المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

د. شلومو سبيرسكي باحث اجتماعي من رؤساء مركز "أدفا"- معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل. وهذا المقال يشكل تلخيصًا لكتاب جديد صدر باللغة العبرية للمؤلف بعنوان "ثمن الغطرسة، حول كلفة الاحتلال للمجتمع الإسرائيلي".

تعيش إسرائيل، منذ اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول من العام 2000، ركودًا اقتصاديًا متواصلاً، بدأ بالاتساع – ببطء ووتيرة متقطعة – في العام 2004 فقط. وحمل هذا الركود معه تحولات في السياسة الاجتماعية والاقتصادية، من المؤكد أنها ستؤثر سلبًا على المجتمع الإسرائيلي لسنين عديدة قادمة. لذا، فقد بدا من الواضح أنّ إسرائيل تدفع ثمنًا باهظًا لاحتلالها للمناطق الفلسطينية، وهو ثمن تدفعه معظم العائلات في الدولة. ويضع الثمن الذي تدفعه إسرائيل الآن 37 عامًا من الاحتلال في منظور جديد ومغاير.

الفلسطينيون، كما هو معروف، يدفعون ثمنًا أكبر من ذلك بكثير، لكن هذه الحقيقة لا تقلّص الثمن الذي يدفعه الإسرائيليون، ولا تجعله أقل أهمية.

الثمن الذي يدفعه الإسرائيليون حاليًا هو ثمن الغطرسة، الغطرسة التي تنتشر في صفوف القيادات الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي على أثر الانتصار العسكري في العام 1967. وظفرت إسرائيل، نتيجة هذا الانتصار، بسيطرة محكمة على كامل مساحة فلسطين الانتدابية، بالإضافة إلى السيطرة على غالبية الشعب الفلسطيني. وبحصولها على هذه المكانة، لم تجد إسرائيل في نفسها الحكمة، ولا سعة القلب، في تلك الساعة المصيرية لاستغلال الظروف الجديدة كي تطبق الحل السياسي الذي تبنته القيادة الصهيونية نفسها قبل عشرين عامًا من ذلك الوقت – تقسيم البلاد بين الشعبين. وقد شرعت إسرائيل في فصل الضفة الغربية عن الأردن وقطاع غزة عن مصر، لكنها، بدل المحافظة عليها وديعةّ إلى حين التوصل إلى حل عادل مع الفلسطينيين، وإلى اتفاق يرتكز إلى الاعتراف بحقوق المجتمعين، اختارت إسرائيل فرض سيطرتها الطويلة الأمد، والاستيلاء على أجزاء من الأراضي الفلسطينية.

في السنين العشرين الأولى، كان ثمن الاحتلال متدنيًا نسبيًا، من وجهة النظر الإسرائيلية. لكن منذ اندلاع الانتفاضة الأولى في العام 1987، بدأت إسرائيل تدفع ثمن الغطرسة. في الحقيقة، لا يستطيع الفلسطينيون إلحاق الهزيمة بجيش الدفاع الإسرائيلي، وهزموا في ساحة الحرب مرة تلو الأخرى، لكن رغبة الفلسطينيين المتكررة في العودة إلى ساحة القتال، مرة بعد مرة، كي يعبروا عن طموحهم إلى تأسيس حياة قومية مستقلة، أصبحت تشكل منذ عام 1987 تهديدًا مزمنًا للاستقرار الاقتصادي والسياسي في إسرائيل. هذا هو ثمن الغطرسة.

يفحص كتاب "ثمن الغطرسة" الأثمان السياسية والعسكرية والسياسية التي يقتضيها احتلال الأراضي الفلسطينية من إسرائيل.

يتألف الكتاب من جزأين : يعالج الجزء الأول الفترة الواقعة بين العامين 1967 – 1987، حيث كان ثمن الغطرسة متدنيًا نسبيًا، وجرت موازنته بواسطة الأرباح الاقتصادية المختلفة. ويعالج القسم الثاني مرحلة الانتفاضة الفلسطينية. في هذه المرحلة، وبخاصة في الأعوام 2000 – 2003، أصبح ثمن الغطرسة باهظًا جدًا.

الجزء الأول : 1967 – 1987

المناطق الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 ليست غنية بأي نوع من الموارد التي قد تغري الدول والأمم باحتلال المناطق الأخرى. لم يكن الاقتصاد مصدر جاذبية هذه المناطق بالنسبة للقيادة وللعديد من الفئات في إسرائيل، لكن السياسة والدوافع الأيديولوجية هي التي أدت دورًًا حاسمًا في هذا الأمر – إمكانية تأسيس "إسرائيل الكبرى" التي تضم بين حدودها معظم مناطق المملكة اليهودية التوراتية من خلال تهميش السكان المحليين.

حتى العام 1987، كان الميزان الاقتصادي للاحتلال إيجابيًا من وجهة النظر الإسرائيلية، وكحاكم جديد، صرفت إسرائيل القليل على الصيانة الاقتصادية والعسكرية، ورافق ذلك جني أرباح اقتصادية ومالية.

النفقات

‌أ. نفقات عسكرية متدنية- في مراحل تنظيمها الأولى، شنت المجموعات الفلسطينية الهجمات من خارج الحدود، ولم تكن هذه المقاومة ذات تأثير يذكر. وجرت السيطرة على المناطق المحتلة بعدد قليل من الفرق العسكرية.

‌ب. نفقات حكومية متدنية- كانت الحكومة الإسرائيلية عاقدة العزم على السيطرة بحد أدنى من التكلفات، وما عناه الأمر عمليًا هو غياب الاستثمار في التطوير الاقتصادي للمناطق الفلسطينية. وإلى حد بعيد، وفرت الضرائب المحلية ميزانيات الإدارة الإسرائيلية. وجرت موازنة النفقات الحكومية عبر تدفق الأموال من العمالة الفلسطينية داخل إسرائيل. من هنا، حصل ارتفاع في مستوى المعيشة، دون أن يستدعي الأمر إنفاقًا من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلية.

الأرباح

‌أ. سوق رهينة للبضائع الإسرائيلية – فصلت سلطات الاحتلال الإسرائيلي المناطق الفلسطينية عن الأردن ومصر، وأحبطت أي نوع من التنمية الاقتصادية التي قد تنتج عن منافسة للمنتجين الإسرائيليين، ما أدى إلى تحول المناطق الفلسطينية إلى سوق أسيرة للبضائع والمنتجات الإسرائيلية. في الثمانينيات استوعبت هذه المناطق 10 – 12% من مجموع الصادرات الإسرائيلية، وأصبحت ثاني أكير مستورد للبضائع الإسرائيلية بعد الولايات المتحدة الأميركية.

‌ب. الأرباح الناتجة عن وحدة جمركية قسرية – تسيطر إسرائيل على جميع نقاط العبور في المناطق الفلسطينية، وتفرض رسوم الجمارك والضرائب الأخرى – حسب التسعيرة الإسرائيلية – على جميع البضائع المعدة للمناطق الفلسطينية وتلك التي تصدر منها، فارضةً بذلك نظامًا جمركيًا موحدًا. حتى اتفاقيات أوسلو اقتطعت هذه الضرائب، التي وصلت قيمتها بين عامي 1970 و1987 إلى نحو خمسة مليارات دولار أميركي (حسب أحد التقديرات)، لصالح الخزانة الإسرائيلية. بعد تأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994، بدأ تحويل الضرائب إليها؛ لكن إسرائيل كانت تحتجزها بين الحين والآخر كفعل انتقامي من المقاومة الفلسطينية المسلحة.

‌ج. استهلاك مرتفع للمياه – سيطرت إسرائيل في العام 1967 على مصادر المياه غرب نهر الأردن. وأصبحت "مكوروت" – شركة المياه الحكومية – المزود غير البلدي الوحيد في المناطق الفلسطينية. وقامت بتزويد المياه للاستهلاك المنزلي والزراعي والصناعي للمستوطنات الإسرائيلية حسب معايير غربية، بينما قامت بتأييد الاستعمالات الفلسطينية المشابهة.

‌د. العمال الفلسطينيون في إسرائيل – بعد الاحتلال مباشرة، سمحت إسرائيل بدخول العمال الفلسطينيين إلى سوق العمل الإسرائيلية. ومع نهاية الثمانينيات، عمل في إسرائيل نحو 100,000 فلسطيني، يشكلون ثلث القوة العاملة الفلسطينية. وعمل هؤلاء – بخاصة – في فرعي البناء والزراعة. وجنى المشغلون الأرباح الوفيرة من تشغيلهم، حيث كانت تكلفات تشغيلهم أدنى من تكلفات العمال الإسرائيليين. وحصل هؤلاء العمال على أجور منخفضة مقارنة بالعمال الإسرائيليين، لكنها كانت أعلى من أجور العمال في المناطق الفلسطينية. وكان عمال الياقات الزرقاء الإسرائيليون أكبر الخاسرين من هذا الأمر، حيث ضعفت قدرتهم على المناورة مقابل المشغلين الإسرائيليين بعد دخول المنافسة التي تميزت بكلفة أقل.

واستفادت الخزانة الإسرائيلية هي الأخرى من العمالة الفلسطينية، فقد جرى خصم ضرائب الضمان الاجتماعي كاملة من أجور العمال الفلسطينيين (إضافة إلى دفع حصتهم). وفي المقابل، حصل هؤلاء العمال على عدد قليل من برامج الضمان الاجتماعي (وفي مقدمتهما تأمين إصابات العمل). ووصلت المبالغ المحسومة الأخرى، والتي كان من المفروض بها أن تغطي ما تبقى من برامج الضمان الاجتماعي (مثل مخصصات الأطفال وتأمين العجزة)، إلى الخزانة الإسرائيلية. ووفق أحد التقديرات، وصلت قيمة هذه الحسوم بين العامين 1968 – 1993 إلى نحو 250 مليون دولار أميركي.

وأخيرًًا، استفادت الهستدروت (نقابة العمال الإسرائيلية) هي الأخرى من تشغيل الفلسطينيين، إذ فرض على المشغلين حسم نسبة 1% من الأجور لمصلحة النقابة، وحولت هذه المبالغ إلى الهستدروت، على الرغم من عدم قيامها بالدفاع عن العمال الفلسطينيين.

الاستثمار الإسرائيلي الوحيد في المناطق – المستوطنات الإسرائيلية

شكل بناء نحو 150 مستوطنة إسرائيلية الاستثمار الوحيد الكبير في المناطق الفلسطينية. ويصل عدد السكان في هذه المستوطنات إلى أكثر من 200,000 مستوطن. في البداية، بنيت هذه المستوطنات في مواقع إستراتيجية مثل غور الأردن، وتم نشرها لاحقًا في جميع المناطق الفلسطينية، وكان الهدف الفعلي من إقامتها بسط السيطرة الإسرائيلية على تلك المناطق.

لا تملك المستوطنات أية قيمة اقتصادية فعلية. ومن بين جميع الأهداف العملية، شكلت هذه المستوطنات فنادق للنوم. لذا، وعندما يجري حساب الاستثمار فيها، نأخذ في الحسبان التكلفات الإضافية لبناء مستوطنة في المناطق الفلسطينية مقارنة بتوطين سكانها داخل الحدود الإسرائيلية لما قبل 1967. وترجع التكلفات الإضافية من ناحية إلى ضرورة تحصبن المستوطنات وحمايتها نتيجة وقوعها على مقربة من المدن الفلسطينية التي لا ترحب بها، ومن ناحية أخرى ترجع التكلفات إلى الإغراءات المادية الكبيرة التي تعرضها الحكومة بهدف زيادة عدد سكان المستوطنات.

وحسب التقديرات التي أجرتها صحيفة "هآرتس"، وصل التمويل الحكومي الفائض للمستوطنات بين العامين 1967 و2003 إلى 45 مليار شيكل إسرائيلي (نحو 10 مليارات دولار أميركي). وتشير حسابات مركز "أدفا" إلى أن المنح الحكومية للمستوطنات بين العامين 1990 – 1999 للفرد الواحد فاقت ما حصلت عليه السلطات المحلية داخل الخط الأخضر من منح بنحو 500 مليون دولار أميركي ("الخط الأخضر" هو خط الهدنة من العام 1949 وحدود إسرائيل الشرقية المعترف بها دوليًا). وتمتعت المستوطنات الإسرائيلية كذلك بتمويل حكومي سخي لبناء المنشآت الجماهيرية، وشق الشوارع الالتفافية على القرى الفلسطينية وللمناطق الصناعية، وتمويل سخي لصيانة وتفعيل المدارس والعيادات الطبية، وتسهيلات ضريبية كثيرة.

وستجري مضاعفة هذه التكلفات في الفترة القريبة، وفقًا لخطة رئيس الحكومة أريئيل شارون في شأن فك الارتباط مع قطاع غزة والجزء الشمالي من الضفة الغربية. وستمنح كل عائلة من المستوطنين سيعاد توطينها داخل إسرائيل مبلغًا يتراوح بين 350,000 و 750,000 دولار أميركي. بالإضافة إلى ذلك، تستثمر وزارة الدفاع الإسرائيلية مبلغ 500 مليون دولار في إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي الذي يتمركز حاليًا في المناطق المذكورة. وتشمل خطة خارطة الطريق التي رسمها الرئيس بوش إخلاء مستوطنات عديدة أخرى، وعليه، ستبلغ تكلفات إعادة التوطين بضعة مليارات من الدولارات الأميركية، وبذلك تتحول المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية المحتلة إلى المغامرة الاقتصادية العسكرية الأكثر تكلفة في التاريخ الإسرائيلي.

الجزء الثاني : مرحلة الانتفاضات الفلسطينية

بدأت الانتفاضة التي اندلعت في العام 1987 بتحديد سعر الغطرسة. وشهدت المناطق الفلسطينية مقاومة مستمرة لجزء كبير من الجمهور الفلسطيني المحلي وهجمات مكثفة لمجموعات مسلحة من وراء الحدود. واستلزم هذا الأمر تدخل أعداد كبيرة من القوات الإسرائيلية المسلحة. في إسرائيل، أوقع الصراع الكثير من الضحايا، وتسبب في ركود النمو الاقتصادي وفي تفاقم الاستقطاب السياسي. في نهاية الأمر، أدت الانتفاضة الأولى إلى عقد مؤتمر مدريد، وبعدها إلى التوقيع على اتفاقيات أوسلو التي أنشئت بموجبها السلطة الفلسطينية. لكن الأمر لم ينته عند هذا الحدث السعيد. فالمجزرة التي قام بها باروخ غولدشتاين بالمصلين الفلسطينيين في الخليل، تبعتها سلسلة متواصلة من التفجيرات الانتحارية داخل إسرائيل بقيادة المجموعات العسكرية الفلسطينية الإسلامية. في الوقت ذاته، تضاعف عدد المستوطنين الإسرائيليين في المناطق المحتلة.

اندلعت الانتفاضة الفلسطينية الثانية في أيلول عام 2000، وبينما كانت الانتفاضة الأولى شعبية بطابعها، كانت الثانية انتفاضة مسلحة، حيث شهد عدد الضحايا من الطرفين تزايدًا كبيرًا. وتفاقم الركود الاقتصادي، وأصبح ثمن الغطرسة أكبر فأكبر، الأمر الذي وضع فترة الاحتلال كلها تحت منظار جديد ومغاير. ويمكن معاينة ثمن الغطرسة في أربعة مجالات رئيسية: الاستقرار السياسي؛ الأثمان العسكرية؛ الخسائر الاقتصادية؛ التكلفات الاجتماعية.

الاستقرار السياسي

أصبح الموقف تجاه المناطق الفلسطينية يشكل خط الفصل الرئيسي في السياسة الإسرائيلية وهمش المواضيع التقليدية التي تمايز بين اليسار واليمين في سائر الدول. وشلت قضية فلسطين السياسة الإسرائيلية، ولم يستطع أي من المعسكرين تنفيذ حله المفضل، الأمر الذي خلق حالة من الجمود، أو أدى إلى تشكيل "حكومات وحدة وطنية" كتلك التي طبقت خطة الاستقرار الاقتصادية النيوليبرالية في العام 1985، أو تلك التي يجري التفاوض بشأنها حاليًا من أجل تنفيذ خطة الانفصال عن غزة.

ينعكس عدم الاستقرار السياسي بوضوح في حقيقة تبديل خمسة رؤساء للحكومة في التسعينيات، بينما شهدت العقود التي سبقتها تبدل رئيسين في كل عقد (وثلاثة في الثمانينيات)، وتنعكس كذلك في حقيقة عدم تمكن رؤساء الحكومة منذ العام 1998 من الحصول على مصادقة الكنيست على الميزانية بسبب المعارضة داخل الائتلاف الحكومي للخطوات التي اتخذت في الموضوع الفلسطيني. وأفضى الأمر إلى انتخابات جديدة. وأخيرًا، انعكست كذلك في اغتيال رئيس الحكومة يتسحاق رابين، بمسدس متطرف من المعسكر اليميني الذي عارض اتفاقيات أوسلو.

التكلفات العسكرية

مع اندلاع الانتفاضة، تضاعفت تكلفات الاحتلال العسكري بشكل ملحوظ. ومنذ ذلك الحين، وضع الجيش الإسرائيلي كتيبتين ثابتتين، تضمان سبع فرق، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وخدمت كل وحدة مقاتلة مرة واحدة على الأقل في المناطق الفلسطينية.

تبقى مصروفات الميزانية غير معروفة بسبب عدم الإفصاح عن ميزانية الدفاع الإسرائيلية، وعلى الرغم من ذلك تشتمل مشاريع الموازنة السنوية على أرقام حول زيادات خاصة على الميزانية العسكرية بسبب "الأحداث في المناطق". وبين العامين 1987 و 2005، اقتربت هذه الزيادات من مبلغ 29 مليار شيكل (نحو 6.5 مليار دولار أميركي). لا تأخذ هذه الأرقام بالحسبان التكلفات الاعتيادية التي توظف من أجل السيطرة على المناطق المحتلة (مثل صيانة الكتيبتين اللتين جرى التطرق إليهما سابقًا).

وإضافة إلى التكلفات التي تقع على وزارة الدفاع، نضيف التكلفات التي تتحملها وزارة الأمن الداخلي التي أطلق عليها سابقًا وزارة الشرطة. ومنذ أن بدأت المنظمات الفلسطينية باستهداف المدنيين داخل الحدود الإسرائيلية، شرعت الشرطة العادية وشرطة حرس الحدود تعمل تحت سلطة وزارة الأمن الداخلي كمركبات عضوية للآلة الإسرائيلية الدفاعية في مواجهة المتمردين الفلسطينيين. وتضاعفت ميزانية هذه الوزارة بين العامين 1994 و2005.

وتشمل التكلفات الدفاعية مركبًا متميزًا، ألا وهو بناء الجدار الأمني بين إسرائيل والمناطق الفلسطينية الذي يهدف إلى منع المتسللين الفلسطينيين والانتحاريين من دخول إسرائيل. ويبلغ طول الخط الأخضر الذي يفصل بين المنطقتين 350 كيلومترًا. ولو بني الجدار على طول الخط الأخضر لبلغت كلفته نحو 3.5 مليار شيكل (نحو 800 مليون دولار)؛ بيد أن الحكومة الإسرائيلية قررت ضم المستوطنات الإسرائيلية داخل الجدار من خلال الاستيلاء على مساحات كبيرة من الأراضي الفلسطينية، وبذلك أطالت الجدار إلى نحو 600 كيلومتر، وضاعفت تكلفاته. وعلى ضوء قرار المحكمة الدولية في لاهاي وتحفظات المحكمة العليا في إسرائيل، قامت وزارة الدفاع الإسرائيلية بتغيير مسار الجدار مرة أخرى، مما تطلب مبالغ جديدة للتخطيط والبناء. وحتى الآن (في السنوات المالية 2003 – 2005)، خصصت الحكومة مبلغ 3.5 مليار شيكل لبناء الجدار.

القتلى والجرحى والتعويضات – الثمن الأكثر فداحة نتيجة الاحتلال والانتفاضة الفلسطينية يتمثل في أرواح البشر والجرحى. ومنذ أيلول عام 1987، حتى تشرين الثاني عام 2004، تكبدت إسرائيل 1,355 قتيلاً و 6,709 جرحى من المدنيين ورجال الجيش. وفاقت الأرقام الفلسطينية ذلك بكثير، وبلغ عدد القتلى في صفوفهم 4,661 وعدد الجرحى 28,217.

تدفع مؤسسة التأمين الوطني الإسرائيلية التعويضات للمدنيين الذين قتلوا أو جرحوا جراء العمليات العدائية. ووصل مبلغ هذه التعويضات في العام 2003 إلى 350 مليون شيكل (نحو 80 مليون دولار). وتدفع وزارة الدفاع التعويضات للجنود القتلى والمصابين، وتفوق هذه المبالغ ما يدفع للمدنيين. الأرقام الدقيقة غير متوافرة، وذلك بسبب السرية التي تكتنف ميزانية وزارة الدفاع. وعلى الرغم من ذلك، ليس مجافيًا للعقل الافتراض أن مجموع المبالغ المدفوعة قد بلغت نحو مليار شيكل (230 مليون دولار) على الأقل.

وتضاف إلى هذه المبالغ التعويضات التي تدفع على الممتلكات التي تتضرر نتيجة الهجمات الفلسطينية (الباصات والمطاعم والمنشآت العامة التي يفجرها الانتحاريون، والصواريخ التي تطلق من قطاع غزة).

الخسائر الاقتصادية

من وجهة النظر الإسرائيلية، كان التوازن الاقتصادي للاحتلال إيجابيًا حتى العام 1987. ومع اندلاع الانتفاضة الأولى، أخذ هذا التوازن يتغير. وهنالك صعوبة في حصر خسائر الانتفاضة الأولى التي استمرت حتى العام 1993؛ فمنذ مطلع التسعينيات، بدأت موجة المهاجرين من الإتحاد السوفييتي السابق وأثيوبيا بالوصول إلى إسرائيل مؤثرة بذلك على جميع النواحي الاقتصادية. وتشير الأرقام إلى تراجع نمو الناتج القومي الإجمالي السنوي: من 6.1% في العام 1987، إلى 3.6% في العام 1988، إلى 1.4% في العام 1989؛ بينما تراجع الناتج القومي للفرد : من 4.6% في العام 1987، إلى 1.9% في العام 1988، إلى 0.3% في العام 1989. وإرتفعت نسبة البطالة: من 6.1% في العام 1987، إلى 8.9 % في العام 1989.

وشهد النمو الاقتصادي تباطؤًا من جراء العمليات الانتحارية الفلسطينية، حتى بعد الانتفاضة الأولى وفي السنوات التي تلت التوقيع على اتفاقيات أوسلو وتأسيس السلطة الفلسطينية في العام 1994.

وكان للانتفاضة الثانية التي اندلعت في خريف العام 2000 نتائج هدّامة أكثر على الاقتصاد:

· تراجع نمو الناتج القومي الإجمالي: من 8% في العام 2000 (فقاعة التكنولوجيا الرفيعة) إلى نمو سلبي بلغ 0.9- % في العام 2001، إلى 0.7- % في العام 2002.

· هبط نمو الناتج القومي للفرد الواحد: من 5.2% في العام 2000، إلى نمو سلبي 3.2- % في العام 2001، و2.7- % في العام 2002 و0.5- % في العام 2003.

· تتراوح التقديرات، بشأن خسارة الناتج القومي الإجمالي بين العامين 2000 – 2004، بين 7 – 9 مليارات دولار (صندوق النقد الدولي) و 12 مليار دولار.

· هبطت الإستثمارات الدولية : من 5.3 مليار دولار في العام 2000، إلى 1.7 مليار دولار في العام 2002، ثم عادت لترتفع مرة أخرى.

· تراجع عدد السياح الذين دخلوا إسرائيل: من 2.7 مليون سائح في العام 2000، إلى 0.9 مليون في العام 2002.

· إرتفعت البطالة : من 8.9% في العام 2000، إلى 10.7% في العام 2003.

كان للركود الاقتصادي تأثير عكسي على التمويل الحكومي.
•تراجع جمع الضرائب: من 157 مليار شيكل في العام 2000 (31.2% من الناتج القومي الإجمالي)، إلى 142 مليار شيكل في العام 2003 (28.6% من الناتج القومي الإجمالي).
•ارتفع العجز: من 2.4% من الناتج القومي الإجمالي في العام 1999 (وهبط بشكل استثنائي إلى 0.7% في العام 2000)، إلى 5.7% في العام 2003.
•كنسبة من الناتج القومي الإجمالي، ارتفع الدّين الحكومي الإسرائيلي من 88% في العام 2000، إلى 104% في العام 2003.

بغية معالجة الأزمة المالية، تبنت الحكومة إستراتيجيتين:

· الأولى سلسلة متتالية من 8 تقليصات في الميزانية، بلغت قيمتها الإجمالية 60 مليار شيكل. هذه التقليصات في الميزانية أثرت على جميع مرافق الخدمات الحكومية.

· الثانية أن إسرائيل طلبت من الحكومة الأميركية تغطية العجز دون الحاجة إلى زيادة العبء على سوق النقد المحلية، ودون اللجوء إلى رفع الضرائب.

في الحقيقة، أتاح ذلك للحكومة التصرف بشكل عكسي؛ ففي خضم كل هذه التقليصات، قررت الحكومة تطبيق خطة خفض الضرائب، التي أعدت منذ البداية للحيلولة دون تنفير النخب الإسرائيلية وخصوصًا أعضاء طبقة رجال الأعمال وعلماء التكنولوجيا العلوية. هذه المجموعة التي شكلت قبل الانتفاضة الأولى العمود الفقري لفيلق الضباط في جيش الدفاع الإسرائيلي ولوحداته المختارة. وواجه هؤلاء، خلال الانتفاضة الأولى، معضلات أخلاقية جدية وبدأوا بالبحث عن بديل للخدمة في الأراضي المحتلة بشكل خاص وللمهن العسكرية بشكل عام. هذه المجموعة كانت من بين أكثر المؤيدين لاتفاقيات أوسلو. وطبق الخفض الضريبي في نفس الوقت الذي فرضت فيه الضريبة على أرباح رؤوس الأموال. على الرغم من ذلك، كان الخفض الضريبي شديدًا للغاية في الوقت الذي كانت الضريبة المفروضة على أرباح رؤوس الأموال متدنية للغاية. وبينما وصلت خسارة خزانة الدولة، نتيجة خفض الضرائب، إلى 12.9 مليار شيكل، لم تتعد مدخولاتها من ضريبة أرباح رؤوس الأموال الـ 0.7 مليار شيكل.

التكلفات الاجتماعية

كان للتقليصات الحكومية التي فرضت خلال الانتفاضة نتائج وخيمة على المجتمع الإسرائيلي، وانعكس الأمر بطرق عديدة. من الممكن مقارنة هذه النتائج المتراكمة بالتغييرات البنيوية التي طرأت على دول أوروبا الشرقية نتيجة انهيار الإتحاد السوفييتي، أو التغييرات البنيوية التي فرضتها مؤسسات التمويل الدولية على الدول التي تعرضت لأزمات اقتصادية حادة.

ومن قبيل المفارقة أن جميع أو معظم هذه التقليصات لم تكن ضرورية بشكل مطلق. فإسرائيل تمتلك من الموارد المالية ما كان يمكن أن يكفي تدفقه لتغطية تكلفات الانتفاضة. إضافة إلى ذلك، كان بمقدور إسرائيل الحصول على ضمانات لقروض تكفي لتغطية مقادير العجز في الميزانية. وبدل ذلك، عكست التقليصات أجندة نيو- لبرالية حصلت على دعم وتأييد الكثير من النخب الإسرائيلية التي تتموقع داخل الحزبين السياسيين الكبيرين وبعض الأحزاب الصغيرة التي تمثل الطبقات الوسطى. بهذا المفهوم، يمكن النظر إلى الانتفاضة على أنها شكلت فرصة لتطبيق خطة طال انتظارها، للتقليل من حجم المصاريف الحكومية، ولتقليص الميزانية، ولخفض الضرائب، ولخصخصة الشركات الحكومية، ولخفض كلفة العمال، ولتحرير رؤوس الأموال من أجل الاستثمار والتوسع، ورافق كل هذا فكرة مفادها أن ثمار النمو الاقتصادي تتساقط على فئات الشعب كافة.

وكان للتقليصات في الميزانية تأثير في المجالات التالية:

تراجع في الخدمات الاجتماعية، إذ تلقت بعض أهم الخدمات الاجتماعية في إسرائيل ضربةً قاضية نتيجة التقليصات في الميزانية.

· فقدَ جهاز الصحة العام الكثير من مصادر التمويل، إذ بدأ العلاج الطبي يعتمد أكثر فأكثر على المدفوعات الشخصية، مما خلق خطًا فاصلاً بين من يملكون ومن لا يملكون، وتآكلاً في دعم جهاز الصحة الجماهيرية بعامة، وبخاصة في صفوف الفقراء.

· جرى تقليص حاد في تمويل ساعات التدريس في التعليم الابتدائي والثانوي، وكان لذلك تأثير وخيم على بلدات وأحياء الطبقة العاملة اليهودية والعربية.

· عانى التعليم العالي من ثلاثة تقليصات في الميزانية، مما أدى إلى تقليل حجم الميزانيات المعدة للبحث والتجهيزات (كالمختبرات وسواها).

· قُلصت الميزانيات المعدة للأبحاث والتطوير بشكل حاد، مما أثّر على البرامج الحكومية المخصصة لدعم صناعات التكنولوجيا الرفيعة الناشئة.

· قُلصت معونات الإسكان بشكل حاد، مما زاد من صعوبة امتلاك البيوت.

· قُلص الدعم الحكومي للميزانيات البلدية، مما أضر – بشكل خاص – بالبلديات التي لا تتمتع بقاعدة ضريبية متينة (كالبلدات العربية ومدن التطوير اليهودية).

إضعاف شبكة الضمان الاجتماعي: تمتلك إسرائيل شبكة ضمان اجتماعية جيدة، أوسع من تلك المتوافرة في الولايات المتحدة، وتشابه تلك التي في دول أوروبا الغربية. وتتضمن برامج هذه الشبكة مخصصات التقاعد والعجز العام وتأمين الدخل، ومخصصات الأولاد، وإجازات الولادة المدفوعة، وإصابات العمل وحوادث الطرق والبطالة. نقطة الضعف الأساسية تجسدت في مستوى المخصصات المتدني مقارنة بتلك التي تقدمها شبكات الضمان في دول أوروبا الغربية.

أدت التقليصات في الميزانية إلى إضعاف برامج شبكة الضمان بطريقتين:
◾قُلصت جميع المخصصات بمبالغ متفاوتة. فعلى سبيل المثال، قُلص ضمان الدخل بمعدل 30% مما أدى إلى تعرض الإسرائيليين الذين تشكل شبكة الضمان جزءًا أساسيًا من دخلهم لتدن كبير في الدخل.
◾جُمّدت جميع المخصصات المربوطة بمعدل الدخل حتى العام 2006؛ وابتداءً من ذلك العام، سيجري ربط جميع المخصصات بمؤشر غلاء المعيشة بدل معدل الدخل. تاريخيًا، ارتفع معدل الدخل أكثر من مؤشر غلاء المعيشة؛ لذا فبطبيعة الحال ستعاني المخصصات من عملية تآكل. وحسب مؤسسة التأمين الوطني ستهبط مخصصات الشيخوخة الأساسية: من 16% من معدل الدخل، إلى 11% من معدل الدخل في العام 2020.

تحول جذري في برنامج صناديق التقاعد: كانت الهستدروت (نقابة العمال في إسرائيل) تدير حصة الأسد من صناديق التقاعد التي كانت تمول بواسطة سندات حكومية معدة لهذا بفائدة معقولة. وكانت الحكومة تبحث عن السبل التي تمكنها من التراجع عن التزامها بالمحافظة على مستويات ثابتة لرواتب التقاعد، وتحويل صناديق التقاعد إلى سوق الأسهم. وادعت الحكومة أن رواتب التقاعد الهستدروتية تعاني، لسنوات طويلة، من العجز الإحصائي، لكن الكثير من الاختصاصيين دحضوا هذا الموقف جملة وتفصيلاً. في العام 2003، وتحت غطاء ضرورة اتخاذ إجراءات طارئة بسبب الانتفاضة، نفذت الحكومة هذه الخطوة، فقامت بتأميم بعض صناديق التقاعد الهستدروتية، وقامت بعدها ببيعها لشركات تأمين تجارية. ومن ثم قامت بمضاعفة تكلفات إدارتها بهدف رفع جاذبيتها بالنسبة للمشترين، وفي نهاية المطاف تم تخفيض نسبة الفائدة على السندات التي تقتنيها صناديق التقاعد. قصارى القول إن العمال المتقاعدين يتلقون الآن راتبًا منخفضًا، ولا يعلم المتقاعدون المستقبليون أي نوع من رواتب التقاعد سيكون بانتظارهم.

العواقب الاجتماعية

كان تزايد الفقر النتيجة الأكثر بروزًا للركود الاقتصادي الذي سببته الانتفاضة والسياسة التمويلية التي فرضتها الحكومة الإسرائيلية. وشهدت نسبة الإسرائيليين الذين يقبعون تحت خط الفقر – ويعرّف على أنه 50% من متوسط الأجر – ارتفاعًا من 17.6% في العام 2000 إلى 19.2% وشهد الفقر كذلك تعمقًا شديدًا؛ ففي العام 2000، حصل الفقراء في إسرائيل على دخل بلغ معدله 25.6% تحت خط الفقر؛ في العام 2003 وصل هذا الرقم إلى 30.3%. وكانت أكثر النتائج وضوحًا بداية انتشار مطابخ الفقراء وثقافة الهبات، التي لم تكن معروفة في إسرائيل خارج المجتمعات اليهودية المتدينة.

ملاحظات إجمالية

أصبح الاحتلال المتواصل للأراضي الفلسطينية عبئًا ثقيلاً على المجتمع الإسرائيلي. وغدت إسرائيل تدفع ثمن الغطرسة التي أغرت قادتها بالتفكير في إمكانية السيطرة على الأراضي من خلال تجاهل طموحات الشعب الفلسطيني الجماعية.

ضربت الانتفاضة الثانية إسرائيل في العمق، ونتج عن ذلك توقف في النمو الاقتصادي وتدن في مستوى المعيشة، وإضعاف الخدمات الاجتماعية وتآكل شبكة الضمان الاجتماعي واتساع وتعميق رقعة الفقر.

تخرج إسرائيل من الانتفاضة الحالية أكثر انقسامًا وأقل تماسكًا، وخسرت رؤياها المؤسسة لمجتمع يطمح إلى جذب المجموعات البائسة نحو المركز. ولم يعد مؤكدًا أن الجيل القادم سيتمتع بنفس مستوى التربية والتعليم الذي يحصل عليه الجيل الحالي. ويجد الكثير من الإسرائيليين أنفسهم متعلقين أكثر فأكثر بالأعمال الخيرية المجتمعية.

ومن نافل القول إن مصير الفلسطينيين أسوأ من ذلك بكثير.

بنظرة إلى الوراء، من الواضح أن السياسة الإسرائيلية التي اعتمدت عدم تطوير المناطق الفلسطينية شكلت هزيمة للذات. وكان من الممكن أن يكون وضع إسرائيل أفضل بكثير مما هو عليه الآن لو قامت بتشجيع التطوير المحلي.

إن فك الارتباط، وإن أدى إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة تمامًا، لن يشكل نهاية المطاف. فبينما يعوّل الكثير من الساسة الإسرائيليين على الفصل التام متمثلاً بالجدار، من الواضح أن إسرائيل هي الأكثر ثراء والأكثر قوة في المثلث الأردني – الفلسطيني – الإسرائيلي، وستبقى بدورها تتحمل مسؤولية كبيرة عن الرفاهية الاقتصادية للفلسطينيين. لذا، تحمل الغطرسة التي تولدت ابتداءً من الانتصار العسكري في العام 1967 ثمنًا باهظًا طويل الأمد. وإذا كانت إسرائيل ترغب في سلام دائم وثابت فعليها الشروع بعملٍ ما أحجمت عن القيام به حتى الآن: أن تساعد الفلسطينيين على خلق اقتصاد قابل للحياة.

(*) د. شلومو سبيرسكي باحث اجتماعي من رؤساء مركز "أدفا"- معلومات حول المساواة والعدالة الاجتماعية في إسرائيل. وهذا المقال يشكل تلخيصًا لكتاب جديد صدر باللغة العبرية للمؤلف بعنوان "ثمن الغطرسة، حول كلفة الاحتلال للمجتمع الإسرائيلي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات