المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كشفت المواجهات العنيفة التي وقعت بين الشرطة الإسرائيلية والمواطنين العرب في قرية البقيعة في الجليل الأعلى عن محاولات لجمعيات استيطانية يهودية يمينية متطرفة لتهويد القرية العربية الأمر الذي يؤجج المشاعر في القرية ويهدد باندلاع مواجهات أعنف من السابقة.

وذكرت صحيفة "هآرتس"، في تقرير نشرته يوم الخميس 15/11/2007، أن هذه الجمعيات اليهودية المتطرفة تعمل على شراء بيوت من أصحابها العرب بأسعار باهظة وأعلى بكثير من قيمة البيوت وتعلن أن غايتها هي تهويد القرية.

وتقع غالبية البيوت التي اشترتها هذه الجمعيات في وسط القرية وتحيط بكنيس يهودي تم بناؤه في القرن التاسع عشر.

ولفتت "هآرتس" إلى أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن نشاط استيطاني شبيه بالنشاط الذي تمارسه المنظمات اليهودية المتطرفة في البلدتين القديمتين في الخليل والقدس من خلال شراء البيوت بأسعار عالية جدا ومن ثم إسكان عائلات يهودية فيها.

الجدير بالذكر أنه كان معروفًا حتى الآن أن البقيعة تسكنها أغلبية درزية وأقلية مسيحية وعدة عائلات يهودية ولم تكن القيادة الدرزية في القرية تعلم بوجود ونشاط الجمعيات الاستيطانية قبل الأحداث الأخيرة في الشهر الماضي.

وتعمل جمعية "تراث الجليل الأعلى" اليهودية الاستيطانية على شراء البيوت في البقيعة بثمن يضاهي خمسة أضعاف القيمة الحقيقية للبيوت، وأحد نشطاء هذه الجمعية هو حاخام يدعى أفيف زيغلمان ويسكن في مستوطنة قريبة من نابلس في الضفة الغربية المحتلة وهو مقرب من القيادي اليميني المتطرف في حزب الليكود موشيه فايغلين.

وتعمل في الموضوع جمعية أخرى هي "البقيعة للأبد". وقالت "هآرتس" إن هذه الجمعية تعمل على "تقوية الروابط اليهودية مع البقيعة".

ونقلت الصحيفة عن أحد المسؤولين في هذه الجمعية، ويدعى شمعون فرويليخ، وهو مستوطن من مستوطنة "كدوميم" في الضفة ونقل نشاطه الاستيطاني إلى البقيعة، قوله إنه "لو كان لدي عدد كاف من البيوت لتمكنت من إحضار ألف يهودي فورا فهناك ضغط كبير للقدوم إلى البقيعة".

وبحسب تقرير "هآرتس" فإن معظم سكان البقيعة الذين يبيعون البيوت للجمعيات اليهودية الاستيطانية هم من أبناء الطائفة المسيحية الأمر الذي يصعد الأجواء المتوترة أصلا في القرية.

وفي أعقاب الصفقة الأخيرة التي تم فيها بيع بيت في البقيعة للمستوطنين قبل شهرين تم تشكيل لجنة مسيحية في البقيعة وراح أعضاؤها يتنقلون بين البيوت في محاولة لإقناع أصحابها بعدم بيع بيوتهم، وبعد هذه الحملة اتضح للجنة أن جمعيات يهودية متطرفة تقف وراء حملة استيطانية في البقيعة.

من جانبه قال رئيس المجلس المحلي في البقيعة محمد خير إنه "لا توجد لدينا قوة اقتصادية لمواجهة الظاهرة، فهذه الجمعيات مستعدة لدفع ضعفي الثمن أو حتى أكثر لشراء بيت قديم... ليس هذا موقفا معاديا لليهود، إذ تعيش هنا عائلات يهودية جاءت للسكن بشكل مستقل وأصبحت جزءا من القرية، لكن في المقابل هناك عناصر من اليمين المتطرف تجعلنا نشعر بأنها قدمت للسيطرة على القرية باسم الرابط التاريخي معها".

وأردف خير أنه "إذا كان الأمر كذلك فليعيدوا لنا القرى الدرزية التي اختفت مع مرور السنين".

ويوضح تقرير "هآرتس" أيضًا أن عملية الاستيطان اليهودية في البقيعة لم تبدأ بهذه الجمعيات الاستيطانية، فقد اشترت الوكالة اليهودية و"كيرن كييمت ليسرائيل" (الصندوق الدائم لإسرائيل) 12 بيتا في القرية قبل بضع سنوات بهدف توسيع الاستيطان اليهودي فيها.

وقال رئيس المجلس المحلي السابق في البقيعة صالح خير إنه نجح في حينه بمنع شراء الوكالة اليهودية لبيت يقع فوق الخلوة، أي مكان الصلاة عند الدروز، وأوضح للمسؤولين الإسرائيليين أن شراء هذا البيت حصرا سيعتبر استفزازا.

وأضاف صالح خير أن الوكالة اليهودية و"كيرن كييمت" لم تنفذا مخططتهما لأنه لم يتم إسكان البيوت التي تم شراؤها "وبحسب معلوماتنا فإن هذه البيوت بقيت خالية حتى بعد أن طلب الدروز السكن فيها بسبب خدمتهم في الجيش الإسرائيلي".

وتابع صالح خير أنه "عندما تم شراء بيوت في الأشهر الماضية اعتقدنا أن الوكالة (اليهودية) والكيرن كييمت تقومان بشرائها ولم نعلم بوجود خطة من نوع آخر" تنفذها الجمعيات الاستيطانية.

وأشارت "هآرتس" إلى الأجواء السياسية في البقيعة حيث يحظى حزبا الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتجمع الوطني الديمقراطي، وهما الحزبان العربيان الأبرز في الساحة السياسية العربية في إسرائيل، بعدد كبير من الأصوات في الانتخابات العامة ومن الجهة الأخرى هناك حركة شبيبة درزية تنشط في القرية بالتعاون مع حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف الذي يتزعمه وزير الشؤون الإستراتيجية أفيغدور ليبرمان.

والآن تحولت هذه "التعددية" السياسية إلى مشاعر بأن القرية "منكوبة" وتستصعب النهوض من آثار ليلة المواجهات مع الشرطة التي داهمت القرية بقوات كبيرة لتنفيذ حملة اعتقالات بسبب حرق هوائي تابع لشركة هواتف خليوية.

وشبه فرويليخ سكان البقيعة العرب بالنازيين وزعم أنه "منذ ليلة البلور لم يكون هجوم كهذا على اليهود"، في إشارة إلى "ليلة البلور" التي هاجمت فيها جموع من الألمان أملاك اليهود في فترة الحكم النازي لألمانيا وأحرقت كنسا وأملاكا لليهود.

من جانبه قال إميل سويد من سكان البقيعة إنه رأى قبل فترة كتابة على جدار في القدس جاء فيها "يجب تحرير البقيعة".

يذكر أن هذا الكشف يرتبط أيضًا بواقع الفشل الذي منيت به المخططات الحكومية الإسرائيلية المختلفة الرامية إلى تهويد الجليل والنقب الغربي [اقرأ تقريرًا مفصلاً عن ذلك في مكان آخر].

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات