ليس ثمة شكّ في أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، اريئيل شارون، يلعب في الوقت الضائع. فأغلبية اعضاء حزبه لم يعودوا يثقون بقدرته القيادية، وهم ينتظرون اللحظة المناسبة للاطاحة به. كما ان الغالبية الساحقة من اليمين سواء داخل الليكود او خارجه لم تعد ترى فيه الزعيم القادر على ايصال سفينتهم الى بر الأمان. ومع ذلك، وخلافاً لكل المعايير والتقديرات المنطقية، يواصل شارون عرض نفسه وكأنه الشخص القادر على تنفيذ المهمة المستحيلة: حسم المعركة مع الفلسطينيين وإلحاق الهزيمة بهم و"تحقيق السلام" عبر خطة الفصل، ومن دون تقديم تنازلات جوهرية.
ومن المقرر أن يعرض شارون بعد أيام خطة الفصل على الكنيست بهدف تجنيد شرعية برلمانية تتيح له القفز على افتقاره للشرعية الحزبية. ورغم ان استطلاعات الرأي تظهر ان الجمهور الإسرائيلي، على الورق، لا زال يمنحه التأييد، وهو رئيس الوزراء الاكثر شعبية، فإن شارون يخشى تجريب حظه مرة أخرى. فاستطلاعات الرأي عند شارون، كما عند شمعون بيريس، هي كالعطر تستطيع ان تشمه ولكن لا ينبغي تذوقه أو ابتلاعه.
وخشية شارون الكبرى هي من انه في الطريق لاختبار ثقة الجمهور به يمكن اولاً ان يخسر مكانته في صفوف حزبه من دون ان يضمن بقاء الجمهور الى جانبه. وهو اليوم يبرر هذه الخشية بمواقف أشد يمينية يعبر عنها في رفضه اقتراح الحل الوسط الذي يعرضه عليه كثيرون، وبينهم وزراء، بالقبول بإجراء استفتاء شعبي. فهو يقول لمن يريد أن يسمع ذلك إن القبول اليوم بإجراء استفتاء من أجل إقرار خطة الفصل يعني القبول بإجراء استفتاء من أجل القدس ومستوطنات الضفة لاحقا. وكأنه بذلك ينصح المستوطنين بسحب اقتراح الاستفتاء خشية إقرار سابقة قد تقضي لاحقاً على المشروع الاستيطاني برمّته.
وكما يبدو، فإن شارون لا يزال حتى اللحظة يرفض هذا الاقتراح. غير انه ليس هناك ما يضمن استمرار إصراره على هذا الموقف. فقد سبق له أن عارض الاستفتاء الداخلي في الليكود، لكنه سرعان ما اضطُر لقبوله، حتى إن رفض نتائجه. ومن الواضح ان الاستفتاء الذي عُرض في البداية من جانب المستوطنين كخطة اعتراضية سرعان ما تحوّل الى مشروع سياسي ليس فقط لمعارضي شارون، وإنما لكل من يحاولون توفير سلّم له للهبوط عن الشجرة. وفي نظر الكثيرين فإن الاستفتاء يشكل الآن المخرج الضروري من الازمة التي تعيشها إسرائيل والتي تتمثّل بعدم استعداد قسم من الإسرائيليين لقبول موقف القسم الآخر، والميل المتناقض لادعاء تمثيل الاغلبية.
ورغم أن حزب المفدال كان الحزب الائتلافي الاول الذي عرض القبول بإجراء استفتاء شعبي على خطة الفصل كشرط لبقائه في الحكومة، فإن وزيرة التعليم، ليمور ليفنات، عرضت ذلك ايضا كمخرج من الازمة وفي ذلك اكثر من اشارة الى ان فكرة اجراء استفتاء باتت تتغلغل في صفوف الليكود ايضاً. ومن المحتمل ان ذلك سيخلق زخما شعبيا يجعل من رفض شارون للفكرة مجرد عناد لا يدل على حكمة. ومع ذلك فإن المبررات التي يعرضها شارون قد ترضي بعض المعارضين للاستفتاء ولكنها لا تقنع الآخرين. فرفض شارون للاستفتاء يعني من الوجهة العملية رفض ايجاد مخرج آخر. فالازمة الحكومية الاسرائيلية الراهنة والتي تتمثل في انعدام السبل امام تشكيل حكومة اخرى تفرض واحداً من حلين: إما استفتاء شعبي على خطة الفصل يحيّد النزاع داخل الليكود واليمين، وإما خوض انتخابات جديدة. ومن الواضح ان الكثير من قادة الليكود، وخصوصاً بنيامين نتنياهو، يؤيدون الاستفتاء لانه يمنحهم فرصة لكسب الوقت. فهم لا يريدون إجراء انتخابات مبكرة تقود الى قيام الأميركيين بمطالبة الزعماء الجدد لليكود بتنفيذ خطة الفصل. وهم يتمنون في قرارة أنفسهم أن يحسم شارون هذه المسألة في عهده وليس في وقت آخر، سلباً أم إيجاباً.
وشارون يعرف أن القضية الآن لم تعد مجرد خطة الفصل، بل هي بقاؤه على رأس الحكومة. فقريباً جداً ستعرض الحكومة ميزانيتها العامة للتصويت في الكنيست. وشارون الذي تلقّى في الكنيست صفعتين قويتين قبل اسبوع يجد نفسه مهاناً وعاجزاً عن تقديم نفسه كقائد إن لم يفلح خلال وقت قصير بإعادة ترتيب الامور داخل حزبه.
ومن الواضح أن شارون عاجز عن جلب حزب العمل للحكومة، إن لم يكن بسبب قرار مؤتمر الليكود الرافض لذلك فبسبب الاشتراطات التي بات حزب العمل يضعها. كما ان حزب العمل نفسه يجد أنه مع اقتراب موعد تقديم الانتخابات من الافضل له ان يكون بعيداً عن الحكومة الفاشلة. ورغم سعي حركة شاس الى الدخول الى الحكومة بكل ثمن، فإنها لا زالت تصرّ على أن تنال ثمناً واحداً فقط، وهو إخراج قادة حركة شينوي من الحكومة.
وإزاء هذا الوضع، يمكن القول بدرجة من الثقة إن وضع حكومة شارون تعقد بدرجة تكفي للحديث ليس فقط عن استحالة بقاء الوضع الراهن على حاله، وإنما كذلك استحالة تحريك الحكومة الحالية في أي اتجاه. وإذا كان الاستفتاء الشعبي كفيلاً بمنح الحكومة الحالية نوعاً من الهدنة القادرة على توفير بعض الوقت وإطالة عمرها، فإن الاستفتاء لا يحل كل المشكلة. ومن الوجهة العملية يمكن القول إن الليكود بعد الاستفتاء سيعمل، أياً كانت النتيجة، على الإطاحة بشارون.
وهكذا، يقف شارون امام مفترق الطرق الاصعب في حياته: الاستفتاء الشعبي الذي يمنحه الوقت للخروج بكرامة من الحكم، أو تقديم موعد الانتخابات وتعريض نفسه لإهانة مدوّية في الليكود. ويرى كثير من المعلقين الاسرائيليين أن شارون افتقد الحكمة الداخلية التي حاول في بداية عهده انتهاجها وأنه في الآونة الاخيرة ينتقل بسرعة من حماقة إلى أخرى.
المصطلحات المستخدمة:
اريئيل, الليكود, شينوي, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو