المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

احتلت الأزمة الأخيرة الناشبة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، أريئيل شارون، وبين وزير ماليته، بنيامين نتنياهو، العناوين الرئيسية في الصحف الإسرائيلية الثلاث، التي توقعت أن لا تصل الأزمة إلى حدّ إقالة وزير المالية وإن أجمعت على أن الخلاف بين الاثنين ستتأتى عنه في غضون الفترة القليلة المقبلة أزمات أخرى قد تكون أشدّ وأدهى.

وقد تساءل معلق الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، عن الدوافع الواقفة خلف اختيار شارون توجيه تهديدات إلى نتنياهو بإقالته إذا غاب عن جلسة التصويت على قانون تأجيل خطة الانفصال في الكنيست، في وقت يمكن أن تؤدي فيه هذه الإقالة على خلفية أيديولوجية إلى زلزال عنيف في "الليكود" وربما إلى تغيير ميزان القوى داخل هذا الحزب، لناحية زيادة عدد "المتمردين". كما أشار فيرتر إلى أن خطوة كهذه يمكن أن تؤثر أيضاً على البورصة والأوضاع الاقتصادية باعتبار نتنياهو وزير المالية.

وفي رأي فيرتر فإنه إذا كانت هذه الأزمة ناجمة عن تفكير وتخطيط معمق وأساسي فإن الخلاصة المطلوب الوصول إليها هي أن شارون يسعى إلى شق "الليكود" وإقامة إطار سياسي جديد.

من ناحية أخرى كتب معلق الشؤون السياسية في صحيفة "يديعوت أحرونوت" شمعون شيفر، المقرب من أوساط شارون، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لن يقيل وزير ماليته، خلافاً للتهديدات التي صدرت عن مقربيه، وذلك لأنه يفضل التركز في المعركة الرئيسية وهي تطبيق خطة الانفصال وعدم إهدار طاقات على صراع سياسي. لكن شيفر نقل عن مصادر قريبة من شارون قولها إن ساعة الانتقام من أفعال نتنياهو ستأتي في وقت لاحق.

وفي انتقاله إلى تحليل الخلاف بين شارون ونتنياهو، يرى شيفر أن الأول ينتهج طريقاً ثالثة بغية الوصول إلى تسوية مع الفلسطينيين، وذلك منذ أن بدأ هذا المسار في 1993. وطريق شارون تختلف عن الطريق الأولى وهي طريق الاتصالات مع القيادة الفلسطينية. كما تختلف عن الطريق الثانية التي مثلها نتنياهو والقائمة على أساس التبادلية. وتنص الطريق الثالثة الخاصة بشارون على قيام إسرائيل بإخلاء مستوطنات بصورة أحادية الجانب دون اتفاق مع الفلسطينيين ودون مقابل منهم. ويعتقد شارون أن المقابل سيأتي على مرّ الأيام ويتمثل في الدعم الأميركي لبقاء الكتل الاستيطانية ضمن السيادة الإسرائيلية وفي معارضة الولايات المتحدة لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى تخوم إسرائيل.

ويوضح شيفر أن نتنياهو يرفض هذه التقديرات في اللقاءات المغلقة ويؤكد أنها مجرّد أضغاث أحلام، إذ لا توجد لشارون أية وعود من طرف الأميركيين. وبالتالي فإن شارون يعطي دون مقابل ويعرّض إسرائيل لخطر أمني شديد في المستقبل. وإن سابقة إخلاء مستوطنات وتفكيكها ستجعل إسرائيل في وضع أكثر صعوبة في المفاوضات. أما شارون- يضيف شيفر- فإنه مقتنع أنه في حالة عودة نتنياهو إلى رئاسة الحكومة فإنه لن يفلح في الصمود أمام الضغوط الدولية التي ستنهال عليه وسيهرب من غالبية المناطق الفلسطينية.

في صحيفة "معاريف" قال معلق الشؤون السياسية، بن كسبيت، إن شارون واع إلى أن إقالة نتنياهو تشكل مغامرة زائدة، وأن من الأفضل الحفاظ على الهدوء وعلى سلامة الحكومة حتى تطبيق الانفصال. ويلفت كسبيت إلى انه حتى لو مرّت هذه الأزمة بهدوء فإن الأسابيع الستة المتبقية حتى موعد تطبيق الانفصال ستكون حافلة بأزمات مماثلة، بل ربما بأشد وأدهى، بين الاثنين على خلفية أن إخلاء كل مجموعة من المستوطنات يتطلب تصويتاً خاصاً في الكنيست وهو ما يشكل مصدر إزعاج لقيادة الجيش الإسرائيلي أيضًا.

وكانت أوساط مقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي، اريئيل شارون، قدرّت منذ يوم الجمعة احتمال قيامه بفصل وزير المالية، بنيامين نتنياهو، اذا ما تغيب عن التصويت الذي سيجريه الكنيست، الأربعاء المقبل، حول مشروع قانون يدعو إلى تأجيل تنفيذ خطة الانفصال حتى شهر شباط/ فبراير المقبل.

والاقتراح الذي قدمه عضو الكنيست اليميني يتسحاق ليفي (المفدال)، يعد واحدا من سلسلة اقتراحات ومشاريع قوانين ينتظر أن يناقشها الكنيست ولجنة الدستور والقانون والحكومة، خلال الأسابيع المقبلة في محاولة جديدة من قبل المتمردين على شارون داخل حزبه (الليكود) وأحزاب اليمين المتطرف المساندة للمستوطنين، منع تنفيذ خطة الانفصال المقررة لمنتصف آب المقبل.

ومن المقرر أن تناقش لجنة القانون والدستور البرلمانية، اليوم الأحد، مشروع اقتراح جديد قدمه ثلاثة من نواب الليكود المعارضين للانفصال، وهم عوزي لنداو وأيوب قرّا وإيهود ياتوم. ويطالب هؤلاء بتأجيل تنفيذ الخطة لنصف سنة.

وكان شارون قد أمر جميع وزراء الحكومة بالامتناع عن السفر إلى الخارج، خلال الأسبوع المقبل، والالتزام بالتصويت إلى جانب الحكومة، لكن نتنياهو ينوي خرق هذا الأمر والسفر إلى أوغندا.

ووفق "معاريف" فان مركز حزب الليكود الذي يعارض بغالبيته خطة الانفصال، ينوي "تصفية الحساب" مع وزراء الليكود الذين سيصوتون إلى جانب موقف الحكومة، خاصة الوزراء المتذبذبين نتنياهو وسيلفان شالوم وليمور لفنات، الذين يدلون بتصريحات شديدة اللهجة ضد الانفصال، لكنهم يعودون ويصوتون إلى جانب الحكومة في كل ما يتعلق بالخطة، حفاظا على كراسيهم الوزارية.

ويعتقد مقربون من شارون أن نتنياهو الذي بدأ، عملياً، معركة المنافسة على قيادة الليكود أمام شارون، قد يستغل فرصة التصويت على مشروع القانون، يوم الأربعاء، لتوجيه رسالة إلى مركز الحزب، تقربه منه.

ويقول المقربون من شارون إن القانون شديد الوضوح ولا حاجة إلى مزيد من التفسيرات. وبرأيهم إذا ما تغيب نتنياهو عن التصويت يجب التعامل معه كما تم التعامل مع وزراء آخرين صوتوا ضد موقف الحكومة. وفي هذا إشارة إلى فصل عوزي لنداو وايفي ايتام وبيني ايلون على خلفية موقفهم من خطة الانفصال، ووزراء شينوي على خلفية تصويتهم ضد الميزانية.

لكن الجهات المقربة من نتنياهو ترفض هذا التوجه وتذكّر رجال شارون بما فعله شارون لنتنياهو في يناير 97، عندما كان نتنياهو رئيسا للحكومة وشارون وزيراً للبنى التحتية. فقد صوت شارون في حينه ضد موقف نتنياهو في جلسة الحكومة ومن ثم تغيّب عن جلسة الكنيست التي ناقشت القرار الحكومي. ومع ذلك، يقول رجال نتنياهو، بقي شارون في حينه وزيرا في الحكومة حتى يومها الأخير. وبرأي رجال نتنياهو هذا هو ما يجب أن يتم في الخلاف الحالي بين الاثنين حول خطة الانفصال. وبرأي جماعة نتنياهو فإن المقصود في التصويت على خطة الانفصال مسألة ضميرية، وأن "نتنياهو لن يستسلم لشارون وتهديدات رجالاته"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات