجازاتها الإستراتيجية (من وجهة نظر الطرف العربي في الحرب)، بل لا نجانب الحقيقة إذا قلنا إن حرب أكتوبر، على الرغم من إنجاز العبور الذي تحقق فيها، أخلت، في المحصلة النهائية لها، والتي تجسدت باتفاقيات فصل القوات في ربيع العام 1974، في التعادل الإستراتيجي الذي كان المصريون قد حققوه في الليلة الأخيرة من حرب الاستنزاف (ليلة الخامس من آب 1970) عندما نجحوا، في الساعات الأخيرة للحرب، بتحريك حائط صواريخ سام 6 المضادة للطائرات إلى الحافة الغربية لقناة السويس مبطلين بذلك، إلى حد كبير، التفوق شبه التام لسلاح الجو الإسرائيلي الذي استعمل في حرب الاستنزاف "مدفعية محلقة" لضرب الأهداف في العمق المصري.

 

وإذا أمعنا التأمل في التجليات العسكرية للنزاع العربي الإسرائيلي منذ اتفاقية وقف إطلاق النار لحرب الاستنزاف بعد قبول الطرفين بالمبادرة الأميركية المعروفة بمبادرة روجرز (وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية آنذاك) نجد أن حالة من "توازن الردع الإستراتيجي" كالتي كانت في نهاية تلك الحرب لم تتوفر إلا في نتائج الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل. وإذا كانت صواريخ سام 6 المضادة للطائرات هي التي حققت حالة التوازن هذه في حرب الاستنزاف الأولى العام 1970، فإن صواريخ الكاتيوشا المحسنة وصواريخ كورنيت المضادة للدروع هي التي حققت هذه الحالة في حرب الاستنزاف الثانية العام 2006.

 

ولم تكن فعالية الصواريخ العربية (ذات التكنولوجيا الروسية) إزاء الطائرات والدبابات الإسرائيلية (ذات التكنولوجيا الأميركية) هي نقطة التشابه الوحيدة بين الحربين، بل ثمة نقاط تشابه كثيرة بينهما نجملها في النقاط الأساسية التالية:

 

1. الاعتماد على طريقة حرب الأنصار (الجاريلا/ حرب العصابات):

 

تعتمد هذه الطريقة في الحرب على فرضية تقول بتفوق الخصم في الحرب التقليدية (جيش مقابل جيش ودبابة مقابل دبابة) حيث يكون المبادر لها على قناعة بعدم قدرته على ممارسة المقارعة التقليدية، فيلجأ إلى طرق غير تقليدية يتم الاعتماد فيها على مجموعات صغيرة ذات كفاءة عالية تضرب الخصم في مناطق ضعفه، وتعمل من خلال ذلك على إبطال فوارق القوى بينهما من خلال ضربات موجعة، تجعل الطرف القوي يعيد حساباته بطرق المواجهة وتجره إلى شكل من أشكال المواجهة المريحة أكثر للطرف المبادر للاستنزاف. كما تعتمد حرب الأنصار على وجود قاعدة جماهيرية حاضنة تحمي محاربي الأنصار وتوفر لهم الإمداد وطرق الاختباء والتخفي والتراجع وقت الحاجة، وتمنحهم حرية الحركة بين أكنافها.

 

وقد اعتمد المصريون في حرب الاستنزاف الأولى، على الحاضنة الشعبية التي وفرتها مدن القناة (السويس، بور سعيد، الإسماعيلية والقنطرة) وقراها على الضفة الغربية من قناة السويس في حين شكلت القاعدة الشعبية في العمق المصري امتداداً إستراتيجياً لها. وهكذا كان في منطقة الأغوار حيث اعتمد مقاتلو المنظمات الفلسطينية المسلحة على الحاضنة الشعبية شرقي نهر الأردن في محاولاتهم لاستنزاف الجبهة الداخلية الإسرائيلية في غور بيسان. وهكذا كان في الجنوب اللبناني في الحرب الأخيرة حين اعتمد مقاتلو حزب الله على حاضنة دافئة من معظم قرى الجنوب اللبناني في حين شكلت أجزاء واسعة أخرى من لبنان امتداداً استراتيجياً لها.

 

وفي الحالات جميعها عمدت إسرائيل إلى امتحان"علاقة الحضانة" هذه بين القوات العسكرية المواجهة لها وبين القوى الشعبية والجماهيرية الداعمة لها من خلال قصف مركز لتلك الحاضنات بشكل يعرض قدرتها على التحمل لامتحان شديد ويجعلها تستنزف وتتآكل يوماً بعد يوم. والحقيقة أن قدرات الاحتمال والرغبة بالاستمرار في"الحضانة"، تتفاوت وتختلف في كل حالة من الحالات الثلاث. ففي الحالة المصرية كانت هناك دولة هي المبادرة والراعية للحرب بما يعنيه ذلك من تناغم شبه تام بين القوات المحاربة والدولة والحاضنة الشعبية، وبما يعنيه من عدم تحمل الحاضنة لتبعات الإمداد اللوجستي التي كان الجيش المصري النظامي مسؤولاً عنها.

 

أما في الحالة الفلسطينية في الأردن فقد كانت العلاقات بين الفئات الثلاث مشحونة وصلت، في ما يخص العلاقة بين المنظمات الفلسطينية والدولة، إلى حد العداء السافر والتصادم (الذي كانت قمته معارك أيلول الأسود العام 1970)، في حين كانت العلاقة بين المنظمات والأهلين فاترة شابها الكثير من التوتر في كثير من الأحيان بشكل يجعل اعتماد المنظمات على الأهلين في تلك المنطقة، كحاضنة داعمة، أمراً قليل الفاعلية وكثير التعقيد. وفي الحالة اللبنانية يمكن الحديث عن تناغم شبه تام بين المقاتلين والقاعدة الجماهيرية وشبه معدوم بينهما وبين الدولة، علماً بأن هذه العلاقة الإشكالية لم تتعد حد الخصومة إلى العداوة السافرة، بل إنها شهدت بعض اللحظات الحميمية القليلة أثناء الحرب تجسدت في درجة محدودة من التنسيق هدف للوصول إلى حد أدنى من موقف لبناني جماعي وموحد.

 

وقد عانت القاعدة الجماهيرية في الحالات الثلاث من ضربات موجعة من الطيران الإسرائيلي وصلت في معظمها إلى حد التدمير الشامل لمدن وقرى كاملة على مساكنها وبناها التحتية ومرافقها الاقتصادية، خاصة في الحالتين اللبنانية والمصرية. ففي جبهة القناة تم تدمير مدن القناة تدميراً كاملاً بشكل سبب نزوحاً لسكانها الذين بلغ عددهم مليون نسمة إلى العمق المصري مشكلين عبئاً شديداً على منظومة دولة كانت خارجة لتوّها من حرب مدمرة متعرضة فيها لهزيمة قاسية وضربات معنوية موجعة، ولكن هذا لم يفت من عضد الجبهة الشعبية المصرية بل يمكن القول إنه زادها تماسكاً وصلابة ولم تعمد الجماهير إلى إسقاط النظام كما خطط المبادرون لغارات العمق التي ضربت أهدافاً انتقائية في العمق المصري، كما لم تنل من عزيمتهم الفظائع التي ارتكبت بحق المدنيين في مصنع أبو زعبل (17/02/1970) التي راح ضحيتها سبعون عاملاً مصرياً، وفي مدرسة بحر البقر (1970.4.8) التي راح ضحيتها خمسون طالباً. كما لم تفعل ذلك إنزالات في العمق المصري (في الزعفرانة وجزيرة شدوان ونجع حمادي)، كانت تهدف بالأساس لإظهار عجز خطوط الدفاع المصرية وعدم قدرتها على حماية نفسها، وذلك في سبيل توظيف ذلك بالاستنزاف النفسي والمعنوي الذي لا تقل آثاره الهدامة عن الاستنزاف العسكري أو الاقتصادي.

 

وقد تكرر هذا المشهد في لبنان في حروب سابقة حيث كنت ترى قوافل النازحين من قرى الجنوب إلى مناطق أكثر أمناً في الشمال، ريثما تهدأ الحال وتضع الحرب أوزارها، ولكن هذه المرة كان التدمير في الجنوب أشد وأفظع ولم تنج قوافل النازحين إلى الشمال من القصف ولم يكن في الشمال الكثير من المناطق" الأكثر أمناً".

 

ووصل رقم النازحين من الجنوب اللبناني وضاحية بيروت الجنوبية إلى الرقم الذي وصل إليه نازحو مدن القناة عام 1970، ولكن الأمر في الحالة اللبنانية كان أكثر تعقيداً: فالتنسيق بين المؤسسات الحكومية والقوى اللبنانية المقاتلة لم يكن سهلاً، ولم تتوفر "آليات الامتصاص" التي وفرتها الحكومة المصرية في حينه لدى الحكومة اللبنانية التي لم يثبت توفر النية لديها بتوفير ذلك. هذا فضلاً عن حساسية النسيج الشعبي اللبناني وتعدد مشاربه ومواقفه بالنسبة للحرب، بشكل عام، وبالنسبة للقوات اللبنانية المقاتلة، بشكل خاص. هذا مع العلم أن استقبال النازحين من الجنوب واستيعابهم من قبل هيئات شعبية متعددة (لم تعد أصلاً على قاعدة مؤيدي القوات المقاتلة) كان أمراً فاق كل تصور وضرب بعرض الحائط الكثير من التوقعات.

 

وقد ساهمت فظائع القصف الجوي للقاع وقانا والضاحية في زيادة تماسك القاعدة الشعبية وتوسيعها. هذا علماً أنه في الحالة اللبنانية توفرت لحزب الله القدرة بالضغط على القاعدة الشعبية والجبهة الداخلية في إسرائيل بشكل لم يتوفر للقوات المصرية التي كان يجري القتال من قبلها إما على أراض مصرية محتلة شرقي القناة وفي شبه جزيرة سيناء، وإما من خلال ضرب أهداف حيوية منتقاة في العمق المصري. وعليه كان السبيل المصري الوحيد للضغط على إسرائيل ومحاولة استنزافها، يتم من خلال ضرب مدفعي مكثف للتحصينات الهائلة التي أقامها الإسرائيليون شرقي القناة، والتي عرفت في حينه بتحصينات بار ليف (نسبة إلى حاييم بار ليف رئيس أركان الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب) أو عن طريق عمليات عبور محدودة (للقناة) لقوات كوماندو مصرية ضربت التحصينات الإسرائيلية في منطقة معابر متلا والجدي وقواعد عسكرية أخرى في عمق سيناء.

 

في الحالتين كانت قدرة تحمل القاعدة الشعبية مذهلة ولكن أولي الأمر في القيادتين كانوا مدركين تماماً أن هذا التحمل ليس معيناً لا ينضب، وأن القدرة على الصمود هي قدرة قابلة للاستنزاف والإنهاك، وعليه وصلوا إلى قناعة مفادها أن عملية شد الحبل حتى نهايته قد تنقلب، في النهاية، ضد ذلك التضامن والتآلف والتعاضد بين القوات المقاتلة وقاعدتها الشعبية الحاضنة، وعليه كان الاتجاه للقبول بوقف إطلاق النار مع السعي ليكون ذلك مصحوباً بانجازات سياسية ومعنوية قدر الإمكان.

 

2. ردود الفعل الإسرائيلية والاستنزاف المضاد:

 

في الحالتين المصرية واللبنانية، رغب الطرف العربي بقواعد لعبة (متفق عليها من خلال قوى رادعة) لحرب محدودة تشبه إلى حد كبير حرب القواعد الثابتة التي جرت في الحرب العالمية الأولى في فردان بين ألمانيا وفرنسا، والتي أراد الألمان من خلالها استنزاف القوى البشرية للجيش الفرنسي بحرب مواقع ثابتة طويلة الأمد. وفي الحالتين رفضت إسرائيل هذه القواعد وحاولت القيام باستنزاف مضاد يكون من شأنه إجبار الطرف المبادر للحرب المحدودة على قبول القواعد التي حاولت هي تحديدها من خلال الضغط على القواعد الشعبية ومرافق الحياة الأساسية. وفي الحالتين كانت النتيجة الاستنزاف المتبادل الذي حقق شكلاً من أشكال "التوازن الرادع" أو ما يطلق عليه البعض" التعادل الاستراتيجي".

 

أما في الحالة الفلسطينية في الأردن، فقد نجح رد الفعل الإسرائيلي بتأليب الحكومة في الأردن وأوساط شعبية معينة ضد النشاط العسكري للمنظمات الفلسطينية من أراضيه، وقاد إلى مصادمات دموية بين الطرفين كان لها بعيد الأثر على استراتيجيات العمل العسكري الفلسطيني وعلاقاته المعقدة مع الدول العربية المضيفة للفلسطينيين.

 

3. تعادل استراتيجي، عدم حسم عسكري واضح وترقب لجولة قادمة:

 

تتشابه حربا الاستنزاف الأولى والثانية، في الحالتين المصرية واللبنانية، في النقطة التي انتهت فيها كلا الحربين: استنزاف متبادل، عدم حسم عسكري واضح وتعادل ردعي استراتيجي. وهذا وضع يقود حتما طرفي الحرب إلى التفكير مجدداً بحسمها، خاصة الطرف الذي توقع نتائج أكثر إيجابية مما حقق. وفي الحالة الأولى كان ذلك الطرف المصري الذي طمح إلى تنفيذ إستراتيجية "محو آثار العدوان" التي أعلن عنها الرئيس جمال عبد الناصر في الحادي عشر من حزيران 1967، بعد عودته عن قرار التنحي، والتي كانت تعني منع إسرائيل من استثمار انتصارها الذي حققته في حرب حزيران الخاطفة والعودة، عن طريق حرب طويلة الأمد، إلى الحدود الدولية التي كان عليها الأطراف في الرابع من حزيران 1967.

 

عدم تحقيق المصريين لهذه الأهداف جعلهم يفكرون بإعادة الكرّة بعد التقاط الأنفاس، بل إن الكثيرين من مقربي الرئيس المصري في حينه (منهم الصحافي محمد حسنين هيكل ومحمد فوزي وزير الحربية) تحدثا عن خطة وضعها عبد الناصر لاستئناف القتال بعد ثلاثة أشهر. ولكن موته المفاجئ في الثامن والعشرين من أيلول العام 1970 (54 يوماً بعد وقف حرب الاستنزاف) أجل هذه الخطة التي عمل على تنفيذها (مع إدخال تعديلات جوهرية على مضمونها) خليفته أنور السادات بعد ثلاث سنوات من وفاة سلفه. علماً أنه استغل نتائجها المحدودة لتحريك العملية السلمية، ذلك التحريك الذي قاد في النهاية إلى توقيع اتفاقيات كامب ديفيد للسلام بين مصر وإسرائيل، والتي عنت فيما عنته تحييد الدور الأساسي الذي كان لمصر أن تلعبه في صراع عسكري مستقبلي بين العرب وإسرائيل الشيء الذي يعني في رأي كبار المحللين العسكريين استحالة حسم الصراع عسكرياً لصالح العرب في أية جولة قادمة للحرب مع إسرائيل.

 

وفي الحالة اللبنانية، فإن الطرف الإسرائيلي هو الطرف الذي لم يحقق الأهداف التي أعلن عنها في بداية الحرب والتي وقف على رأسها استعادة الجنديين الأسيرين (دون قيد أو شرط) وتفكيك القدرات العسكرية لحزب الله وأبعاد تهديد قدراته الصاروخية للعمق الإسرائيلي. في ظل عدم تحقيق هذه الأهداف وبقاء القضايا المعلقة دون حسم فإن مبادرة إسرائيل لجولة جديدة من الحرب يبقى خياراً مفتوحاً ومتوقعاً.

 

________________________________

 

(*) د. مصطفى كبها- مؤرخ وأستاذ الإعلام في الجامعة الإسرائيلية المفتوحة.

المصطلحات المستخدمة:

الكاتيوشا, أمنا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات