ليس من العسير على من يتابع المشهد الإسرائيلي أن يلتقط بعض النزعات الفكرية التي تتحكم في تفكير النخب السياسية والثقافية في إسرائيل بشأن الأوضاع الراهنة، وبالأساس بشأن مستقبل "التسوية" مع الفلسطينيين.
والسؤال: هل ثمة قاسم رئيسي مشترك لهذه النزعات، وكيف يتبدى في السجالات الدائرة؟.
اتسعت في إسرائيل، خلال الأيام الأخيرة، الدعوات للشروع بمفاوضات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، قبل التفكير بتطبيق خطة رئيس الحكومة ايهود اولمرت، الداعية لفرض حدود من جانب واحد مع الضفة الغربية. وقد صدرت مثل هذه الدعوات في الأشهر الأخيرة، ولكن في هذه الأيام فإنها باتت تخترق الائتلاف الحكومي الجديد. وتقول معلومات صحافية إسرائيلية ان الخلاف في وجهات النظر في هذه القضية لا يتوقف عند قادة حزب "العمل"، اكبر شريك لحزب "كديما" في حكومة اولمرت، وإنما وصل الى الوزير شمعون بيريس أيضا.
يبدو أن إسرائيل حسمت أمرها تماماً لجهة حثّ الانفصال عن الفلسطينيين، وفق خطة "الانطواء" (أو الانسحاب الأحادي)، فقد تم الانتهاء تقريباً من تشكيل الائتلاف الحكومي، الذي أقلع بأربعة أحزاب (كديما والعمل وشاس والمتقاعدون)، بعد التوافق على الخطوط العامة لسياسة الحكومة المقبلة، وضمنها خطة إيهود أولمرت للانسحاب الأحادي من الضفة.
أفرزت الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية شرذمة إضافية للخارطة السياسية، وما بدا في انتخابات العام 2003 وكأنه بداية لاستعادة قوة الحزبين الأكبرين التقليدين بعد انهيارها، تم نسفه في هذه الانتخابات، ليظهر حزب "كديما"، وهو خليط من الحزبين، وبقوة هزيلة، من ناحية، وتثبيت محدودية قوة "العمل"، وانهيار منافسه التاريخي حزب الليكود، من ناحية أخرى.
الصفحة 15 من 81