المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 1562

نُشرت في الصحف الاسرائيلية، في نهاية الاسبوع، ثلاثة مقالات حول تنظيم "القاعدة" و"صدام الحضارات" المزعوم. وتناولت هذه المقالات (نُشر اثنان في "هآرتس" -9 و11/4 والثالث في "يديعوت أحرونوت"- 9/4) الموضوع من جوانب مختلفة. وقد كتب اثنين منها باحثان أكاديميان: الاول، عمانوئيل سيفان، المحاضر في "الجامعة العبرية" في القدس والمتخصص في تاريخ الاسلام ومؤلف كتاب "الاسلاميون المتعصبون" حول تاريخ وفكر حركة "الاخوان المسلمين" في انحاء العالم الاسلامي؛ الثاني، أفيعيزر رافيتسكي، وهو ايضا محاضر في "الجامعة العبرية" في القدس ومتخصص في تاريخ الفلسفة والفكر اليهودي وأحد ابرز قادة حزب "ميماد" للمتدينين اليهود غير اليمينيين. اما المقال الثالث فكتبه الصحفي سيفر بلوتسكر، محرر الشؤون الاقتصادية في "يديعوت أحرونوت".

 

 

وكانت الفكرة المركزية في مقال سيفان بعنوان "بن لادن للفقراء"، ان الافكار التي يطرحها زعيم "القاعدة"، اسامة بن لادن، هي بمثابة بريق أمل بالنسبة للشبان المسلمين من ابناء العائلات المهاجرة الى الدول الاوروبية، بسبب الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية التي يعيشون في ظلها وكونهم على هامش المجتمعات الاوروبية التي يعيشون في كنفها. واعتبر سيفان ان افكار بن لادن "تعد منفذا للشبان المسلمين في اوروبا ومتنفسا لمشاعر الغضب والانتقام بتوفيرها آفاقًا للنشاط السياسي والاجتماعي والسري".

 

وبحسب نهج سيفان، فانه يرى في "التشخيص" ان البلدان الاسلامية اصبحت تتجه نحو العلمانية بوتيرة متسارعة وان المجتمع الاسلامي قد يفقد هويته وقيمه ويشكل قشرة من العادات والتقاليد التي تفتقد اي مضمون، وذلك بسبب قوة جاذبية الحضارة العصرية. وتابع سيفان ان هذا الوضع في البلدان الاسلامية جعل الغيورين على الاسلام يتحركون في نشاط جماعي منظم ضد "خطر الاندثار". وقال: "لا يكفي التطهير الذاتي الفردي. وعلى المسلم الغيور على دينه الا ينقذ نفسه فحسب وانما الدفاع عن الملة كلها، اي الخروج الى حرب واجبة. وما هو الواجب؟ الامر بالمعروف والنهي عن المنكر".

 

ورأى سيفان ان شكل العمل الذي تبنته الحركات الاسلامية، "التي عملت في الماضي لمصلحة العدو الكولونيالي"، يكمن في محاربة النظام في البلدان الاسلامية الذي "يعتبر الوكيل الرئيسي للحضارة العصرية الغربية في هذه الدول". وبناء عليه فان نشاط الحركات الاسلامية يجب ان يتم من خلال جمعيات خيرية. "لكن هذا غير كاف، اذ يتوجب الانخراط في المجال السياسي الذي هو حكر الان على الحكام الجدد". واعتبر سيفان ان الانخراط في الحلبة السياسية لم ينجح، وذلك بسبب تعامل أنظمة الحكم المحلية مع الحركات الاسلامية ومساعي هذه الانظمة الى منع التمثيل السياسي لهذه الحركات إما عن طريق اخراجها عن القانون، كما حصل في مصر والمغرب، او عن طريق تزييف نتائج الانتخابات، كما حصل في الاردن واليمن والكويت والبحرين، على حد ما يكتب.

 

وقال سيفان ان قوة هذه الحركات تكمن في قدرتها على البقاء في ظروف تكاد تكون غير محتملة. فبالرغم عن "القمع والدعاية المعادية والناجعة التي تعتمدها الانظمة، الا ان الحركات الاسلامية تنجح دائما بالبقاء. وقد تكون نواة هذه الحركات قليلة وسرية، لكنها تنمو من جديد وتطفو في فترات الازمات الاجتماعية الاقتصادية او في فترة استبدال النظام الحاكم، مثلما حصل في العراق مع سقوط صدام (حسين). فقد اثبت جهاز الدعوة نجاعته، رغم انه عادة ما تكون الدعوة شبه سرية". ومن جهة اخرى، سرعان ما تتراجع الانظمة التي تفكر في اتباع نظام دمقراطي خشية ان يؤدي ذلك الى صعود الاسلاميين الى سدة الحكم.

 

ويقسم سيفان تاريخ نشاط الحركات الاسلامية الى عدة موجات: 1974-1982، صعود الدولة الاسلامية في ايران واغتيال السادات؛ 1987-1991، محاولة الانخراط في السياسة العامة في البلدان الاسلامية ومثال على ذلك الجزائر؛ 1994-1998.

 

بالإضافة إلى هذه الموجات الثلاث يرى الكاتب ان الموجة الرابعة لنشاط الحركات الاسلامية بدأت بأحداث 11 ايلول 2001، لافتا الى ان مميزات هذه الموجة تختلف بشكل كامل عن الفترات التي سبقتها. وهي موجة ولدت من الهزيمة التي مني بها الاسلاميون في الموجة الثالثة، التي كانت ميزاتها الاساسية هروبهم من بلدانهم: من شمال افريقيا الى اوروبا، سعوديون مثل بن لادن واتباعه الى افغانستان، مصريون واردنيون الى اوروبا وافغانستان، اندونيسيون الى ماليزيا. واجتمع كل هؤلاء في الموجة الرابعة ليجدوا انفسهم من دون باب رزق، بعد انسحاب القوات السوفياتية من افغانستان. وبلور هؤلاء شبه حركة تبنت طروحات مختلفة عن تلك التي تبنتها وما زالت تتبناها الحركات الاسلامية في بلادها.

 

وقال سيفان ان اول من طرح الافكار الجديدة هو الدكتور عبد الله عزام في سنوات الثمانين من القرن الماضي. وكان عزام، الفلسطيني الاصل، يدرّس الشريعة الاسلامية في السعودية وكان ابن لادن احد تلاميذه. وبحسب سيفان، فإن عزام دعا الى "الجهاد ضد الغرب" بموازاة واحيانا كبديل للحرب التي يشنها الاسلاميون ضد الانظمة في بلدانهم. اذ لا يكفي، واحيانا من غير الممكن، خوض حرب ضد النظام لوحده في زمن العولمة، ويتوجب على الجهاد ان يشمل العالم بأسره. "يتوجب توجيه ضربات نحو غير المسلمين الذين احتلوا اراضي اسلامية، مثل الشيشان والبلقان وبالتأكيد فلسطين. كذلك يتوجب توجيه ضربات ضد اقتصاد الدول الغربية". ويشير سيفان الى ان عزام وخليفته ابن لادن لم يحلما بالسيطرة على الغرب او امكانية ان ينهار بالكامل. فقد كانا واقعيين وتلخصت رؤيتهما باضعاف الغرب بواسطة زعزعة استقراره للحد من دعمه للانظمة الاسلامية وعندها ستنهار هذه الانظمة.

 

واعتبر سيفان ان هذه الرؤية لاقت الاستحسان لدى الكثيرين، خصوصا بين المسلمين في اوروبا، الذين يعيشون في ضائقة اجتماعية- اقتصادية وعلى هامش المجتمع الغربي في أحياء الفقر في المدن الكبيرة.

 

"دولة اسلامية في اوروبا"!

 

إنطلاقا من التحليل الذي يضعه سيفان، وغيره من المستشرقين الاسرائيليين، وضع الصحفي سيفر بلوتسكر مقاله في "يديعوت احرونوت"، حيث ادعى بأن الهدف القريب لتنظيم "القاعدة" يكمن في اقامة افغانستان جديدة، دولة "تسود فيها قوانين الشريعة الاسلامية الصارمة"، في يوغسلافيا السابقة. وزعم ان الطريقة لتحقيق ذلك هي العمليات التفجيرية والانتحارية التي ينفذها اعضاء "القاعدة".

 

ويهدف المعلق من مقاله هذا إلى القول ان العدوان الامريكي على العراق هو عدوان شرعي اذ وجد الامريكيون انفسهم "ليس امام جيش الخرداوات التابع لصدام وانما امام جيش الجهاد الاسلامي. واذا تنازل الامريكان وانسحبوا من العراق فستفتح الطريق امام الكتائب الاسلامية هذه الى الرياض وعمان"!.

 

وقال بلوتسكر ان الجدل بين النخب الاوروبية يتركز في هذه الفترة حول تعاون الدول الاوروبية مع الولايات المتحدة في الحرب التي شنتها على العراق. ففي اسبانيا، مثلا، يرى الكثيرون ان انفجارات مدريد، سببها وجود وحدات من الجيش الاسباني في العراق. ولام ايضا التعامل "الانساني والدمقراطي" للقضاء الاوروبي مع المتهمين في العضوية بحركات اسلامية مرتبطة بـ"القاعدة". لكنه رأى انه في المستقبل القريب، بعد وقوع عدة عمليات تفجيرية وانتحارية في انحاء اوروبا، ستستيقظ اوروبا من سباتها وستبدأ بمحاربة الاسلاميين ليس من خلال المحاكم كما يجري اليوم وانما من خلال اتباع سياسة التصفيات واغتيال متهمين اسلاميين. وهذا التغير في الموقف الاوروبي بدأ بالظهور في اعقاب تفجيرات مدريد، حيث أخذت الدول الاوروبية تخفف من حدة انتقاداتها للولايات المتحدة، وايضا لاسرائيل. وكتب بلوتسكر انه ليس صدفة ان التنديدات بعملية اغتيال الشيخ احمد ياسين "جاءت بصوت خافت".

 

ويتطرق بلوتسكر الى أمر آخر يتعلق باسرائيل وباليهود. ويقول ان على الرغم من امكانيات حدوث تغييرات في موقف الاوروبيين من الحركات الاسلامية الا ان عددا من اساتذة العلوم السياسية الاوروبيين يشيرون الى ان "اليهود هم المذنبون" في دوامة العنف في العالم. ويلفت هؤلاء الانظار الى "مجموعة من اليهود الامريكيين الذين يملكون تأثيرا سحريا على الرئيس بوش وحاشيته (المحافظين الجدد) وهي التي جرت الولايات المتحدة الى حربها في العراق. ويقوم هؤلاء بذلك ليس لمصلحة الولايات المتحدة وانما لمصلحة اسرائيل".

 

واضاف: "وفق الهمسات التي تجول في مدن وقرى اسبانيا، ايطاليا، فرنسا، بولندا وبريطانيا، فإن اليهود الاسرائيليين هم المذنبون في هجمات مدريد وهم الذين سيكونون المذنبين في موجة الهجمات القادمة في اوروبا. لكنك لن تراهم، اولئك اليهود المتلونين، تسفك دماؤهم في العراق. ومثلما هو الحال في فيلم ميل غيبسون حول الام المسيح، يبقى يهود اسرائيل في الظل. يحرضون، يشون، يَخلِفون، لكنهم لا يلوثون أنفسهم".

 

وتساءل بلوتسكر: "ألا يوجد شبه كبير للغاية بين الطريقة التي دفع فيها اليهود القائد الروماني لصلب المسيح، في فيلم غيبسون، وبين الطريقة التي دفع فيها اليهود بوش، بحسب المثقف الاوروبي، الى غزو العراق؟"..

 

"صدام الحضارات ليست حربنا"

 

يعالج أفيعيزر رافيتسكي في مقاله، الذي جاء تحت العنوان أعلاه، ما انتهى به مقال بلوتسكر. وقال رافيتسكي ان المواجهة المتجددة بين الغرب والاسلام وضعت قيادة الشعب اليهودي امام معضلة قاسية: ما هو موقع اليهودي في هذا الصراع؟ هل عليه ان يتجند الى جانب طرف واحد، ام ان ماضيه ومستقبله التاريخي يحتم عليه ان ينعزل عن القوتين، وأن يقف جانبا؟

 

يقول رافيتسكي ان اليهود على مر التاريخ عايشوا حضارات كبيرة: عاشوا في كنف ديانات حاكمة وفي كنف قوى امبريالية تصارعت مع بعضها البعض. لكنهم لم يتماثلوا ابدا مع طرف واحد دون آخر. وعندما أيد بعضهم حركات قومية كان هناك بعض آخر أيد حركات قومية منافسة. وقال رافيتسكي ان هذا النهج تغير في الفترة الراهنة. "ويبدو ان الشعب اليهودي يقف الان الى جانب احد اطراف الصراع في صدام الحضارات". ولفت الى الجدل الذي حصل بين القيادة الاسرائيلية في مطلع الخمسينات من القرن الماضي حول الى جانب من يجب ان تقف اسرائيل في الحرب الباردة. في حينه طالب زعيم الحزب الشيوعي الاسرائيلي، موشيه سنيه، بعدم التماثل مع اي من طرفي الصراع. اذ قد ينتصر المعسكر الاشتراكي في هذا الصراع. وقال رافيتسكي ان موقف سنيه لم يكن مبنيا على أساس ايديولوجي فقط وانما ايضا على أسس واقعية. اما رئيس حكومة اسرائيل في حينه، دافيد بن غوريون، فقد أيد التماثل مع المعسكر الغربي ولكنه حدد ذلك في المجال السياسي العملي. وقال رافيتسكي انه من ناحية شكل النظام كان بن غوريون يفضل النظام الاشتراكي.

 

وطالب رافيتسكي القيادة الاسرائيلية باتباع اربعة مبادىء:

 

* الفصل بين الصراع الفلسطيني- الاسرائيلي والصراع العالمي. وطالب بالتوقف عن وصف الرئيس ياسر عرفات بانه ابن لادن، لانه اذا كانت الحال كذلك فهذا يعني ان ابن لادن هو ايضا عرفات، مما يعني كذلك ان ابن لادن هو مقاتل من اجل فلسطين. واذا كان الامر على هذا النحو فان الحرب التي تخوضها الولايات المتحدة ضد ابن لادن جاءت بسبب اسرائيل واليهود.

* يتوجب لجم اندفاع عدد من القادة الاسرائيليين بخصوص إبرام "حلف ديني سياسي" مع جماعات اليمين المسيحي في الولايات المتحدة.

* على اسرائيل ان تعارض بشدة محاولات فرض نظام الحكم الامريكي على عالم بأكمله، هو العالم الاسلامي. وقال رافيتسكي ان "ليس المصلحة الاسرائيلية الآنية بل وأيضا الذاكرة التاريخية اليهودية تحتمان علينا معارضة فرض أفكار عالمية موحدة".

* على اليهود بالذات محاربة محاولات انتزاع الشرعية عن الدين الاسلامي ومحاولات التشكيك في انسانية هذا الدين. وذلك لان اوجه الشبه بين اليهودية والاسلام كبيرة وعديدة جدا، خلافا للتباعد الفكري الديني بين اليهودية والمسيحية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات