"القضية المصيرية الاكثر الحاحا التي تواجه اليوم الشعب اليهودي عامة، وليس في دولة اسرائيل فحسب، تكمن في تحديد السياسة حيال قضية الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني. اذ يهدد الصراع رفاهية اسرائيل؛ ويتم استغلاله في الحلبة الدولية لانتزاع الشرعية لفكرة السيادة اليهودية؛ وقد تحول الى اداة لمهاجمة مؤيدي اسرائيل اليهود"..
هذا ما جاء في تقرير جديد، هو الاول من نوعه، حول "حال الشعب اليهودي في العام 2004". وقد أعد هذا التقرير "المعهد لتخطيط سياسات الشعب اليهودي" ، وهو هيئة انشأتها الوكالة اليهودية. وهذا التقرير هو ملخص للتقرير الكامل الذي يحوي 600 صفحة وسيتم نشره في الخريف القادم. ويتضمن التقرير معطيات حول عدد من القضايا المتعلقة باليهود في العالم، خصوصا انتشارهم من الناحية الجغرافية، تكاثر اليهود بنسب ضئيلة ومدى انصهارهم في المجتمعات التي يسكنون بينها. واشار "المعهد" في التقرير الى انه يتوجب "اعتبار اليهود في اسرائيل وفي العالم على انهم جسم واحد، خلافا للفصل بين يهود اسرائيل ويهود العالم القائم حتى الآن".
يقول التقرير ان 92% من اليهود في العالم يسكنون في 20% من دول العالم، التي تعتبر اغنى الدول والاكثر تطورا. وبحسب التقرير، فقد ساهم في هذه التوزيعة السكانية خروج اليهود من الدول العربية في سنوات الخمسين من القرن الماضي والهجرة الكبرى من رابطة الدول (التي كانت تشكل في الماضي الاتحاد السوفياتي) الى اسرائيل في سنوات التسعين. ولذلك فان جودة الحياة المرتفعة التي يعيشها اليهود في العالم ناتجة عن سكنهم في الدول الغنية.
لكن التقرير يشير الى نسبة التكاثر السكاني الضئيل للغاية لدى اليهود. وجاء انه فيما ازداد عدد سكان العالم، خصوصا في الدول الفقيرة، بنسبة 70% بين السنوات 1970- 2003، ازداد عدد اليهود خلال هذه السنوات بنسبة2% فقط.
كما يشير التقرير الى معطيات حول الزواج المختلط لليهود في دول العالم. وافادت المعطيات ان اعلى نسبة للزواج المختلط لليهود هي في روسيا واكراينا حيث بلغت 80%. وفي المانيا وهنغاريا 60%، الولايات المتحدة 54%، فرنسا وبريطانيا والارجنتين 45%، كندا 35%، استراليا 22%، جنوب افريقيا 20% والمكسيك 10%. اما في اسرائيل فان نسبة الزواج المختلط 5% .
لكن التقرير اشار الى أن الزواج المختلط في اسرائيل هو مع المهاجرين الجدد الى الدولة. وقال التقرير ان ثمة علاقة مباشرة بين الدراسة في المدارس اليهودية وبين الزواج المختلط، بحيث انه كلما كان عدد الاولاد اليهود الذين يتعلمون في المدارس اليهودية اكثر كلما كانت نسبة الزواج المختلط أقل. يشار الى ان رئيس طاقم الابحاث الذي اعد التقرير هو البروفيسور سيرجيو دي لا فيرغولا، وهو خبير في الدموغرافية اليهودية واستاذ في الجامعة العبرية في القدس. وكان يرأس الطاقم قبل الجنرال عاموس غلبواع، وهو رئيس سابق لوحدة الابحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية. ويرى دي لا فيرغولا انه "على ضوء الاعتراف بعلاقة كافة اليهود في العالم بالصراع الاسرائيلي- الفلسطيني فانه يتوجب اشراك ممثلي كافة جاليات الشعب اليهودي (في العالم) في حسم قضية الصراع، بالرغم عن ان اتخاذ القرارات الفعلية هو حق حصري لاسرائيل".
وقال دي لا فيرغولا انه يتوجب اشراك ممثلي اليهود في العالم ليس فيما يتعلق بالصراع فحسب، بل يتوجب ان تأخذ كافة قرارات حكومة اسرائيل بالحسبان انعكاساتها على اليهود في العالم. "ويتضمن ذلك قرارات الحكومة الاسرائيلية المتعلقة بالقضايا الامنية الآنية، مثل عملية اغتيال الشيخ (احمد) ياسين. ولا يعني الاكتراث باليهود في العالم الغاء احتياجات اسرائيل ولكن الاخذ بالحسبان على الاقل انعكاسات ذلك على اليهود في العالم وان يتم اتخاذ الحيطة" بما يتلاءم مع السياسة التي تقررها الحكومة الاسرائيلية.
واشار الصحفي يئير شيلغ، الذي كتب حول الموضوع في صحيفة "هآرتس"، الى ان التقرير سيثير جدلا كبيرا، اذ "ان مجرد اعتبار دولة اسرائيل ويهود العالم كيانا واحدا لن يفرح مواطني اسرائيل العرب واليساريين اليهود غير الصهيونيين".
ويوصي التقرير ايضا "بتعزيز الطابع اليهودي لاسرائيل بواسطة منح الاولوية للهوية اليهودية في جهاز التعليم والاعتراف بمكانة الحركات اليهودية غير الارثوذوكسية، تقديم الدعم المالي لجهاز التعليم اليهودي في انحاء العالم، انشاء اكاديمية يهودية لاعداد قيادة مستقبلية لترأس الجاليات اليهودية في العالم، بلورة سياسة يهودية عامة تجاه العالم عامة والاسلام خاصة، انتهاج سياسة فعالة لتشجيع تهويد ابناء العائلة غير اليهود في العالم وفي اسرائيل" . وهناك توصية اخرى: زيادة المشاركة اليهودية العالمية في قضايا حقوق الانسان تحت اسم "تصحيح العالم" لكن ذلك يتم ايضا لاعتبارات سياسية: اعطاء ثقل للشعب اليهودي ليكون عاملا مهما في الحلبة السياسية الدولية.
هذا ومن اجل تعزيز مكانة "المعهد لتخطيط سياسات الشعب اليهودي" لدى متخذي القرارات في اسرائيل وبين اليهود في العالم، تم مؤخرا تعيين الدبلوماسي دينيس روس رئيسا لمجلس ادارة المعهد. ويذكر ان روس كان المبعوث الامريكي الى الشرق الاوسط من قبل ادارة الرئيس بيل كلينتون.