المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

وديع عواودة
على رغم انقضاء عشر سنوات على مسيرة اوسلو ما زالت صورة العلاقات بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي قاتمة بل تزداد تدهورا اكثر من اي وقت مضى. عقد من الزمان انقضى بين المد والجزر ولم يتمخّض عنه اتفاق يُنهي الاحتلال ويضع حداً لدوامة سفك الدماء، كما توقعت جميع السيناريوهات. بل ان تطورات الاسبوع الاخير تنذر بتصعيد غير مسبوق للصراع.


حول ما جرى ويجري من وجهة نظر اسرائيلية تحدثنا الى عجوز السياسة في اسرائيل واحد ابرز قادة حزب العمل المخضرمين شمعون بيرس الذي يشارف على الثمانين عاما ومن ورائه تجربة تربو على الـ 60 حولا من العمل السياسي.

خلال لقائه في مكتبه بتل ابيب أكثر بيرس اثناء الحديث معه من التلاعب بالالفاظ والكلمات واستخدام قاموس الحكمة والامثال كعادته، متمسكاً بحلم السلام والشرق الاوسط الجديد.

في اللقاء اعرب بيرس عن رأيه بالاحداث المتسارعة الاخيرة وعلى رأسها محاولة اغتيال الرنتيسي، وشخصية شارون وقيامه بنعت ابو مازن "بالفرخ"، كما افصح عن وجهة نظره بالسياسة الاسرائيلية الداخلية وبعمرام متسناع وياسر عرفات.

بيريس منشغل الان في اعادة بناء حزب "العمل"، وقد شرح لنا لماذا لم يتعب من السياسة وما زال يخوض غمارها كما لو كان في بداية الطريق..


فيما يلي نص الحديث الذي اجريناه هذا الاسبوع معه في مكتبه في تل ابيب.


ابو مازن اتهم شارون بتعطيل مسيرة البدء في تطبيق خارطة الطريق والتوصل الى الهدنة عندما جرت محاولة اغتيال عبد العزيز الرنتيسي فماذا تقول.

"نعم هذا صحيح، شارون لم يعط لابي مازن الفرصة الكافية لتنظيم نفسه، ولكن "حماس" ايضا لعبت الدور ذاته. واذا استمرت الاوضاع الراهنة فاننا مقبلون على فوضى غير معقولة. انني اعتبر عمليات الاغتيال الاخيرة، غير ذكية وارفضها من حيث توقيتها وشكلها. وما داموا يعتقدون ان الرنتيسي بمثل هذه الخطورة فقد كان بامكان اسرائيل ان تعتقله. بالمقابل، من غير الممكن ان يواصل الرنتيسي التحريض الدموي علينا. هناك حدود للحرية وهذه تنتهي عندما تدعو الى قتل الاخرين".


ولكن حكومات اسرائيل الاخيرة وتحديداً حكومة شارون الثانية اقدمت على تصفية شخصيات سياسية فلسطينية وسط فترات الهدوء مكررة ما حصل يوم اغتيال يحيى عياش عندما كنت رئيسا للحكومة بعد اغتيال رابين، مما يدل ربما على رغبتها بالهروب من السلام؟

"انا لست ناطقاً بلسان ارئيل شارون ولن اقوم باهانته. انا اختلف معه في التصورات. فهو يرى بضرورة ملاحقة الارهابيين وانا ارى اهمية محاربة الارهاب وهذا يعني ازالة اسباب وجود الارهابيين، من غياب للافق السياسي والاوضاع الاقتصادية الصعبة الخ.. ولذلك ينبغي التعاون مع الفلسطينيين واعطاء ابو مازن الفرصة الكافية بدلا من احراجه ونعته "بالفرخ". هذا تعبير تعيس لأن من واجب كل طرف احترام الاخر. وبالنسبة لشارون كنت افضل ان يستخدم تعابير ترتبط بالخراف لا الفراخ.."


وفي ضوء التصعيد الخطير في استخدام العنف ماذا ستقول لاحفادك اليوم.. هل سيعيشون على سيوفهم ام انك لا زلت متفائلاً؟


"لا. الشعبان بحاجة الى السلام بذات القدر وبينهما نقاط اتفاق اكثر من نقاط الخلاف. والطريق الى الحل تستند الى قرار الامم المتحدة 242 - الانسحاب الى حدود عام 67 مع بعض التعديلات".


وما هي اهم اخطاء الاسرائيليين والفلسطينيين التي حالت دون التوصل الى مثل هذا الحل حتى الان؟

"حتى الان يتعايش كل واحد من الشعبين مع اخطائه. اكبر خطأ ارتكبناه عندما اقمنا هذه الكمية الكبيرة من المستوطنات اما خطأ الفلسطينيين فوقع عندما سمحوا لحركة "حماس" ان تصنع منهم العوبة. واذا استمروا في طريق الارهاب فلا مستقبل لهم لان العالم كله ضد الارهاب. واليوم على الطرفين قبول خارطة الطريق كما هي وتعزيزها بخارطة طريق اقتصادية لكل الشرق الاوسط، وانا سعيد بأن جورج بوش اقترح ذلك مؤخراً.


وهل تعتقد ان رئيس حكومة اسرائيل اريئيل شارون،"ابو المستوطنات" والمحارب المخضرم من اجل "ارض اسرائيل الكبرى" قد تغيّر في شخصيته وقناعته بما يكفي لتحقيق السلام؟

"اولا طرأ تغيير على الواقع الذي يعيشه الجميع، وربما يكون قد حصلت لديه تغييرات لكني لا اعرف اذا كانت كافية. على مستوى التصريحات تبنى شارون وجهة نظر حزب العمل حيال انهاء الصراع وهذا بفضل مشاركتنا له في الحكومة السابقة. لا مفر امام احد سوى تقسيم هذه البلاد وانا ابارك ذلك ولا يهمني اذا كان شارون هو الذي سيخرج العربة من الوحل ام سواه. ما يهمني هو انجاز حلم السلام وجعل الشرق الاوسط خاليا من جنازات القتلى ولذلك اعربت عن اسفي لمحاولة تصفية الرنتيسي كما اسلفت وانا اعتبرها خطأً فادحاً".


وبماذا تختلف خارطة الطريق عن مشروع اوسلو برأيك؟

"خارطة الطريق هي استمرارية لاوسلو والفرق بينهما يشبه قيامك باقتناء تذكرة لمشاهدة مسرحية تعرض بعد الظهر لكنك استخدمتها لمشاهدة العرض ذاته ليلاً".


ولكن اللعبة السياسية ضمن خريطة الطريق تجري بدون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، فهل هذا يجعلها ذات حظ اوفر في انجاز السلام ام العكس؟!

"بالنسبة لعرفات اليوم هو لايقرر ولذلك هو غائب وليس بذي صلة. اعتقد ابو عمار انه قادر على اقناع حماس والجهاد الاسلامي سياسيا وسلميا لكنهم شطبوه عسكريا. نحن لم نمس به بل حماس هي التي جعلته معزولا وغير ذي صلة بعد ان كان يتمتع بمكانة دولية مرموقة".


ولماذا لم يفعل عرفات ما توقعتموه برأيك؟

"لان عرفات ظل قائدا لثورة واخفق بالتحول الى زعيم دولة، فاذا كان في بلادك اكثر من جيش واحد فلا دولة لك. وقد سبق ان شرحت لعرفات عدة مرات كيف بادر دافيد بن غوريون الى محاربة المنظمات الارهابية اليهودية مثل منظمة الاتسيل بزعامة مناحم بيغن بيد انه اعتقد انني اسعى "لدك الاسافين" بينه وبين حركة "حماس". كما اوضحت له انه عندما تعطى الفرصة لشخص للتأثير بواسطة بندقية اكثر من تأثير الف مصوت فانه لن يدع سلاحه. هناك مثل افريقي يقول - اذا اودعت حجراً في سلة بيض فليس مهما ان الاغلبية هي للبيض لان الحجر سيهشيم كل بيضة فيها.. ولذلك على السياسيين ان لا يكونوا بيضا من الممكن تهشيمه بحجر".


من المعروف انك صاحب فكرة ومشروع المفاعل النووي في ديمونة فهل حقق هذا المشروع هدفه اليوم بعد 50 عاما على بنائه؟

"نعم.هذا المشروع مكننا من الذهاب الى اوسلو وبدونه كنا سنظل نخشى من كل شيء. فقد ضمن لنا مفاعل ديمونا قوة الردع ولا زلت اذكر ما قاله لي السادات انه فهم محدودية حرب الغفران بالنسبة للعرب بسبب مفاعل ديمونا الذي جاء لاهداف ردعية دفاعية لا هجومية".


ولكن مواطني اسرائيل يفقدون امنهم في كل يوم، رغم وجود المفاعل

"صحيح.امريكا بنفسها تعرضت للارهاب وهذا لا جيش له ولا جبهة قتال بل يحتاج الى اسلحة من نوع اخر".


زملاء لك في قيادة حزب العمل اخذوا عليك مشاركتك في حكومة شارون السابقة والمساهمة في تغطية سياسته البعيدة عن السلام؟!

"تتوهم بعض الاوساط اليسارية في حزب العمل واسرائيل عامةً انه بالامكان تحقيق السلام بواسطة الاشعار والغناء.. لكن هذا في الواقع يحتاج الى حشد اغلبية حوله ولذلك شرحنا لليكود واليمين بان السلام لا يصنع عبر الاتفاق مع انفسنا بل يحتاج للطرف الفلسطيني. ويتأثر ذلك فقط من خلال المداولات والشروحات وهذا كان جوهر دورنا في حكومة الوحدة الوطنية السابقة".


وهل يستشف من كلامك هذا ان حزب العمل مقبل عما قريب للانضمام الى حكومة شارون؟

"ليس بالضرورة. في السياسة الامور لا تحصل بطريقة فورية وتعالج كل حالة بشكل مختلف. ما اصبو اليه ان يتحول "العمل" الى حزب بديل لليكود".


ولكن هناك من يزعم ان حزب العمل قد تحطم ومسيرة السلام ايضا اثر مقتل اسحاق رابين؟!

"لا. هذا غير صحيح. العمليات التي نفذتها"حماس"منذ العام 1995 هي سبب تعثر مسيرة السلام. فور تسلمي مقود الحكومة بعد مقتل رابين اعدنا ست مدن للسلطة الفلسطينية ولا افهم لماذا انفلت الارهاب في حينه وسبب خسارة العمل الانتخابات بنسبة اقل من 1% لبيبي نتانياهو".


لكن حزب العمل عاش ازمة حادة وانقسامات انهكت قواه واضعفت مكانته بعد قيامك بالانضمام الى حكومة شارون في العام 2001؟

"لكن هذا ادى ايضا الى تحطم حزب الليكود ايديولوجياً. حزب "العمل" ارتكب خطأ كبيرا عندما اعلن انه لا شريك للسلام بالجانب الفلسطيني مما ادى الى شق الطريق امام فوز اريئيل شارون بالحكم وانا لم اقع في ذلك الخطأ اذ طالما آمنت بوجود شريك للسلام".


في الاسبوع القادم سيتم انتخابك زعيما لحزب العمل لفترة مؤقتة، فما هي الاحتمالات باشفاء "العمل" من ازمته؟

"الاحتمالات جيدة. المستشفى يتضمن عدة اقسام من بينها غرفة الانعاش وفيها يعالج حزب العمل اليوم لكنني مقتنع بشفائه وبعودته حزبا قويا بديلا لليكود. من جهته يقوم شارون بمساعدتنا بواسطة اخطائه الكثيرة".


وهل تستمد تفاؤلك هذا من استطلاعات الرأي الاخيرة التي اعتبرت محاولة اغتيال الرنتيسي خطأ؟

"لا. انا لا اعول على استطلاعات الرأي فهذه كالعطور، لطيف جدا استنشاقها وخطير جدا ابتلاعها".


لم يعد سراً ان قيادات في حزب العمل ستشارك "ميرتس" واوساطا يسارية اخرى لتشكيل حزب ديموقراطي اشتراكي جديد من شأنه الاجهاز على حزب العمل في حالة قيامه؟

"لا. قدرات حزب العمل تكمن في الوسط لا في اليسار ولذلك لن يتأثر مستقبل حزب العمل باقامة حزب يساري جديد".


ما رأيك بالقول ان حزب العمل يعاني منذ سنوات ازمة قيادة؟

"حقا توجد ازمة قيادة في حزب العمل وانا لم اكن معنيا بتسلم منصب زعيم الحزب لكن رفاقي مارسوا ضغوطاتهم وارادوا ان اواصل النضال من اجل الفكرة التي آمنت بها لا من اجل المنصب. وقد فوجئت من ذلك اذ ان تجربتي تفوق الـ 60 عاما في السياسة والاخرون لا زالوا يولون الثقة لي. وتخيل كم خطأً من الممكن ان يرتكب الانسان في غضون 60 عاما. انا ارتكبت كل الاخطاء الممكنة عدا وفائي للفكرة التي آمنت بها ولم تهمني الاموال ولا القوة ولا الوجاهة".


ومع ذلك فوجئت من مسارعة عمرام متسناع الى تنحيه من زعامة "العمل"؟

نعم فوجئت. ومتسناع رجل طيب ادخل نفسه في وضع صعب وقد عثّرته قلة تجربته".


ولكنه قال في اعقاب استقالته ان عناصر قيادية داخل "العمل" تحركت سراً ضده وافشلته؟

"في عالمنا هناك ثعالب وحيتان واسماك قرش ومكائد ودسائس ايضا ومع ذلك عليك ان تبقى ذكيا وصادقا".


وبعد انتهاء المدة الانتقالية هل سترشح نفسك لزعامة حزب العمل من جديد؟

"لا. وظيفتي مؤقتة وتنتهي بعد عام واحد. لست ساحراً لكنني سأحاول اشفاء الحزب. ومع ذلك هذا لا يعني انني ساعتزل السياسة فتقدم سني ليس خطيئة وتجربتي ليست نقيصة. واذا كان الله قد وهبني الصحة والقدرة فالحمد له على ذلك".


الم تتعبك السياسة بعد 60 عاما؟

"لا. كل امرىء ملزم بتقديم واجباته وخدمة مجتمعه ودولته".


وعن العلاقات العربية - اليهودية داخل اسرائيل اعرب شمعون بيرس عن قلقه متهما النواب العرب بالتطرف: "كان بوسعهم ان يكونوا جزءاً من التيار الرئيسي لكنهم فضلوا تقديم الخطابات السياسية القاسية التي جعلتهم صارخين لا سياسيين".


ولكن الدولة العبرية اغلقت ابوابها امام المواطنين العرب منذ اقامتها ولا تزال تمارس التمييز ضدهم في مختلف نواحي الحياة؟

"لا. في مجالات كثيرة احرز المواطنون العرب انجازات هامة في العمل والتعليم. انظر الى الزراعة العربية المتطورة والى الاف الطلاب العرب في الجامعات الاسرائيلية. كما اننا اعدنا منطقة رقم 9 في سهل البطوف.. كذلك الحال بالنسبة لانتخابات السلطات المحلية العربية فهي عملية ديموقراطية لا مثيل لها بكل العالم العربي. ولا زالت اذكر الانتخابات التمهيدية (البرايمريز) التي جرت داخل عائلة منصور في الطيرة. قبل شهرين كانت عملية ممتازة وهي ثمرة مثيرة للقاء الحضارات.."!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات