المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
فتاة تحمل بطانيات على رأسها تسير مع آخرين نازحين من بيت حانون شمال قطاع غزة، لدى وصولهم مع أمتعتهم إلى مدينة غزة في 18 آذار الماضي. (مجلة "المجلة")
  • تقارير، وثائق، تغطيات خاصة
  • 166
  • ياسر مناع

شكّلت حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة العام 2023 معضلة استراتيجية لإسرائيل، أعادت مستقبل القطاع إلى واجهة النقاش السياسي والأمني فيها من جديد. ومع ذلك، لا تزال مسألة "اليوم التالي لغزة" بدون إجابة حاسمة، في ظل تعقيدات ميدانية وسياسية عميقة.

 تسعى هذه المساهمة إلى استعراض ورقة سياسات صادرة عن "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي"  (INSS)، أعدّها عوفر جوترمان، تحت عنوان "البدائل الاستراتيجية في قطاع غزة". تكتسب هذه الورقة أهميتها من كونها تعكس التصورات في أوساط النخبة الأمنية الإسرائيلية بشأن مستقبل غزة، في ظل حرب الإبادة وأفرازاتها بعد هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

تنطلق الورقة من فرضية مؤداها أن استعادة الأسرى الإسرائيليين من غزة أولوية لدى صناع القرار في إسرائيل على حساب هدف إسقاط حكم حماس. كذلك، تقترح الورقة أربعة بدائل للتعامل مع سيناريو "ما بعد حماس". فيما تسلط الضوء على أزمة انعدام رؤية استراتيجية داخل إسرائيل، تتمثل بعدم وجود تصور واقعي أو إجماع داخلي حول طبيعة العلاقة المستقبلية مع القطاع. وتوصي بتبنّي "استراتيجية ثنائية الرأس" تقوم على مزج العمل العسكري مع مبادرة سياسية تدريجية لبناء بديل سلطوي وفكري لحماس، بدعم عربي ودولي.

الحرب والمؤثر الأميركي الجديد

تفتتح الورقة بعرض للأهداف الثلاثة التي نصبتها إسرائيل لنفسها في الحرب على غزة 2023، وهي: إسقاط حكم حركة حماس، وتفكيك بنية الحركة العسكرية، واستعادة الأسرى الإسرائيليين. مع ذلك، تُقرّ الورقة بأن احتلال القطاع يُعدّ خياراً مرتفع الكلفة بالنسبة لإسرائيل، كما لا يشكل ضمانة حقيقية للقضاء على حركة حماس. بل إن هذا السيناريو قد يُفضي إلى نتائج مناقضة، فمن الممكن أن يعزز موقع حماس في الحكم، ويرسخ سردية النصر في الوعي الفلسطيني، إذ يُنظر إلى صمود المقاومة  كعامل جوهري في تكريس ثقافة المقاومة، وهذا يمثل معضلة استراتيجية عميقة بالنسبة لإسرائيل، ينعكس سلباً على قدرة إسرائيل على إعادة سكان المستوطنات الجنوبية إلى غلاف غزة، وكذلك يؤثر على جهود إعادة إعمار القطاع.

في سياق موازٍ، تُبرز الورقة أثر المتغير الأميركي على التوجهات الإسرائيلية، لا سيما بعد عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، فأنماط السياسة الخارجية الأميركية – كما تعرض الورقة - تتسلل إلى إدارة الأزمة في غزة؛ بحيث يضيق مجال المناورة السياسية لإسرائيل في هذه المسالة، كما تزداد التبعية للإملاءات الأميركية. إذ أن الإدارة الأميركية تسعى إلى إنهاء الحرب، والإنتقال إلى ترويج رؤية إقليمية تقوم على التنمية والسلام الاقتصادي؛ وذلك يخدم تنافسها أمام الصين.

ثمة محاولة لاستقراء التصور الفلسطيني للأفق السياسي الناجم في ضوء هذه الرؤية للسلام والتنمية أيضاً، حيث ينظر إليه كأفق يتضمن استقلالا وسيادة محدودة، في المقابل، تحتفظ إسرائيل بحرية العمل في القطاع عبر دمج الوسائل العسكرية والاقتصادية والقانونية والسياسية، بهدف وأد أي تهديد محتمل وإفشاله.

وتتناول الورقة أيضاً موقف الدول العربية الموحد أمام فكرة "الهجرة الطوعية"، التي تعمل على الترويج لرؤية بديلة تستند إلى استقرار القطاع من خلال إدارة فلسطينية تكنوقراطية و بلورة مشروع إعادة إعمار مدني لا يتطلب بالضرورة تهجير السكان. في موازاة ذلك، تتمسك السعودية بموقفها بـشأن "تمهيد الطريق لإقامة دولة فلسطينية" كشرط للتطبيع مع إسرائيل.

إلى جانب ذلك، تُبرز الورقة الأثر العميق لأحداث السابع من أكتوبر على الوعي الجمعي الإسرائيلي، حيث أسهمت تلك الصدمة في إعادة تشكيل المزاج العام، ما قد يترك انعكاسات طويلة الأمد على السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، لا سيما في ما يتعلق بمستقبل العلاقة مع قطاع غزة.

بناءً على ما سبق، تظلّ النوايا الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية الحالية إزاء قطاع غزة على المدى القريب والبعيد غير واضحة. فقد تبنّى بنيامين نتنياهو خطة تهجير السكان التي طرحها الرئيس ترامب كسياسة رسمية جديدة لإسرائيل، إلا أنه يواصل الإصرار على التطبيع مع السعودية.

استمرار سيطرة حماس رغم الواقع المدمر

ترى الورقة أن حماس لا زالت قادرة على الاحتفاظ بالحكم في غزة، رغم الخسائر التي منيت بها جراء الحرب. فقد تعرضت بنيتها العسكرية لأضرار جسيمة. إلا أن ذلك لم يؤدّ إلى شلّ القدرات البرية والصاروخية لحماس بشكلٍ كلي، إذ ما زالت تمتلك القدرة على تنفيذ هجمات بأسلوب حرب العصابات.

مضافاً إلى ذلك، تحتفظ حماس بشبكة من الأنفاق الفعالة، تقدرها إسرائيل بمئات الكيلومترات، مما يمكنّها من إعادة التموضع وتخزين الأسلحة. وأن حماس استغلت وقف إطلاق النار الذي دخل حيّز التنفيذ في مطلع العام 2025 لإعادة تنظيم صفوفها وترميم بنيتها الميدانية، من وجهة نظر الورقة.

على المستوى المدني، تشير الورقة إلى أن قدرة حماس على تفعيل مؤسسات الحكم المحلي قدر تراجعت؛ بفعل تدمير البنية التحتية الإدارية؛ رغم ذلك ما زالت تحتفظ بسلطة فعلية على الأرض، كما أنها تدير النظام العام بواسطة أدواتها الأمنية، فيما تحاول إعادة الحياة إلى المدارس والشرطة المدنية، وهذا يعزز حضورها اليومي في حياة السكان.

تتطرق الورقة إلى حجم الدمار في قطاع غزة بالاستناد إلى معطيات المؤسسات الدولية، والتي تفيد بتدمير نحو 70% من الوحدات السكنية حتى نهاية العام 2024، كما شهدت منظومات البنية التحتية انهياراً شمل شبكات الكهرباء، والماء، والصرف الصحي. بينما يعاني القطاع الصحي من انهيار شامل، وسط تزايد خطر الأوبئة ونقص في الإمدادات الطبية. أما على الصعيد الصناعي والإقتصادي فقد توقفت قرابة 90% من الأنشطة الصناعية، وبلغت معدلات البطالة أكثر من 80%، في حين باتت الغالبية العظمى من السكان تعتمد على المساعدات الإنسانية كمصدر رئيس للعيش.

استناداً إلى ذلك، فإن استمرار الحياة المدنية في قطاع غزة يغدو أمراً شبه مستحيلاً في غياب خطة إعادة إعمار شاملة، تتطلب موارد تمويلية ضخمة واستثمارات طويلة الأمد. غير أن تحقيق ذلك يبقى مرهوناً بحلول سياسية واضحة، وبحسم مسألة الهوية المستقبلية للسلطة الحاكمة في القطاع.

تحديد المصالح الإسرائيلية

تفترض الورقة أن محاولة تحديد المصالح الإسرائيلية في قطاع غزة في المرحلة الراهنة مسألة معقدة، وذلك لسببين مترابطين: الأول، صعوبة فصل تعريف المصالح عن الحيز الإدراكي في الخطاب العام بشأن البدائل المستقبلية المطروحة، بدايةً من إقامة دولة فلسطينية، مروراً بإدارة دولية، ووصولاً إلى الهجرة الجماعية. هذا التحديد للمصالح لا ينطلق من رؤية قيمية واضحة، بل من مقاربة وظيفية–ذرائعية تهدف إلى تحسين تموضع إسرائيل الاستراتيجي بأقل كُلف ممكنة، ويُراعي كذلك التغيرات في المزاج الشعبي الإسرائيلي، خاصة في أعقاب صدمة 7 أكتوبر.

  أما السبب الثاني فيتجلى في غياب إجماع سياسي داخلي حول جوهر المصالح الوطنية، في ضوء الانقسام في المجتمع والسياسة الإسرائيليين، حول ماهية المصالح ذاتها، أو بشأن ما يُعد مقبولاً أو مرفوضاً من ناحية المسموح والممنوع في إطار البدائل التي قد تحقق تلك المصالح.

في هذا السياق، تقترح الورقة أن يتم تعريف المصالح الإسرائيلية الأساسية في قطاع غزة على النحو التالي:

أولاً، استعادة الأسرى من قطاع غزة؛

ثانياً، تدمير حركة حماس في قطاع غزة، أو على الأقل تحويلها إلى جهة هامشية من حيث التأثير العسكري والسياسي، ومنع دمجها في آليات الحكم في القطاع؛

ثالثاً، الحفاظ على الاستقرار وتعزيزه لصالح إسرائيل، مع التركيز على سكان غلاف غزة، وإزالة التهديدات الأمنية الصادرة عن القطاع سواء من حماس أو أي جهة أخرى؛

رابعاً، تحقيق استقرار مدني ومنع الانهيار الإنساني في القطاع، كأساس لتقليص التهديدات الأمنية والأزمات الإنسانية التي قد تنعكس على إسرائيل؛

خامساً، تحجيم الموارد العسكرية المُستثمرة في قطاع غزة، بما يتيح تخصيص الموارد لجبهات أخرى، لا  سيما إيران والجبهة الشمالية؛

سادساً، تقليص الموارد الاقتصادية التي تُستثمر في القطاع، وتقاسم عبء الاستقرار وإعادة الإعمار مع جهات أخرى، خصوصاً في ظل التكاليف الباهظة للحرب، والتكاليف الكبيرة لإعادة إعمار القطاع؛

سابعاً، تقليص مسؤولية إسرائيل عن قطاع غزة وتقليل اعتماد القطاع على إسرائيل؛

ثامناً، منع التداعيات السياسية والقانونية السلبية على دولة إسرائيل، على خلفية سياساتها وإجراءاتها في القطاع، مثل الدعاوى القضائية أمام المحاكم الدولية؛

تاسعاً، الحفاظ على الاتفاقيات القائمة مع الدول العربية، وتحجيم القضية الفلسطينية – بما في ذلك مشكلة قطاع غزة – كعائق أمام التوصل إلى اتفاق تطبيع مع المملكة العربية السعودية، والدفع نحو تحالف أمني– اقتصادي إقليمي مع الدول العربية المعتدلة؛

عاشراً، تقليص تأثير كل من إيران وقطر وتركيا في القطاع.

لكن ثمة معيقات ماثلة أمام القدرة على تحقيق هذه المصالح في ظل واقع متحول وسريع التغير يصعب ضبط إيقاعه. وتتمحور الإشكالية المركزية في صعوبة "مزامنة الساعات" المتعارضة: هناك ساعة الأسرى التي تُمارس ضغطاً دائماً، في مقابل الساعة العسكرية التي تفرض ضرورات مستمرة لتقويض حركة حماس، إلى جانب الساعة المدنية– السياسية التي تتطلب تهيئة بديل سياسي وإداري مستقر في قطاع غزة لما بعد حماس.

بمعنى آخر ثمة تناقض بين استعادة الأسرى من جهة، والضغط العسكري على حماس من جهة أخرى. أما المعضلة الثانية فتتعلق بتوقيت إعادة الإعمار، إذ هناك من يدعو إلى تأجيل الإعمار إلى حين ضمان إبعاد حماس عن سدة الحكم. تبرز معضلة ثالثة تتمثل في استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي المفتوح زمنياً، من دون استراتيجية واضحة لتحقيق الاستقرار، وهو ما قد يؤدي إلى نفور الأطراف الدولية من الاستثمار في القطاع.

كذلك هناك معضلة إضافية تتعلق بالتناقض القائم بين السعي إلى التمييز عن حركة حماس، وبين الدفع نحو إشراك السلطة الفلسطينية في ترتيبات "اليوم التالي". إذ من شأن إشراك السلطة أن يسهّل انخراط الدول العربية المعتدلة في جهود إعادة الإعمار، إلا أن غياب إصلاحات جوهرية داخل السلطة قد يجعل منها طرفاً غير فعّال. والمعضلة الأخيرة تتعلق بالدور القطري المزدوج، إذ تلعب قطر دوراً محورياً في الوساطة لاستعادة الأسرى، وتُعد فاعلاً رئيساً في تمويل الإعمار، لكنها في الوقت نفسه تمثل عنصراً مقلقاً بسبب دعمها السياسي والمالي لحماس، بحسب طرح الورقة.

"البدائل الاستراتيجية" الأربعة لقطاع غزة

تُقدّم هذه الورقة تصوراً لأربعة "بدائل استراتيجية" رئيسة بشأن مستقبل قطاع غزة، في ظل التحديات الأمنية والسياسية المتفاقمة بعد حرب 7 أكتوبر.

وتتمثّل هذه البدائل في النحو التالي:

أولاً: تشجيع التهجير الطوعي

تعتبر هذه الرؤية هي الأبرز في الطروحات الإسرائيلية - الأميركية، حيث تقوم على إفراغ القطاع من سكانه، وتحويله إلى منطقة استثمارية برعاية أميركية، بينما تتولى إسرائيل مسألة التهجير. ورغم الجدل حول ما إذا كانت هذه الرؤية تمثل سياسة فعلية أم مجرد أداة ضغط، إلا أن إشارات متعددة – من بينها تصريحات جاريد كوشنر - توحي بجديتها، والأهم من ذلك أن من بين الشروط الأساسية لتطبيق هذه الخطة التي تُقدّر كلفتها بنحو 500 مليار دولار اشتراط خضوع الراغبين في العودة إلى القطاع لإجراءات انتقائية صارمة؛ وبناءً على ذلك، يُتوقّع أن يرفض جزء من السكان مغادرة القطاع.

تُقرّ الورقة بأن احتمالية تنفيذ هذه الرؤية تبقى ضئيلة، بالنظر إلى التحديات اللوجستية المرتبطة بها، بالإضافة إلى الرفض من قبل الدول العربية، انطلاقاً من إدراكها لما قد تُشكّله هذه الخطة من تهديد مباشر لأمنها القومي. كما أنه لا توجد مؤشرات واضحة على استعداد أي دولة لتحمّل عبء استيعاب سكان غزة.

 إلى جانب ذلك، تُحذّر الورقة من التبعات القانونية والسياسية الخطيرة لهذه الخطة، إذ إن أي عملية تهجير، حتى لو جرت تحت غطاء "الطوعية"، ستُعدّ شكلاً من أشكال التطهير العرقي، ما قد يؤدي إلى فرض عزلة دولية على إسرائيل وتعريضها لعقوبات محتملة.

ثانياً: الاحتلال والإدارة العسكرية

يُشير هذا الطرح المرتبط بإعادة فرض الاحتلال المباشر والإدارة العسكرية على قطاع غزة، إلى سيناريو يتولى فيه الجيش الإسرائيلي السيطرة الكاملة على القطاع، بهدف تفكيك بنية حماس، ونزع سلاحها، ومنع نشوء بدائل راديكالية، من دون تحمّل مسؤولية السكان مباشرة. غير أن هذه المسؤولية، وفقاً لأحكام القانون الدولي، ستبقى ملقاة فعلياً على عاتق إسرائيل كقوة احتلال.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو قد يُفضي إلى تعزيز الاستقرار الأمني والاستخباراتي على المدى القصير، إلا أنه يتطلب كماً هائلاً من الموارد العسكرية والاقتصادية، ويُعرّض إسرائيل لمخاطر سياسية وقانونية، على رأسها تحميلها كامل تبعات الاحتلال، وتراجع فرص التطبيع مع العالم العربي، وتصاعد التوتر مع دول الجوار. كما أن الإبقاء على الاحتلال من شأنه أن يعيد إنتاج ديناميات المقاومة، ويُبقي حركة حماس فاعلاً كامناً تحت السطح.

تجدر الإشارة إلى أن ثمة مقترحات طُرحت لتقسيم قطاع غزة إلى إدارات محلية مدعومة دولياً، إلا أن غياب أفق سياسي حقيقي للفلسطينيين يُضعف فرص نجاح أي بديل طويل الأمد، ويجعل من خيار الاحتلال المستدام خياراً عالي الكلفة، ومحدود الجدوى.

ثالثاً: استمرار الوضع القائم

يُعتبر هذا الخيار ما يمكن وصفه بفشلٍ مركّب، إذ يُبقي على حماس كسلطة الأمر الواقع في القطاع، ويضع إسرائيل أمام واقع التعامل مع تهديد دائم من دون تقدم سياسي أو ضمان استقرار أمني. وتقرّ الورقة بأن هذا السيناريو قد يفرض نفسه نتيجة فشل الخيارات الأخرى المطروحة، أو بفعل ضغوط داخلية ودولية. بالتالي، يُبقي إسرائيل في حالة استنزاف.

رابعاً: إقامة حكم فلسطيني بديل

يتناول الخيار الرابع سيناريو تلتزم فيه إسرائيل بعدم تنفيذ احتلال أو عملية عسكرية شاملة في قطاع غزة، وتمتنع في الوقت ذاته عن الدفع بمبادرات سياسية حقيقية لإزاحة حماس، مكتفية بضبط المساعدات وتنفيذ ضربات محدودة. ورغم أنه خيار غير معلن رسمياً، إلا أنه يعكس دينامية واقعية ناتجة عن عجز أو تردد في اتخاذ قرارات استراتيجية.

هذا الواقع يُفضي إلى تعميق الانهيار المدني داخل غزة، ويُبقي حماس في موقع السيطرة، الأمر الذي يُسهم في تفاقم مؤشرات التفكك المجتمعي، وتنامي الجريمة، والتطرف الديني. سياسياً، قد يرسخ هذا المسار حكم حماس على المدى القصير، لكنه في المدى الأبعد يُنتج بيئة فوضوية تُمهّد لتهديدات أكثر تعقيداً. ورغم أن بعض التحليلات لا تستبعد إمكانية نشوء بدائل فلسطينية معتدلة في ظل هذا السياق، إلا أن الأرجحية تبقى لسيناريوهات سلبية تُضعف الأمن وتُفاقم من عزلة إسرائيل على المستويين الإقليمي والدولي.

التقدير الاستراتيجي العام

تلخّص هذه الورقة التقييم الاستراتيجي لخيارات إسرائيل بشأن مستقبل قطاع غزة، وتبيّن أن البدائل المطروحة، من الاحتلال الكامل إلى إقامة إدارة فلسطينية معتدلة، تبقى جميعها محاطة بإشكاليات ومخاطر عالية. ويُعد خيار "استمرار الوضع القائم" الاحتمال الأكثر واقعية، بالرغم من سلبياته، بينما تمثل "الهجرة الطوعية" مشروعاً مغرياً من حيث الهدف، ولكنه مستحيل التنفيذ سياسياً ولوجستياً.

 في المقابل، توصي الورقة بإتباع "استراتيجية ثنائية الرأس"، تتمثل بمزج الضغط العسكري المكثف على حماس، بهدف تفكيك قدراتها وتمهيد الأرضية لبناء بديل، جنباً إلى جنب مع مبادرة سياسية لتشكيل حكم فلسطيني معتدل مدعوم عربياً ودولياً، يُسهم في استقرار قطاع غزة وإعادة إعماره بصورة مدروسة، ويُربط في ذات الوقت بعملية تطبيع مع السعودية ضمن هندسة إقليمية جديدة.

تنبع أهمية هذه الاستراتيجية – بحسب الورقة - من قدرتها على تحقيق توازن دقيق بين الأمن والسياسة، بين الضرورات العملياتية والمصالح الدبلوماسية، بما يعزز مكانة إسرائيل الإقليمية والدولية، ويجنّبها الاستنزاف الاستراتيجي الناجم عن سيناريوهات الاحتلال الطويل أو الفوضى المستدامة.

المصطلحات المستخدمة:

دورا, بنيامين نتنياهو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات