أحد الادعاءات التي يواجهنا به محاورون يهود ليبراليون بخصوص ما حصل في فلسطين الأربعينيات والخمسينيات أن ما كان هو بمثابة غُبن لا بُد مِنه بحقّ الفلسطينيين في الطريق إلى إزالة الغبن بحقّ اليهود. كان لا بُد- وفق الإدعاء- من إنتاج المسألة الفلسطينية من خلال المشروع الصهيوني لحلّ المسألة اليهودية. ويحاورون كأن المسألة في حكم التاريخ، حصل ما حصل وهيا نتّفق على الآتي. يشجعوننا على قبول روايتهم للرواية، قراءتهم للتاريخ، ويحثّوننا أن نكون عمليين، براغماتيين، ونذهب معهم في مشوار كأنه جديد مقطوع النسب التاريخي مفتوح على الازدهار وجنّة عدن.
في أواخر شباط 2005 أنهت "لجنة عبري" المسماة رسميًا "لجنة إنشاء الخدمة الوطنية – المدنية" تقريرها، وقدمت توصياتها إلى رئيس الحكومة أريئيل شارون. وعلى الرغم من التستّر على هذا التقرير فقد كشفه رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير في الكنيست، النائب محمد بركة.
منذ رحيل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بدا وكأنه ثمة تغير ملموس في مشهد الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، إذ تراجعت وتيرة الصراع بينهما بنسبة كبيرة، وحصل تغير نوعي في خطابهما السياسي، واستؤنفت الاتصالات التفاوضية، على أكثر من مستوى، بينهما.
انتهت عملية الانسحاب من غزة والتي تعد سابقة لها ما بعدها. لاحظنا في الأشهر الأخيرة تسليط الضوء والتركيز على بضعة آلاف من المستوطنين اليهود هم سكان "غوش قطيف" في قطاع غزة. الإعلام الإسرائيلي بكل أطيافه يُظهر التعاطف الواضح مع المستوطنين ويخرج عن طوره لإظهار وتفهم معاناتهم وألمهم لأنهم "خسروا بيوتهم". في نفس الوقت يقوم الإعلام الإسرائيلي بتغييب الـ 1,4 مليون فلسطيني هم سكان قطاع غزة. هذا الإعلام تنكر لمعاناتهم أيام الاحتلال الإسرائيلي ولا يفكر بمستقبلهم الغامض بعد الانسحاب.
الصفحة 21 من 81