المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 852

العملية العسكرية، التي نفذها مقاومون فلسطينيون ضد شبكة مواقع عسكرية إسرائيلية محصنة في "غوش قطيف" جنوب قطاع غزة الليلة الماضية وأسفرت حسب ناطق عسكري إسرائيلي عن مقتل جندي وجرح ستة آخرين، استحوذت على العناوين الرئيسية للصحف العبرية الصادرة اليوم (الاثنين) وعلى حيز واسع من إهتمامها وتعليقاتها.

 

صحيفة "هآرتس" كتبت في عنوانها الرئيس، الذي احتل كامل عرض صفحتها الأولى تقريباً :"إنهيار موقع عسكري في تفجير نفق حفره مخربون في غزة ... مقتل جندي وجرح خمسة آخرين أحدهم جروحه خطيرة".

أما "يديعوت أحرونوت" فخرجت في عنوان رئيسي جاء فيه: "نفق مفخخ تحت الموقع – قتيل وخمسة جرحى ... فخ الموت – ضربه من تحت".

وكتبت صحيفة "معاريف" في عنوانها الرئيسي:"مقتل محارب من جفعاتي في القطاع. نفق مفخخ".

وقد أجمعت عناوين وتعليقات هذه الصحف على وصف العملية العسكرية الفدائية بأنها "عملية نوعية جديدة"، تعكس، بكونها عملية معقدة للغاية، قدرة عالية لدى نشطاء المقاومة المسلحة على التخطيط البارع والدقيق والتنفيذ الجريء والمحكم والمتأني، الأمر الذي يجعل منها بكل المقاييس إنجازاً لافتاً وكبيراُ" للمقاومين الفلسطينيين و "ضربة موجعة" لجيش الإحتلال الإسرائيلي و"رموزه" في قطاع غزة.

وتحدثت هذه الصحف في التفاصيل عن أن العملية كانت "ضربة من تحت الأرض" حفر خلالها المقاومون نفقاً ضخماً بعمق 15 متراً وطول يصل إلى حوالي 300 متر تحت موقع الجيش الإسرائيلي مستخدمين كمية كبيرة من المتفجرات يقدر وزنها بمئات الكيلوغرامات، وبحسب هذه التفاصيل المعتمدة على تحقيقات أولية أجراها المسؤولون العسكريون الإسرائيليون في المنطقة، فقد أدت عملية التفجير للشحنة والتي تمت عن بعد بواسطة جهاز هاتف نقال، إلى تدمير كامل للموقع العسكري الإسرائيلي الإستراتيجي على مفترق الطرق الواصل بين شمال قطاع غزة وجنوبه.

وفي تعليق مطّول نشرته صحيفة "هآرتس" على صدر صفحتها الأولى تحت عنوان "ضربة لرمز التواجد الإسرائيلي" كتب المراسل والمعلق العسكري في الصحيفة عاموس هرئيل: "إذا كان ثمة شيء بات واضحاً تماماً في الحرب الطويلة التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين، فهو ضرورة إبداء الحذر وضبط النفس عند الحديث عن نجاحات عسكرية تنفيذية"، في إشارة إلى تفاخر رئيس الوزراء أريئيل شارون بما اعتبره في بيان صدر عنه أول من أمس "النجاح المدهش – للجيش الإسرائيلي – في مكافحة الإرهاب"، وذلك في أعقاب اغتيال قائد كتائب شهداء الأقصى في الضفة الغربية (نايف أبو شرخ) وستة من رفاقه في عملية نابلس مساء السبت الماضي.  وأردف هرئيل " ما من انتصارات كبرى في هذا الصراع ولا حتى حاسمة ... ففي أفضل الأحوال، يمكن لكل طرف في هذه المعركة أن يأمل فقط بتحقيق تفوق مؤقت، بالنقاط، إلى أن يكتشف الخصم نقاط ضعف لدى خصمه ليستغلها لصالحه".  واستطرد المعلق مشيراً إلى مسارعة الساسة الإسرائيليين أول من أمس للتفاخر بالإنجاز الذي حققه الجيش الإسرائيلي في "عملية نابلس" الأخيرة واستغلاله للتأكيد على "حكمة الطريق الذي انتهجوه في محاربة الإرهاب" ... ومضى المعلق:  "ولم تكد تمر سويعات قليلة – على تهنئة شارون للجيش الإسرائيلي بنجاحه المدهش في عملية نابلس – حتى جاء الرد الفلسطيني من غزة، من مفترق "غوش قطيف"، حيث نجح المقاومون الفلسطينيون هناك في تفجير ونسف موقع "أورحن" {الضوء الجميل ...} التابع للجيش الإسرائيلي". وتابع يقول: "لقد سجلت فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة لصالحها نجاحاً باهراً، ذلك لأن الموقع – مثل الدبابات والحواجز التي استطاع الفلسطينيون في السابق ضربها والطائرات المروحية التي ما انفكوا يحاولون إسقاطها – يشكل رمزاً من رموز الإحتلال".  "صحيح أن عدد المصابين في العملية قليل، تابع هرئيل، ولكن حجم الدمار الذي لحق بالموقع سيظهر جيداً في الصور التي ستنشر اليوم في وسائل الإعلام والتي يبدو أنها ستنجح في تشويش عمل الجيش الإسرائيلي في المنطقة لفترة معينة.  سوف يتعين على الجيش إيجاد بدائل بسرعة نظراً لأن هذا الموقع يتحكم بحركة المرور الفلسطينية على الطريق الممتد بين غزة - دير البلح – خان يونس، ويشكل بذلك حمايةً لحركة المرور الإسرائيلية من "غوش قطيف" إلى مناطق الخط الأخضر".

وخلص المعلق إلى القول إن عملية الأمس تأتي على خلفية الوضع العام في قطاع غزة: خطة فك الإرتباط، اغتيالات قادة حماس و حملة الجيش الإسرائيلي الأخيرة في رفح، من هنا فإن الأجنحة العسكرية "لفتح" و"حماس" تسعى لخلق انطباع بأنها هي التي استطاعت بعملياتها طرد إسرائيل من قطاع غزة بالقوة.

 

ضربة من تحت ...

وتحت عنوان "ضربة من تحت" كتب المعلق العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت" أليكس فيشمان: عندما يتم الجمع بين استخبارات ضعيفة و دفاع ثابت فإن النتيجة تكون كارثيّة.  وأضاف: في هذه المرة لم ندفع ثمناً باهظاً ولكن كلما تقدمنا على محور الزمن باتجاه فك الإرتباط، فإن هذه المعادلة ستكلفنا أثمان باهظة جداً. وأردف فيشمان مؤكداً على جانب الفشل العسكري الإسرائيلي في عملية تفجير الموقع العسكري الأخيرة، معتبراً أن الدفاع الثابت مع استخبارات ضعيفة يشكل وصفة أكيدة لإندحار الجيش الإسرائيلي من غزة بهزيمةٍ مجلجلة، ليخلص باستنتاجٍ مؤداه أن إسرائيل وقادتها يمعنون في الإصرار على عدم تعلم شيء من تجربتهم في لبنان.

ونوّه فيشمان بإرتقاء قدرات المقاومين الفلسطينيين مشيراً إلى أن النفق الذي استخدم في عملية تفجير الموقع الإسرائيلي أول من أمس، تطلب عملاً استغرق أسابيع عديدة وربما أشهر، ما يشير إلى الفشل الإستخباري الإسرائيلي، حسب رأي المعّلق. 

و أشار فيشمان إلى كثافة عمليات المقاومة التي تتم ضد قوات الإحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بعيداً عن الأضواء، وقال: بالأمس (الأحد) زار رئيس الأركان (موشيه يعلون) مستوطنة نتساريم واستمع من كبار القادة العسكريين لإيجاز حول كمية النشاطات الهجومية والدفاعية في قطاع غزة.  ففي غزة، أضاف فيشمان، تدور حرب مستمرة لا تصل أخبارها إلى عناوين الصحف، وفي كل أسبوع من أسابيع شهر حزيران الجاري وقع هناك نحو أربعين هجوماً بالمتوسط ضد قوات الجيش الإسرائيلي، وهو اتجاه في تصاعدٍ مستمر، علماً أن جزءاً كبيراً من هذه الهجمات هو عمليات معقدة ومتعددة المراحل "لا شك في أن أيدي وخبرات أجنبية، لبنانية، (في إشارة لحزب الله) ضالعة فيها".  ونقل المعّلق عن قادة عسكريين في المنطقة اعترافهم بأن الحديث يدور عن هجمات مخططة جيداً وبمستوى عالٍ ، وأنه ترافقها عمليات تمويه واستخدام لوسائل متعددة لإختراق الدوائر والخطوط الدفاعية التي يقيمها الجيش الإسرائيلي حول المستوطنات وحول مواقعه العسكرية المحصّنة في قطاع غزة. 

"المهمة الأصعب"
من ناحيته أكد المراسل العسكري لصحيفة "معاريف"، عمير راببورت، أنه بعد إنهيار هذا الموقع العسكري "لم يعد أحد في الجيش الاسرائيلي يشك في أن السيطرة على غزة حتى الانفصال عنها تعتبر الآن المهمة العسكرية الأصعب"، التي يواجهها الجيش الاسرائيلي. ولفت إلى أن رئيس هيئة أركان الجيش، يعلون، تجول أول من أمس بنفسه في قطاع غزة قبل العملية الفدائية بأقل من ساعتين "كي يطلع عن كثب على المصاعب" التي تنتظره هناك. وأضاف هذا المعلق أن ارتفاع عدد الجنود الاسرائيليين القتلى في قطاع غزة إلى حوالي 20 خلال شهرين يعتبر "إرتفاعًا دراماتيكيًا على ضوء الانخفاض المستمر في نطاق العمليات التفجيرية داخل تخوم الخط الأخضر"، منوهًا بأنه سيكون من الصعوبة بمكان تقديم شروح مقنعة للجنود بشأن دوافع الموت لعدة أشهر مقبلة في معرض "الدفاع عن أماكن سيتم إخلاؤها حتمًا".

وقال المعلق العسكري في الصحيفة ذاتها، عميت كوهين، إن العملية المذكورة تمثل "إرهابًا استراتيجيًا يجد الطرق المناسبة للتغلب على العثرات التي تضعها إسرائيل". وزاد: "من ناحية عددية فإن الارهاب العراقي يجبي كمية هائلة من الضحايا، لكن من ناحية مستوى التخطيط والتنفيذ فإن الارهاب الغزيّ هو الأشد حنكة في العالم". وأكد أنه ليس في مقدور حتى عملية عسكرية واسعة النطاق على شاكلة "السور الواقي" أن تغير الصورة في غزة.    

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات