تحت عنوان "الجمعيات غير الحكومية الفلسطينية في إسرائيل: سياسة المجتمع المدني" صدر مؤخرا عن دار النشر "طاوروس أكاديميك ستاديس" كتاب جديد للباحثة الإسرائيلية شاني بايس عن العمل الأهلي الفلسطيني في إسرائيل (داخل الخط الأخضر).
وهذا الكتاب مؤسس على رسالة الدكتوراه للمؤلفة التي عملت خلال السنوات الماضية على تجميع المواد وإجراء المقابلات لأجل انجاز هذا العمل الذي يقع في 315 صفحة، أي إصدار كبير حسب مقاييس النشر المعهودة في مثل هذه المواضيع.
هذا العمل، الذي يتناول جمعيات المجتمع المدني الفلسطيني في إسرائيل ويشمل نقاشا مطولا حول جوانب من العمل المدني وجمعيات المجتمع الأهلي، يشكل في الحقيقة أول عمل شامل (أو على الأقل يتطلع إلى أن يكون شاملا) عن هذه الجمعيات الأهلية ودورها في المساهمة في عملية التغيير الجارية على المستوى المجتمعي الداخلي وعلى مستوى العلاقة مع الآخر- اليهودي الإسرائيلي والعالمي.
تتناول المؤلفة من خلال صفحات الكتاب جوانب مختلفة من المجتمع المدني. بداية تعرض لجوانب نظرية حول العمل الأهلي وبنائه والعلاقة بينه وبين التغيير الاجتماعي- السياسي في الحيز الذي تنشط فيه الجمعيات الأهلية وبعدها تعرض في فصل مطول لتطور العمل الأهلي الفلسطيني في إسرائيل وبناء الجمعيات على مدى السنوات مع الإشارة الى التطور الكبير الذي حصل في العمل الأهلي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.
في الفصول الثالث والرابع والخامس تعرض وتحلل المؤلفة ثلاثة جوانب من العمل الأهلي والجمعيات ودورها. فهي تعرض أولا لظاهرة الجمعيات القطرية العربية الفاعلة مثل جمعية الجليل، جمعية عدالة وبعض الجمعيات النسوية الخ.... وتناقش دورها الموجه أساسا في اتجاه التأثير لأجل تغيير السياسة الإسرائيلية تجاه المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. بعد ذلك تخصص المؤلفة فصلا كاملا للجمعيات الفاعلة على المستوى المحلي كالجمعيات النسوية المحلية، الجمعيات المهتمة بوضع الفلسطينيين في المدن المختلطة كيافا وعكا وحيفا والجمعيات المعنية بخدمة المواطنين في القرى غير المعترف بها. وتشير المؤلفة في معرض سردها الى أن جزءًا كبيرًا من هذه الجمعيات هي محلية الا أنها تحمل برنامجا قطريا يتطلع الى المساهمة في عملية التدعيم القطرية لأوضاع الفلسطينيين في إسرائيل. وفي الفصل الخامس تقوم المؤلفة بعرض جانب هام ومختلف حوله في العمل الأهلي وهو الجمعيات المختلطة والمشتركة من عرب ويهود والتي تعمل على دفع عملية التغيير من خلال برامج مختلفة متعلقة بالحوار بين المجموعتين أو ببناء أجندة مشتركة للتغيير السياسي المطلوب في مجال سياسة الدولة ضد المواطنين الفلسطينيين. في الفصل السادس والأخير تعرض المؤلفة جوانب مختلفة للعمل الأهلي الفلسطيني وتناقش مدى فاعلية هذه الجمعيات ومدى تأثيرها في المجالات التي اختارتها لنفسها.
بعد العرض المختصر لمضامين هذا الكتاب الهام أود التعرض لبعض الجوانب التي كان من الممكن معالجتها بشكل أعمق أو بشكل آخر من قبل المؤلفة. فرغم تميز هذا العمل والمؤلفة من ورائه برؤيا نقدية لما هو معهود، وذلك يبرز من خلال استعمال المصطلحات والعرض والنصوص المكتوبة وكذلك من خلال تناول ونقاش دور الجمعيات الأهلية الفلسطينية في المساهمة في عملية التغيير الاجتماعي، إلا انه من الواضح أن المؤلفة تتناول النقاش مع كمية كبيرة من التعاطف مع الموضوع المعروض، كما أنها لا تناقش بقدر كاف أو على الأقل تتناول مع الكثير من الحذر مسألة الإطار العام الذي تنشأ فيه الجمعيات الأهلية وغيرها من المؤسسات، ويحدد إمكانيات عملها وتأثيرها في عملية التغيير، واقصد الدولة أو النظام الذي يتحكم فيها وبباقي مركبات الجهاز السياسي والاجتماعي العامل من تحته.
أدناه سوف اعرض لبعض جوانب العمل الأهلي الفلسطيني في إسرائيل من حيث محدداته، وكل النقاط المعروضة أدناه تم تناولها في الكتاب، لكن بالتأكيد ليس بشكل كاف وكان من المتوقع أن تكون هذه النقاط جزءًا هامًا من العرض المقدم في الكتاب، وأتمنى أن تكون نقاطًا قد تساهم في أي بحث مستقبلي حول الموضوع تجريه الكاتبة أو غيرها من الباحثين المهتمين بوضع المجتمع الفلسطيني في إسرائيل أو بالجوانب النظرية للمجتمع المدني.
أولاً- بناء المؤسسات، بما في ذلك الجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، يتم في ظل النظام العام القائم في الدولة وعادة ما تقوم هذه الجمعيات كأحد المرافق المتوافقة مع النظام الديمقراطي وكامتداد له. تقوم الباحثة في الكتاب الحالي بالهروب اللبق من هذه المسألة في أحسن الأحوال. وفي حالات أخرى تقوم بتبني رؤيا تقول إن إسرائيل تلائم بين التزامها الديمقراطي والتزامها الاثني او ما يسمى بنظام الديمقراطية- الاثنية (ص 234 مثلا) وهي محاولة للهروب من الخلاصة الأساسية في تفسير النظام الإسرائيلي والمبني على نظام التفضيل العرقي لليهود، وهو بذلك نظام اثنوقراطي وليس ديمقراطيًا أو ديمقراطيًا – اثنيًا بل نظام يفضل الانتماء الاثني وتقسيم الموارد على أساس الانتماء الاثني وليس الديمقراطي المبني على المواطنة المتساوية. والحقيقة أن مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية الأساسية مثل عدالة ومساواة وجمعية الجليل تتبنى رؤية المؤلفة بالنسبة لطابع النظام ولا زالت تراهن على الحوار مع السلطة ومحكمة العدل العليا والوزارات الأخرى الخ... وفقط قسم قليل من الجمعيات الفلسطينية توصلت إلى فهم جوهر النظام وأخذت بالعمل على أساس هذا الفهم (اتجاه، الجمعيات المقربة من الحركة الإسلامية وحركة أبناء البلد وعدد قليل آخر من الجمعيات).
ثانيًا- فهم المؤلفة الخاطىء بالنسبة للنظام يقودها إلى تبني فكرة غير حقيقية بالنسبة لإمكانية التأثير على السلطة والسياسة من قبل الجمعيات الأهلية الفلسطينية، فهي ما زالت تراهن إلى حد كبير على إمكانية الجمعيات في إحداث تغيير جدي في علاقة الدولة بالمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وهذا أمر غير ممكن في ظل النظام المبني على تفضيل المجموعة ونفي الحق الجماعي بالمساواة لمجموعة الأقلية.
ثالثًا- رأي المؤلفة حول التأثير السياسي للجمعيات ومؤسسات المجتمع الأهلي منطلق من فهمها بان ذلك هو دور هذه المؤسسات. هذا الفهم الخاطيء لدور الجمعيات نشأ في أعقاب تجربة حركة "تضامن" في بولندا. والحقيقة أن "تضامن" نشأت كجزء من المجتمع المدني لكنها تطورت الى حزب، وأصلا قامت بعمل سياسي ضد النظام الشيوعي لان هذا النظام منع التنظيم السياسي البديل والفعال وبهذا فان ظهورها على شكل مؤسسة مجتمع مدني يعود الى عدم إمكانية العمل تحت اسم الحزب السياسي. بذلك فإنه من جهة يجب التنويه بخصوصية التجربة البولندية، ومن الجهة الأخرى يجب الإشارة الى أن التغيير السياسي هو دور الحزب السياسي والنادي السياسي وليس دور الجمعيات الأهلية الذي يتمثل في تحضير الأرضية للتغيير السياسي من خلال التنمية المجتمعية والتغيير الاجتماعي.
انطلاقا من هذا الفهم من المهم التأكيد أن عددًا كبيرًا من الجمعيات الأهلية الفلسطينية في إسرائيل تقوم بأداء دور ليس لها، وبذلك فهي تساهم وبشكل غير مقصود في زيادة البلبلة في المجتمع العربي وخصوصا أن بعضها مثلا يقوم بمفاوضة السلطات والوزارات والمؤسسات الرسمية وهذا بالذات دور القيادات السياسية وليس دورها هي. كما تقوم بعض الجمعيات الأهلية "بخصخصة" مطالب الفلسطينيين في إسرائيل من المؤسسة بناء على اهتمام الجمعية، وقيامها بذلك يساهم في خلط الأدوار وتنفيس إمكانية إحداث تغيير بنيوي وجوهري في تعامل السلطة مع المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.
رابعًا- للجمعيات الأهلية، والممولة من مصادر خارجية بالنسبة للمجتمع الفلسطيني، دور هدام بالنسبة للبنى السياسية التي يجب أن تكون العامود الفقري الأساسي في تنظيم المجتمع، فالجمعيات غير ملزمة بالحاجة إلى الشرعية، ممولة من مصادر لا تهمها المصلحة الوطنية للمجموعة، وفي حالات كثيرة تسعى إلى هدم إمكانية بناء إستراتيجية وطنية شاملة وجماعية من خلال دعم الجمعيات (نتيجة لأجندة معادية او تقديس اللبرالية الفردية بالمعنى الغربي). هذه الجمعيات تنشط ويبدو ان لها دعمًا شعبيًا نتيجة للصرف الزائد على الإعلام والحضور الإعلامي (وبذلك يذهب جزء كبير من إمكاناتها على التمظهر، لا على الصرف حيثما يجب).
هذا الوضع منتشر في العالم الثالث عموما ولدى الفلسطينيين بشكل خاص (في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل إسرائيل). واضح تماما أن تعاطف المؤلفة مع موضوع بحثها افقدها الإمكانية لرؤية الجوانب السلبية والمضرة في مصلحة المجتمع في عمل الجمعيات الأهلية.
تقوم جمعيات فلسطينية كبيرة ومدعومة ماليا بشكل كبير في التركيز على العلاقة بين الدولة والأقلية الفلسطينية وتغفل فعلا عن دورها في التغيير المجتمعي. وهي بذلك تقوم بالهروب من مواجهة أمور شائكة على المستوى المجتمعي في ظل التغييرات التي يمر بها المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، وتقوم بالعمل على انجاز تغيير على مستوى العلاقة مع الدولة لان هذا المجال هو مجال إجماع ولا يتطلب الدخول في دوامات التغيير الاجتماعي العميق، وهي بذلك تلعب دورا ليس لها، من جهة (كما ذكرت سابقا) ولا تقوم بدورها الأساسي، من جهة أخرى. وهذا الأمر ينبع بالأساس من شكل إقامة مؤسسات المجتمع المدني في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل.
هذه المؤسسات أقيمت بالأساس إما من خلال مبادرة أحزاب أو ممولين خارجيين (صناديق وأصحاب أموال أميركيين وأوروبيين) أو فعالين فشلوا في أن يتبوأوا مناصب في الأحزاب السياسية او أكاديميين اجتمعوا وأنتجوا أجندتهم بغير الرجوع الى حاجات المجتمع أو التفكير الحقيقي بأجندة الجمهور الذي يجب ان تقوم الجمعيات من خلال حاجته ولخدمة وتعزيز إمكاناته. في مثل هذه الظروف حتى التفكير بان تقوم الجمعيات (في غالبيتها) بإنتاج تغيير اجتماعي واسع وشامل هو أمل غير ممكن التحقيق.
قيام الجمعيات الأهلية بتبني أجندات لا تتعلق بتعزيز المجتمع وإمكاناته او حاجاته الأساسية هو ليس صدفة، فهذه المؤسسات هي فوقية ولم تنم من "تحت" كما هي الحال في الدول الديمقراطية الغربية، بل هي بالأساس مبادرات فوقية تدار من قبل إدارة مغلقة، تعمل كمجموعة مغلقة وتدعي معرفة حاجات المجتمع، وتنتج نفسها من جديد في كل مناسبة لتغييرها. كما ان جزءًا كبيرًا من هذه الجمعيات أقيم بمبادرات أحزاب تطلعت لأن تكون الجمعيات ذراعًا لجمع الأموال ولتشغيل فعاليها (في ظل تراجع الاستعداد للعطاء المجتمعي غير المقرون بالمقابل المادي) ومن الواضح أن بعض الجمعيات الممولة بشكل هائل تعمل كمكان تشغيل وعمل لبعض الأحزاب ونشيطيها "ومثقفيها". بالإضافة إلى ذلك فإن جزءًا من هذه الجمعيات أقيم بمبادرة صناديق وفعالين أجانب أنتجوا هذه الجمعيات لتكون أداة للتأثير داخل المجتمع الفلسطيني وكوسيلة "لشراء" بعض القدرات العربية السياسية والأكاديمية لتقوم بتأدية دور الوسيط مع المجتمع العربي في حالات سياسية ممكنة (قبل الانتخابات مثلا).
النقاش السابق يقودنا الى عرض تأثير التمويل على أجندات الجمعيات الأهلية. فهل مثلا صدفة أن الجمعيات التي ترعى مسألة المواطنة والحقوق المدنية والديمقراطية وخطاب الحقوق الجماعية المنقوص (الذي يستثني "حق تقرير المصير" للأقلية الأصلية كأهم حق جماعي وخصوصا في حالة الفلسطينيين في إسرائيل، ويركز على الحقوق اللغوية، وحق التمثيل النسبي، والأوتونوميا الثقافية، والتقسيم النسبي للميزانيات، وحق التمثيل في الرموز، وهي كلها حقوق جماعية يجب أن تصان لكن ليست لها علاقة خاصة بالجماعة الأصلية) والتعايش العربي-اليهودي، هي أكثر الجمعيات الممولة من قبل جهات أوروبية وأميركية؟ في المقابل لا تلقى جمعيات تدعو إلى تعزيز الإمكانيات الداخلية الخاصة للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل والجمعيات التي تدعو إلى تغيير النظام المبني على التفضيل العرقي نحو مجتمع ونظام متساو نفس الرعاية والدعم المالي والمعنوي. طبعا الجواب واضح. هناك علاقة واضحة بين الأجندة التي تتبناها الجمعية وإمكانيات دعمها، وواضح تماما أن لكل المؤسسات الداعمة أجندات تحاول تحقيقها من خلال الجمعيات الأهلية الفلسطينية، وحتى لو ادعت الجمعيات الفلسطينية في إسرائيل بأن أجندتها مستقلة وأصرت على ذلك فإنه من الواضح أن ذلك غير منطقي بالمرة ولا يمكن فهمه علميا وعمليا وكلها دون استثناء تلائم مشاريعها للخطوط العريضة للمبادىء المعلنة للمصادر الممولة أو للتعليمات التي يتلوها ممثلو الممولين في الاجتماعات التحضيرية مع الجمعيات.
واضح تماما أن صناديق التمويل الأميركية والأوروبية تعمل في غالبيتها بتواصل مع أجندات سياسية تقوم دولها بمحاولة دفعها، وأهمها فهم هذه الدول بأن إنهاء الصراع مبني على أساس إقامة دولتين لشعبين من خلال إنهاء الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبذلك يكون مستقبل الفلسطينيين في إسرائيل محسوما في الجهة الإسرائيلية ونضالهم يجب أن يتركز حول المساواة المدنية في إسرائيل، وواضح تماما بأن الممولين في غالبيتهم يدعمون الجمعيات التي تصرح بأن أجندتها ملائمة مع هذا التصور.
من المؤكد أن غالبية الصناديق الكبيرة (أو حتى كلها) تقوم بالتشاور مع جهات إسرائيلية (يهودية) قبل إقدامها على دعم الجمعيات العربية، وواضح تماما أن جزءًا كبيرًا من هذا الدعم يوجه بناء على توصية نشطاء وقيادات سياسية يسارية إسرائيلية وغني عن القول بأن هؤلاء يوصون بجمعيات قد تفيد في المحصلة في دعم أجندتهم السياسية والاجتماعية. من هنا فانه ليس صدفة أن جزءًا كبيرًا من الدعم في السنوات الأخيرة موجه لجمعيات ترعاها أحزاب سياسية تدعم مشاركة الفلسطينيين في إسرائيل في الانتخابات أو دعمت إمكانية انتخاب إيهود باراك في انتخابات 1999 .
بعض الدعم المحدود يأتي من صناديق يهودية وإسرائيلية (جزئيا على الأقل) مثل الصندوق الجديد لإسرائيل وصندوق أبراهام وصناديق أخرى لا حاجة لذكرها هنا. وواضح تماما أن لهذه الصناديق أجندة سياسية/ اجتماعية تلائم تصورها، وهي بالأساس مقربة إما من الإجماع اليهودي الصهيوني أو من اليسار الصهيوني، وتعمل على تحقيق أجندة ملائمة لذلك. هذه الصناديق غير معنية بتغيير عميق يؤدي إلى مواجهة مع السلطة والنظام المبني على التفضيل العرقي وهي تدقق في اختيار مشاريع لن تؤدي حتما إلى ذلك. وبذلك فهي تقوم بتوزيع دعمها الموجه للفلسطينيين إلى جمعيات تتماشى مع أجندتها وبالتأكيد لا تتعارض معها.
أخيرًا، يرى كتاب شاني بايس النور وهناك بداية تململ من الجمعيات ودورها وأجندتها على مستوى الشارع الفلسطيني في إسرائيل. يرتكز هذا الوضع على أساس فهم محدودية قدرة الجمعيات على إحداث تغييرات جذرية وكونها لا تمثل أجندة مجتمعية بل نخبوية/ فوقية محدودة. كما أنه من الواضح أن ظواهر فساد واضحة تدب في بعض الجمعيات الأهلية، كما انه يزداد تعمقا الفهم بأن الجمعيات لا تسهم في خلق حالة وطنية اجتماعية بديلة للحالة التي أنتجتها الأحزاب المبنية على مصالح قادتها، لا على حاجة المجتمع الحقيقية. بل هي تزيد من حالة التشرذم والتمزق الداخلي وهي تمثل في غالبيتها انعكاسا للحالة المتحكمة بوضع الفلسطينيين في إسرائيل وواضح تماما أن هذه الظاهرة ملازمة ومسيطرة على الوضع لدى مؤسسات المجتمع المدني.
كل ما ذكرته هو محاولة لإثارة بعض القضايا التي يجب أن تكون أساسا لأية دراسة مستقبلية حول وضع مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني في إسرائيل وهي لا تقلل بأية حال من أهمية الكتاب الحالي والذي قامت من خلاله المؤلفة شاني بايس بوضع أساس نظري وعلمي يجب أن تتبعه أعمال أخرى.
كما أنه من المفيد الإشارة إلى أن النواقص التي أشرت إليها لا تقلل من الحاجة إلى مؤسسات المجتمع المدني ودورها الذي يجب أن يكون مدفوعا بإصلاحات وتغييرات قد تجابه بعض النواقص والثغرات المذكورة آنفا. ففي النهاية يجب أن تقوم مؤسسات المجتمع المدني بدورها في دفع إمكانية تعزيز وضع الفلسطينيين في إسرائيل حتى يستطيعوا القيام بعمليات تغيير ضرورية على المستوى الداخلي وعلى مستوى العلاقة مع الأكثرية والدولة والنظام المبني حتى الآن على أساس التفضيل العرقي.