* الشرق الأوسط غير جاهز لأن يصبح جزءًا من عملية العولمة *
(*) الكتاب: فصول في جيو سياسية الشرق الأوسط
(*) المؤلف: أرنون سوفير
(*) إصدار: منشورات وزارة الدفاع الإسرائيلية، 2007
يعدّ البروفيسور أرنون سوفير، الأستاذ في قسم الجغرافيا في جامعة حيفا والخبير في الديمغرافيا، أحد أبرز المنظرين ليهودية إسرائيل وواضع مخططات تهويد المناطق ذات الأغلبية العربية وأبرزها مخطط تهويد الجليل. ويواصل سوفير في كتابه الجديد هذا "فصول في جيو سياسية الشرق الأوسط" الصادر عن منشورات وزارة الدفاع الإسرائيلية مؤخرا، دعواته إلى الحفاظ على يهودية إسرائيل وتهويد المناطق التي لا توجد فيها أغلبية يهودية ورسم حدود لإسرائيل بناء على الواقع الديمغرافي.
ويعتبر سوفير في كتابه الجديد أن القضايا البيئية وتلك المتعلقة بالثروات الطبيعية والتزايد السكاني والبحث عن أماكن سكن وتوفير فرص عمل لمواطني الدول العربية المجاورة لإسرائيل تشكل تحديا على إسرائيل مواجهته. وواضح من سياق الكتاب أن المقصود بكلمة "تحديات" هي كلمة "أخطار". وتجدر الإشارة، إلى أن سوفير كان قد قدم هذا الكتاب على شكل محاضرات ضمن برنامج "جامعة على الهواء" الذي يتم بثه مساء كل يوم في إذاعة الجيش الإسرائيلي.
ويوضح سوفير في مقدمة الكتاب معنى مصطلح "جيو سياسي" أو "جيوبوليتيكا" ويشير إلى أن هذا المجال العلمي يبحث في "العلاقة بين الجغرافية وبين السياسة والعلوم السياسية والعلاقات الدولية والأمن القومي طبعا. وهناك من يطلق أو يفضل تسمية هذا المجال جيو- إستراتيجية". ويبحث الكتاب في العلاقة بين جغرافية الشرق الأوسط والسياسة الإقليمية ويسعى لوضع تصور لمحاولة فهم شكل هذه العلاقات وتأثيرها على إسرائيل وأمنها.
يشير سوفير إلى مكانة منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للعالم، حيث تتركز أهميتها في العصر الحديث، إضافة إلى كونها مفترقا دوليا هاما، بالنفط. ويشكل النفط في الشرق الأوسط 70% من مجمل احتياطي النفط في العالم. واعتبر المؤلف أن الأهمية الإستراتيجية البالغة للنفط بالنسبة لدول العالم، وخصوصا الدول المتطورة، تفسر الغزو الأميركي إلى العراق وهي أحد أسباب التخوف من حيازة إيران على سلاح نووي واهتمام الغرب باستقرار النظام في السعودية. وسبب ثالث يجعل الشرق الأوسط منطقة هامة هو أنه مهد الديانات السماوية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلامية.
ويصف سوفير التزايد السكاني في الدول العربية المحاذية لإسرائيل بأنه "ديمغرافيا ضاغطة" وأنه "يحاصر إسرائيل من جميع الجهات". ويرى أن المشروع المصري لشق قناة مياه يقول إنها ستصل إلى شمال شبه جزيرة سيناء بهدف إنشاء تجمعات سكنية تعتمد على الزراعة سيؤدي إلى إغراق إسرائيل بلاجئين يتسللون إليها. فهذه البلدات، بحسب سوفير، سيسكنها فلاحون مصريون يعيشون في فقر مدقع مقارنة بالمزارعين الإسرائيليين "ولذلك فإنه سيكون أمامهم إغراء كبير للدخول إلى إسرائيل من أجل كسب الرزق". ويدعو سوفير السلطات الإسرائيلية إلى العمل على منع تسلل هؤلاء الفلاحين إلى إسرائيل. ويستغل سوفير تسلل مواطنين سودانيين من إقليم دارفور وأعمال تهريب نساء وعمال أجانب إلى إسرائيل عبر الحدود مع مصر لإثبات نظريته هذه. ويدعو السلطات إلى مواجهة هذا "الخطر" منذ الآن "لمنع إغراق إسرائيل بالأجانب من دول ومناطق مجاورة لها".
كذلك يعتبر سوفير أن هذا الوضع يترافق مع مشكلة أخرى "ذات بعد إستراتيجي" وهي أنه "كلما أخذت تجمعات سكانية عربية - إسلامية تقترب من حدود الدولة، تتحول إسرائيل إلى جسر يتم عبره تمرير مخدرات وأسلحة وبضائع مسروقة، وكذلك مواد متفجرة وحتى بشر، كجزء من المتاجرة بالنساء". ويصل تعاطي سوفير مع قضية الديمغرافيا والتوزيعة السكانية حد الهوس. فهو يدعو السلطات إلى توزيع السكان اليهود في كل مناطق إسرائيل لمنع دخول مواطنين من دول مجاورة إليها. وكتب أنه "يتوجب أن يكون واضحا أنه إذا لم يستوطن اليهود في كل ركن في البلاد فسيسكن هناك آخرون: سيدخل السودانيون إلى جبل حريف (عند الحدود مع مصر)، وسيدخل الفلسطينيون إلى كرم أبو سالم، وسيدخل لبنانيون وسوريون وآخرون إلى الجليل، وفي النقب سيفعل البدو كل ما يحلو لهم. وإذا لم نقم بتوزيع السكان اليهود في جميع أنحاء البلاد سنتحول إلى دولة عالم ثالث مع كل المشاكل المتعلقة بذلك، بما في ذلك تدهور جودة البيئة وحتى تل أبيب ستصبح مدينة ملوثة مزدحمة وغير مريحة".
ويؤكد سوفير على أفكاره اليمينية من خلال استخدامه مصطلحات جغرافية غير معترف بها في أي مكان في العالم، مثل مصطلح "أرض إسرائيل". ليس هذا وحسب، بل هو يعتبر أن "أرض إسرائيل" تشمل المناطق الواقعة غرب نهر الأردن وشرقه، وهي مصطلحات لا يستخدمها سوى غلاة اليمين المتطرف في إسرائيل. لكنه في موازاة ذلك يشير، وربما بمفهوم ما يشخّص، الوضع الديمغرافي في هذه المنطقة ليطرح حلا يتناسب مع أفكاره. وبحسب المعطيات التي يوفرها سوفير فإنه "في العام 2005 كان يسكن أرض إسرائيل الغربية 3ر5 مليون يهودي ونحو 300 ألف روسي و4ر1 مليون عربي إسرائيلي. ويسكن إلى جانبهم 4ر1 مليون في قطاع غزة و5ر2 مليون عربي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)- ومجموعهم 3ر5 مليون عربي إلى جانب 3ر5 مليون يهودي. هل يمكن اعتبار أرض إسرائيل في هذه الظروف دولة يهودية؟". أما الحل الذي يطرحه فهو حل يؤيده الكثيرون من صناع القرار في إسرائيل بمن فيهم رئيس الحكومة الحالي ايهود أولمرت الذي كان سوفير أحد مستشاريه في إعداد "خطة الانطواء" التي كان ينوي تنفيذها في الضفة الغربية. ويقضي الحل "بالتنازل عن أراض ليبقى اليهود في دولة إسرائيل أغلبية كبيرة".
ويخلص سوفير في قضية حدود إسرائيل إلى أنه يتوجب رسم حدود دائمة. لكنه يرى أن هذه الحدود يجب أن تأخذ بالاعتبار الناحية الديمغرافية وضم أكثر ما يمكن من المستوطنات اليهودية. ويؤكد في هذا السياق على أنه لا يمكن لإسرائيل أن تستمر بالوجود من دون أن تكون دولة ذات أغلبية يهودية.
من جهة أخرى يشير سوفير إلى أن قضية اللاجئين الفلسطينيين هي مشكلة تشكل تحديا لإسرائيل وخطرا على مستقبلها. ويقول في هذا السياق إنه لا يوجد بين اللاجئين "لا في لبنان ولا في سورية ولا في أي مكان آخر من سلّم مع وضعه كلاجئ، وجميعهم يتحدثون عن العودة إلى تخوم إسرائيل".
ويتناول سوفير قضية المياه في المنطقة بتوسع. ويعتبر أن الآبار الارتوازية في الضفة الغربية مشتركة للفلسطينيين وإسرائيل ويؤكد على أن استخدام الإسرائيليين لهذا المخزون المائي أكبر من استخدام الفلسطينيين له. ويشير إلى أن كل يهودي يستخدم ما بين 100 إلى 120 مترا مكعبا من الماء في كل سنة فيما يستخدم العربي ثلث هذه الكمية. ويعزو أسباب هذا الفرق في استخدام الماء بين اليهودي والعربي إلى أسباب اجتماعية وحضارية ومستوى الحياة لكنه يتجاهل أن إسرائيل تسرق المياه في الضفة لصالح المستوطنين وللتجمعات السكانية في وسط إسرائيل.
لكنه يدعي أن الفلسطينيين يلوثون هذه الآبار الارتوازية. ويرى أنه سيكون على إسرائيل التوقف عن استخدام هذه المياه والتحول إلى تحلية مياه البحر فيما يواصل الفلسطينيون استخدام المياه الطبيعية الجوفية. ويعدد سوفير أسبابا أخرى لضرورة تحلية إسرائيل مياه البحر بينها التزايد السكاني في جنوب لبنان وتزايد استخدامهم لمياه نهر الحاصباني ووادي العيون واحتمال استغلال السوريين لكميات أكبر من مياه نهر اليرموك بسبب تزايد عدد السكان في منطقة دمشق "ولا شك أن هذا الأمر سيأتي على حساب الأردن وإسرائيل".
ولا يتوقع سوفير حدوث تطورات في المجتمع العربي في الشرق الأوسط باتجاه ظاهرة العولمة، التي يعتبر أن بين مميزاتها انخفاض التزايد الطبيعي أو ارتفاع نسبة النساء اللاتي يعرفن القراءة والكتابة ومنح حريات للمواطنين خصوصا في مجال التعبير عن الرأي. ويقول إنه "لا توجد مؤشرات لتوقع حدوث تطور كهذا في الشرق الأوسط الإسلامي في المستقبل المنظور. إن الصورة ليست مشجعة في كل ما يتعلق بتبني العالم العربي لنماذج العولمة. ولذلك فإن الشرق الأوسط لا يشكل، كما أنه غير جاهز، لأن يكون جزءا من عملية العولمة".
ورغم موقفه هذا إلا أن سوفير يحذر من إقدام دول عربية، خصوصا تلك القريبة من إسرائيل، على تطوير بنية تحتية متطورة، مثل إنشاء موانئ وبتاء منشآت للنفط والغاز وتفعيل محطات توليد كهرباء وإقامة مطارات وتوسيع مسارات جوية يقترب بعضها من أجواء إسرائيل. ويستغل سوفير أحداث 11 أيلول في الولايات المتحدة للتحذير من إقامة العرب لهذه البنية التحتية والمشاريع.
كما في جميع كتبه ومقالاته ومحاضراته يستعرض سوفير في كتابه الجديد المشاكل التي تواجهها المنطقة بالاستناد إلى معطيات، وفي كثير من الأحيان يستند إلى "أنصاف معطيات" ويتجاهل معطيات عديدة خصوصا إذا كانت متعلقة بممارسات إسرائيل. وهو يهدف من وراء ذلك إلى الامتناع عن وضع حلول تليق بباحث وإنما وضع "نبوءات سوداء" لحشد رأي عام في إسرائيل يكون معاديا للعرب ولا ينظر إلا إلى مصلحة إسرائيل الضيقة وعزلها عن محيطها، إذ يعتبر سوفير أن إسرائيل هي "جزيرة غربية متنورة في الشرق الأوسط"، الذي يعتبره منطقة متخلفة وإن لم يستخدم هذه الكلمة في دراساته. وهو يريد أن تكون إسرائيل في هذه المنطقة لكن من دون أن تنتمي إليها.