رام الله: صدر حديثا عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، كتاب يقع في 270 صفحة بعنوان "قراءة إيران في إسرائيل: الذات والآخر، الدين والحداثة"، لمؤلفه د. حجاي رام وترجمة جواد الجعبري.
يعالج الكتاب على نحو معمق صورة إيران في المرآة الإسرائيلية، عبر قراءة لجذور العلاقة في حقبة الشاه، وصولاً إلى الفترة الحالية، كاشفاً مسببات الانشغال الإسرائيلي بالحالة الإيرانية، وما يَدْمَغُها من تنميط.
يروي حجاي رام (محاضر كبير في قسم الدراسات الشرق أوسطية في جامعة بئر السبع) العلاقة البنيوية لإسرائيل مع نظام الشاه، والخلفيات الاقتصادية والمنفعية لها، وما اعتراها من إسكات لبعض أوجه العلاقة، وما أسفر عنه ذلك من قراءة أحادية جعلت تغييرات ثورة 79 مفاجئة لإسرائيل.
الكتاب يفكك الخطاب الإسرائيلي حول إيران، كخطاب استشراقي، ليقدم قراءة موضوعية لديناميات الحراك السياسي داخل إيران، ودوافع ثورة الخميني وما يقف خلفها من قوى ومركبات قومية ودينية، وما تحمله من خطاب، دون تجميل ودون تشويه.
قراءة إيران في إسرائيل وثيقة أيضاً بقراءة إسرائيل لنفسها في إطار علاقة الدين بالدولة، وتدخل شيطنة النموذج الإيراني في إطار بناء المعارضة الداخلية للحركات الدينية في إسرائيل.
قدم للكتاب أنطوان شلحت ومن مقدمته نختار:
يقدّم الباحث الإسرائيلي حجاي رام في هذا الكتاب قراءة نقدية غير مسبوقة على المستوى الإسرائيلي في الخطاب التأويلي بشأن إيران، الذي نما وتطوّر في إسرائيل خلال الأعوام الفائتة. وإلى جانب تفكيك البنيات الاصطلاحية التحتية لهذا الخطاب، وكشف صلته الوثيقة بنظم القوّة والهيمنة وإعادة إنتاج الرأي والمواقف في إسرائيل، فإنه يضع أمام القارئ حقيقة أن الخطاب الإسرائيلي الرائج حول إيران "مشتقّ أساسًا من السيرورات التي يخضع لها المجتمع الإسرائيلي في هذا الصدد، منذ نهاية السبعينيات في القرن الماضي"، وفقما يؤكد المؤلف، أي منذ نهاية فترة حكم الشاه وصعود النظام الحالي إلى سدّة الحكم في إيران.
وحجاي رام هو محاضر كبير في قسم الدراسات الشرق أوسطية في "جامعة بن غوريون" في بئر السبع. وقبل هذا الكتاب نشر العديد من الدراسات حول التاريخ الثقافيّ والسياسيّ للشرق الأوسط وإيران في القرن العشرين. كما صدر له في العام 1994 عن منشورات "الجامعة الأميركية في واشنطن العاصمة" كتاب بعنوان "الأسطورة والحراك في الثورة الإيرانية".
يستعين رام، هنا، بالعديد من النظريات الما بعد بنيوية وخصوصًا نظرية إدوارد سعيد حول الاستشراق لوضع الخطاب الإسرائيلي حول إيران في سياقٍ نظريّ محدّد. بيد أنّ قيمته الإضافية الحقيقية تكمن في إظهاره أنّ منظومة التصاوير والتمثيلات التي تكوّنت حيال إيران ما بعد الشاه مرتبطة، ضمن أشياء أخرى، بالمخاوف الوجودية المعششة لدى "وكلاء المعرفة والهيمنة" الإسرائيليين من مغبّة انعكاس بعض الظواهر الملازمة للثورة الإيرانية على إسرائيل، لناحية تعزيز نزعات "حردنة" (من الحريديم، أي اليهود المتدينين المتشددين) و"شرقنة" المجتمع اليهودي فيها. وتأسيسًا على هذا فإن الجهود المنصرفة بكليتها نحو إقصاء إيران قسرًا إلى تخوم "الآخرية الراديكالية" إنما تعكس أساسًا رغبة دفينة في إقصاء ما يسمى "العفريت الطائفي والأصولي" من المجتمع الإسرائيلي، وذلك لمصلحة توكيد الطابع المتجانس المتخيّل لهذا المجتمع الذي يعجّ بالمتناقضات، أكثر مما تعكس حقيقة نوايا نظام الحكم الإيراني وسياسته الخارجية والداخلية.
وفي وصوله إلى هذه الخلاصة، على وجه التحديد، يعتبر هذا الكتاب مرجعًا لا استغناء عنه لجميع المهتمين بمورفولوجيا (تشكّل وتكوين) المجتمع الإسرائيلي، فضلاً عن كونه معينًا لتحليل دور إسرائيل في الشرق الأوسط، عموماً.
من شأن عنوان الكتاب "قراءة إيران في إسرائيل" أن يثير للوهلة الأولى تداعيات حول ما يسمى بـ"التهديد الإيراني"، الناجم عن سعي إيران في الأعوام القليلة المنصرمة إلى امتلاك قدرة نووية. ورغم أن المؤلف لا يقلل من "خطورة التهديد الإيراني"، إلا أن سعيه الأرأس هو نحو إيضاح الجذور الثقافية الراسخة في المجتمع الإسرائيلي، التي تقف من خلف الاشتغال الاستحواذي بهذا الموضوع، وكذلك إيضاح التنميطية والجهل الصارخين اللذين يسمان هذا الاشتغال المتواتر.
إنّ حجاي رام هو، باعترافه، أحد المناصرين لمقولة المفكر إيميه سيزار المناهض للكولونيالية بأن "المعارف المتخيّلة تولد من رحم الصمت الهادر للمعارف العلمية". وفي ضوء ذلك فإنه في موازاة القراءة التفصيلية، المعمقة، لـ"المعارف المتخيّلة" والملفقة بشأن إيران والتي تتجنّد من أجل إنتاجها وترويجها "كتيبة مختارة" من الباحثين والأكاديميين والساسة والإعلاميين الإسرائيليين، يقدّم قراءة، لا أقل درايةً وتفصيلاً وعمقًا، للمشهد الإيراني بإحداثياته المختلفة والمتنوعة والمتعددة، بما يسعف المعارف العلمية المرجوّة في هذا الصدد فحسب.
المصطلحات المستخدمة: