المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أعاد "المزارع ورجل الأعمال" جلعاد شارون، نجل رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق أريئيل شارون، ضمن مقال له بمناسبة ذكرى يوم الاستقلال الإسرائيلي (صادف في 24 نيسان 2007) ظهر في صحيفة "هآرتس" غداة يوم الذكرى السالف (25 نيسان 2007) التذكير بأن هناك "قضايا كبرى" تواجهها إسرائيل، أهم من قضايا الفساد المالي والأخلاقي، التي لا يعتبر هو نفسه معفيًا منها، وهي قضايا ذات صبغة إستراتيجية محض. وتمحور، من ثمّ، حول قضية واحدة منها هي بتعبيره "إسرائيل والمواطنون العرب"، ليخلص إلى نتيجة مؤداها أنه لا ينبغي أن يعلو صوت على صوت يهوديّة إسرائيل.

وفي سياق ذلك اعتبر شارون الابن أن حقيقة كون العرب في إسرائيل مواطنين في الدولة اليهودية وليسوا مواطنين في دولة عربية هي "خطأ تاريخيّ"، وأنّ "الدبق" الذي يجعل العرب ملتصقين بـ"مواطنتهم" هو "ما بلغته إسرائيل من شأو وتطوّر اقتصادي واجتماعي، حيث يوجد فيها جهاز صحيّ جيّد وتأمين وطني ورسوم بطالة وحرية تعبير...إلخ".

ومن وجهة نظره فإنّ الهدف الأسمى لإسرائيل ينبغي أن يظلّ تكريس غالبية يهودية بين مواطني إسرائيل إلى الأبد، بينما يتوجب على الأقليات أن تكون موالية بصورة مطلقة للدولة اليهودية، بحيث تؤدي جميع الواجبات وتهنأ بجميع الحقوق "مثل الدروز وقسم من البدو والشركس".

وكنموذج للعمل في اتجاه ترسيخ الغالبية اليهودية الأبدية يقترح شارون الابن استبدال مواطنة عرب أم الفحم، باقة الغربية، الطيبة، جلجولية، كفر برّا إلخ... حتى كفر قاسم، بما يشمل البلدة الأخيرة أيضًا.

وتزامن هذا "النموذج" مع تداول وسائل الإعلام الإسرائيلية أنباء مفادها أنه بعد تجميد خطة رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، المسماة بـ"خطة التجميع/ الانطواء"، والتي تضمنها البرنامج السياسي لـ"كديما"، يعكف عضو الكنيست المستوطن عوتنيئيل شنلر (كديما) على دراسة خطة جديدة تتضمن رسم مسار جديد للخط الأخضر من أجل "إحداث تغيير ديمغرافي حادّ".

ورغم أن شنلر يعرض خطته المتضمنة وعوداً بالإغراءات الاقتصادية على سكان المثلث، ويقترح تطبيقها بشكل تدريجي بالإقناع والإغراء، إلا أن الخطة تعتمد أساسًا على شرعنة ضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل من خلال مصادرة الحقوق المدنية للفلسطينيين في المثلث، وتحويلهم إلى "مواطنين في حالة خاصة"؛ مقيمين في إسرائيل وتابعين إلى السلطة الفلسطينية.

وجاء في الخطة، التي كانت صحيفة "يديعوت أحرونوت" (28 نيسان 2007) أول من كشف النقاب عنها، أن شنلر يعرض إعادة رسم حدود الرابع من حزيران 1967، بحيث يتم ضمّ منطقة المثلث (وادي عارة) إلى السلطة الفلسطينية، مقابل ضم الكتل الاستيطانية الكبيرة في إطار "تبادل أراض".

وبحسب شنلر فإن العرب الذين ستشملهم الخطة لن يكون في وسعهم نقل أماكن سكناهم إلى مناطق أخرى في البلاد، كما لن يكون في وسعهم إقامة مصالح وأعمال اقتصادية في إسرائيل، وبإمكانهم العمل في المدن الإسرائيلية ولكن شريطة الحصول على تصاريح خاصة.

ويعرض شنلر استكمال الخطة المذكورة خلال 20- 30 عامًا، يتم خلالها، في حال التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية وضم الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، تحويل سكان المثلث إلى مواطنين في حالة "خاصة"، يكونون بموجبها مواطنين في إسرائيل، وفي الوقت نفسه جزء من الدولة الفلسطينية.

وبحسب الصحيفة يدعي شنلر أنه لن تتم مصادرة كافة حقوق الفلسطينيين في المثلث، مثل التأمين الوطني والتأمين الصحي، إلا أنه لن يكون في وسعهم تغيير أماكن سكناهم إلى أي مكان في البلاد خارج المثلث. كما يدعي شنلر أنهم سيحصلون على امتيازات اقتصادية خاصة.

ونقل عنه قوله إنه يعمل على رسم خط ديمغرافي حقيقي. وقال: "في حال أعطيت المنطقة أفضلية اقتصادية فإن ذلك سيكون دافعًا لجعلهم في مقدمة الاقتصاديين بين أوساط الشعب الفلسطيني. فهناك الكثير من الهيئات الفلسطينية التي نشرت أن العرب في إسرائيل يفضّلون ألا يعيشوا كمواطنين في الدولة اليهودية. ولذلك أقترح أن تتمّ العملية بشكل بطيء ومنظم".

أما بالنسبة للولادات الجديدة في المثلث، فيقترح شنلر أن يحصل المولود على شهادة ولادة خاصة، بالإضافة إلى شهادة فلسطينية.

وأضاف شنلر أنه يسعى إلى الفصل بين الإسرائيليين وبين المواطنين في الدولة الفلسطينية. وقال: "نحن نريد دولة يهودية، لذلك فإن العرب في المثلث لن يكون في وسعهم الانتقال إلى مدن أخرى في إسرائيل". وتابع أن خطته تنطلق من رغبته في بناء "بيت قومي لليهود".

وبحسب شنلر، المقرب من إيهود أولمرت، فإنه لم يطلع الأخير على تفاصيل خطته التي لم تكتمل بعد.

ويؤكد شنلر أنه منكبّ على استكمال الحسابات الديمغرافية المختلفة، التي تتناول إحصائيات مرتبطة بالولادة والاقتصاد، كما على وضع أجوبة لعدد من القضايا مثل "ماذا نفعل مع عائلة من أم الفحم يسكن بعض أفرادها في الجليل الغربي؟"، على حدّ قوله.

وبحسب "يديعوت أحرونوت" فإن هناك تشابهاً كبيراً بين خطة شنلر وبين خطة أفيغدور ليبرمان، الذي لا يني يطالب بفصل المثلث عن إسرائيل وضمه إلى السلطة الفلسطينية. أمّا شنلر نفسه فيؤكد أنّ الفرق بين الخطتين هو أن خطته تمتد على 30 سنة، في حين يطلب ليبرمان تنفيذها فورًا.

من نافل القول إنّ جوهر خطة شنلر أو خطة ليبرمان يعتمد على شرعنة ضم الكتل الاستيطانية في الضفة الغربية إلى إسرائيل من خلال مصادرة حقوق الفلسطينيين في المثلث بشكل تدريجي وتحويلهم إلى مقيمين في إسرائيل ومواطنين في السلطة الفلسطينية، من خلال وعود بإغراءات اقتصادية تجعل المثلث "هونغ كونغ" الدولة الفلسطينية، على حد قول شنلر، وذلك في إطار "الحرب الديمغرافية" المعلنة على الفلسطينيين في الداخل، والذين تصفهم المؤسسة الإسرائيلية بأنهم "خطر استراتيجي على يهودية الدولة".

ومن السهل ملاحظة ما تنطوي عليه هذه المقترحات والخطط من استبطان لإرث شارون الأب.

ولعلّ المؤرخ والصحافي الإسرائيلي توم سيغف كان الأكثر إصابة للهدف حين كتب من جملة المعلقين والمحللين الذين كتبوا، وهو يخطّ رسمًا بيانيًا لما اصطلح على تسميته بـ"تركة شارون" أو "وصيته السياسية" فور أن أضحى غيابه عن الساحة السياسية الإسرائيلية من "الأسرار المفضوحة"، يقول: لم يرَ ابن المزارعين من كفر ملال (المقصود أريئيل شارون) في الجيوش العربية خطراً أساسيًا على إسرائيل: فالخطر الأكبر كان يتبدّى له من العرب المقيمين في أرض إسرائيل. وقال ذات مرة "إنني لا أكره العرب، ولكنني على وجه اليقين أؤمن عميق الإيمان بحقوقنا التاريخية على أرض إسرائيل وهذا يفاقم بشكل طبيعي من موقفي تجاه العرب". وهو يقصد عرب البلاد. لقد كانوا العدو الأساس له، مدنيين كانوا أم عسكريين، إذ لم يعتد شارون التمييز بينهم. فقد رأى في هؤلاء وأولئك خطرًا على الهوية القومية لإسرائيل ("هآرتس"، 13/1/2006).

أضاف سيغف: ...وشارون لا يختلف في ذلك عن الآخرين (من القادة الصهاينة). فمنذ اليوم الأول لبدء مشروعها في فلسطين أدركت الحركة الصهيونية أنها ستواجه مقاومة عربية. ومنذ اللحظة الأولى التي وصل فيها الطلائعيون لم يكفّ اليهود في البلاد عن السجال فيما بينهم عن أفضل طريق للتعايش مع "المشكلة العربية". وقد درسوا كل احتمال يقع بين ترحيل العرب إلى مناطق أخرى وإقامة دولة ثنائية القومية، كما اختبروا كل احتمالات تقسيم البلاد، ولكنهم (في خضم ذلك) أجمعوا على مبدأ أساس: أرض أكثر وعرب أقل!

إنّ إصابة الهدف هنا أعني فيها على وجه الخصوص، من جهة تسمية "تركة شارون" باسمها الحقيقي، ومن أخرى وضع هذه الـ"تركة" في سياقها الطبيعي، الذي يؤصل الأشياء بإعادتها إلى جذرها- وهو تعاطي الحركة الصهيونية مع "المشكلة العربية"، من منطلق مسبق البرمجة ومسبق الأدلجة، ينسحب على شارون كذلك.

وفي اشتداد السياسة الإسرائيلية الرسمية مؤخرًا حيال المواطنين العرب تحديدًا، خبثًا ولؤمًا، تضييقًا وتقتيلاً، يكمن الدليل القاطع الذي يؤكد موقف شارون السالف، بقدر ما يؤكد أنه موقف تسلسلي، بالنسبة لذريته وأنصاره على حدّ سواء.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات