المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1132

الشرط الأخير
وليد العمري

منشورات المركز الفلسطيني للدراسات الاسرائيلية ("مدار")

رام الله 2002

234 صفحة

هذا الكتاب ليس مجرد توثيق او تأريخ لحرب كتب فيها الكثير من قبل الخبراء العسكريين والسياسيين، والصحفيين، وانما هو محاولة لرصد وتتبع السلوك السياسي الاسرائيلي منذ اجتياح العراق للكويت وحتى اجتياح قوات الحلفاء التي قادتها الولايات المتحدة لجنوب وشمال العراق، وربط هذا السلوك بالمتغيرات الاقليمية والعالمية، واسقاطات نتائج تلك الحرب على الوضع السياسي المستقبلي للنظام الجديد، والتحالفات المصلحية التي رافقت حرب الخليج، وكذلك النتائج السياسية بعيدة المدى على المنطقة العربية بالذات، لا سيما القضية الفلسطينية، وانطلاق >عملية السلام< على مسارين، المتعدد المتعسر والثنائي السالك بصعوبة.

وهو يصدر متأخرا عن موعد انجازه لاسباب كثيرة لا يفصلها المؤلف في مقدمته. :

يقول وليد العمري في القديم:

من المفارقات العجيبة أن يغادر رؤساء كافة الدول الأجنبية، التي شاركت في التحالف ضد العراق وانتصرت عليه، سدة الحكم، في معظمها بأسلوب ديمقراطي، بما فيها إسرائيل، في حين لم يهتز عرش حاكم عربي واحد، سواء أكان من المعادين أم الموالين للعراق، والذين خرجوا جميعاً في تعداد المهزومين.

تم الانتهاء من تأليف هذا الكتاب بعد أن كانت المفاوضات العربية-الإسرائيلية في مسارها الثنائي قد سجلت تقدماً مع الجانبين الأردني والفلسطيني، وبعد أن نجحت حكومة حزب العمل الإسرائيلي برئاسة اسحق رابين، في تفكيك صيغة مدريد، والتفرد في مسارات التفاوض العربية - الإسرائيلية، مثبتة بذلك أن العرب الذين فشلوا فرادى في مواجهتها عسكرياً، عاجزون عن مواجهتها فرادى في الميدان السياسي أيضاً. ومن المفارقات العجيبة مرة أخرى، أن تكون أولى الاتفاقات الناجزة بين إسرائيل والأطراف العربية، هي مع منظمة التحرير الفلسطينية، ثم الأردن، وهما أقرب حلفاء العراق خلال الحرب، وإن كان هذا التحالف اتسم بطابع سياسي وليس عسكرياً، وشابه الكثير من التزييف لمواقفهما بشكل مقصود. في تلك الحرب خرج العرب جميعاً - مؤيدين ومعارضين للعراق - خاسرين، سواء أكان ذلك على المستوى المادي، السياسي أم العسكري، فضلاً عن حالة التشرذم والتمزق النفسي التي أصابت عصب الأمة العربية، وأودت بمشروعها القومي، الذي كان على رأس قائمة حرب عاصفة الصحراء، كما اصطلح على تسمية تلك الحرب.

فإذا كان لدى العراق ألف سبب، تبرر ما أقدم عليه من وجهة نظره على الأقل، بما في ذلك اجتياحه للكويت، وتضييعه الفرص التي أتيحت أمامه للخروج بسلام، والمحافظة على قوته الاستراتيجية الواعدة، فهناك ألف سبب وسبب تبرر للآخرين وقوفهم ضده، أو على الأقل الامتناع عن مساندته عسكرياً أو سياسياً. فهؤلاء وأيضاً حسب وجهة نظرهم، وبقياس النتائج وما آلت إليه الأمور فيما بعد، نجوا بجلدهم وبلدهم من مصير محتوم كالذي لقيه العراق، فيما لو كانوا اتخذوا موقفاً مغايراً.

إذن، جميع الأنظمة العربية متهمة بما آل إليه المصير العربي، الجميع متهم والجميع خاسر والجميع ضحية، وأكثرهم فداحة في الخسارة بعد العراقيين، إن لم يكن بموازاتهم، هم الفلسطينيون، الذين فقدوا باجتياح العراق للكويت سندهم الاقتصادي، وبإخراجه من الكويت مدمراً بقوة الولايات المتحدة فقدوا عمقهم الاستراتيجي، العسكري بشكل خاص، وطافوا على سطح الحدث شعباً وقيادة، فتقاذفتهم العواصف العاتية الآتية من الغرب، حتى قادهم الوهم إلى اعتبار جيمس بيكر الثالث رئيس الديبلوماسية الأميركية في الحرب الخليجية والسلم الشرق أوسطي، منقذاً مما هم فيه، بعد أن وضعوا في خانة المهزومين في حرب لم يخوضوها.

هذا العمق الاستراتيجي المفقود الآن، كان القضاء عليه شرطاً أساسياً وأخيراً لنجاح الولايات المتحدة في إطلاق >عملية السلام< الشرق أوسطية، كي يتحول العراق بعد تدمير قوته العسكرية والتقنية، وضعضعة بنيته الاقتصادية والاجتماعية >عمقاً استراتيجياً< لعملية السلام - كما يقر بذلك جاك نيربا - رجل الأمن الإسرائيلي المعروف، والذي كان من كبار مستشاري رئيس الحكومة اسحق رابين- إذن شرط السلام مع العرب كما حدده دافيد بن غوريون، مؤسس الدولة الاسرائيلية، عشية العدوان الثلاثي على مصر، تلخص بضرورة تحطيم الرأس الأقوى في الوطن العربي - في حينه كان نظام الزعيم جمال عبد الناصر - كشرط أساسي لإقامة نظام إقليمي جديد، تتمتع فيه إسرائيل بعلاقات سلام ووئام مع جيرانها العرب، وتحتفظ لنفسها بتفوق نوعي في كافة المجالات. هذا الشرط استوفى كافة مركباته بهزيمة العراق.

فما أدركه عبد الناصر في حينه، حيث تصدى لمحاولة الرئيس العراقي، عبد الكريم قاسم، في اجتياح الكويت، لعلمه اليقين من أن خطوة كهذه ستدفع الغرب والشرق إلى غرس أنيابها في قلب العالم العربي، الذي لا يزال غير قادر على الدفاع عن نفسه، بدون دعم ومعونة الآخرين، هو الأمر الذي أخفقت القيادات العربية المعاصرة لحرب الخليج، والمشاركة في طرفيها في إدراكه. فخاضت الولايات المتحدة تلك الحرب باسم هذه الأنظمة، وبالطبع على حسابها، وخرج العرب جميعاً مهزومين، في حين كانت إسرائيل >التي ضبطت نفسها< أمام الصواريخ العراقية، على رأس المنتصرين، رغم عدم مشاركتها العسكرية العلنية في المعارك الدائرة.

إسرائيل منتصرة وعرب مهزومون، هو الوضع المثالي لتحقيق تسوية إقليمية، تتجاوز قصور الرؤيا السياسية لحزب الليكود، الذي اثقل على الولايات المتحدة الأميركية تطوير مصالحها المتزايدة في العالم العربي، واستثمار الهزيمة العربية حتى الحدّ الأقصى، وهو الأمر الذي اقتضى إعادة حزب العمل- كمصلحة أميركية بالدرجة الأولى - إلى سدّة الحكم.

للتذكير >إن نفعت الذكرى<، ففي أعقاب تدمير المفاعل النووي العراقي على أيدي إسرائيل، في حزيران العام 1981، أعلن مناحيم بيغن، رئيس الحكومة الإسرائيلية، >أن العملية أرجأت تحقيق العراق لمشروعه النووي لخمس سنوات على أقل تقدير<. وكان بيغن، رغم ما تعرض له من انتقاد في حينه، يؤكد على هذه السابقة التي سجلها وأرادها قاعدة لمن يليه من حكام في إسرائيل، حيث أضاف يقول >إنه وعلى أساس هذه السابقة التي خلقناها وهي تفجير المفاعل، على كل رئيس حكومة، وعلى كل حكومة تأتي إلى إسرائيل، تدمير كل مفاعل جديد، قبل أن يصبح قادراً أو جاهزاً للاستعمال<.

وكان بيغن عازماً بالفعل على تعطيل وتدمير كل نشاط نووي مستقبلي، ليس في العراق وحسب، وإنما في كل دولة أخرى قريبة من إسرائيل، ولذلك فعندما سئل حول أهم قراراته كرئيس للحكومة ردّ بالقول: >السلام مع مصر كان مهماً وضرورياً، والوقت فقط سيثبت مدى أهميته، ولكن في المقابل فإن تفجير المفاعل العراقي، حال بصراحة دون وقوع كارثة ثانية لليهود، وعلينا أن نبقي عيوننا مفتوحة في المستقبل، ترقب عن كثب كل محاولة لمنع تكرار ذلك<.

ولما انتشرت المفاعلات الذرية، ولم يكن بإمكان إسرائيل تكرار عملية سلاح الجو في حزيران العام 1981، صار من الضروري وفق المفهوم الإسرائيلي >تظافر الجهود الدولية< لتحقيق ما لم تعد إسرائيل منفردة قادرة عليه، رغم أن الاحتمالات بدت قليلة جداً، >وبالضبط وفي تلك اللحظة حقق الله المعجزة، إذ تشوش عقل الحاكم العراقي مما جعله يهاجم الكويت، وبعدها صار كل شيء يكشف عن نفسه بنفسه<.

هذا الشيء الذي صار يكشف نفسه يومياً بعد >أن شوش الله حكمة الحاكم العراقي<، تقول إسرائيل إن معلوماتها المخابراتية الجزئية أكدت وجوده من قبل، وهو ما جعلها تتخذ قراراً صائباً في حرب الخليج. >لقد كانت لدينا معلومات كافية تؤكد أن العراق يتقدم نحو تحقيق القنبلة النووية، وسيحققها بعد سنوات قليلة. أما بالنسبة للسلاح الكيماوي، فعلمنا أن العراق يمتلك هذه المقدرة، لكن ما لم نعرفه بالضبط، تركز حول حقيقة امتلاك العراق رؤوساً متفجرة يزود بها صواريخ سكاد التي بحوزته، فالمعلومات التي توفرت لدي كرئيس لهيئة أركان الجيش، جعلتنا نتخذ قرارنا على أساس أن العراق يملك مثل هذه المقدرة. أما بخصوص السلاح البكتيري، فقد عرفنا أنه متقدم في هذا المجال<.

ومعنى هذا كلّه، أن امتناع إسرائيل عن الدخول في الحرب عائد لخشيتها من استخدام العراق سلاحه غير التقليدي في ضربها، ولذلك انصاعت للطلب الأميركي مبقية للولايات المتحدة، أن تدمر ما لم تعد بنفسها قادرة عليه إلا بثمن باهظ.

هكذا، فالحرب التي أرادتها إسرائيل وقادتها الولايات المتحدة، ودفع ثمنها العرب، وقعت كما خطط لها، ومهدت السبيل لتحقيق الرؤيا الأميركية لشرق أوسط جديد.

فليس من قبيل الصدفة أنه وغداة انتهاء العمليات العسكرية، صدرت عن غير عاصمة غربية دعوات تحث على إنهاء النزاع العربي - الإسرائيلي، وليس من قبيل الصدفة أيضاً، أن يشد جيمس بيكر الثالث رحاله إلى الشرق الأوسط، بعد أسبوعين من وقف إطلاق النار، بادئاً جولات مكوكية مكثفة، أثمرت عن عقد مؤتمر مدريد في اليومين الأخيرين من شهر تشرين الأول العام 1991.

قلنا: ليس من قبيل الصدفة، فالشرط الأخير كما يحاول هذا الكتاب أن يقول، تحقق بسحق المال العربي للسلاح العربي، ليظل العرب دون سلاح ينفع أو مال يشفع، وهذا الشرط كما يبين الكتاب من خلال سرد وتحليل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وللسلوك الديبلوماسي - الأمني الإسرائيلي، استوفى كافة مركباته بهزيمة العراق في الحرب، وهي الحرب التي أدخل إليها العرب عنوة >مسلحين بعنترياتهم<، وخرجوا منها يجرون ذيول الهزائم، ليذهبوا منها إلى >مفاوضات اللئام بدون سلاح<.

>العرب جميعاً كانوا مهزومين، وليس العراق وحده<، كما رد رئيس الديبلوماسية الأميركية على أحد الرؤساء العرب، عندما تجرأ وطالبه قائلاً: >إنه وكما تم تطبيق الشرعية الدولية على العراق وأخرج بالقوة من الكويت، هكذا يجب أن يتم التعامل مع إسرائيل، التي تحتل الأرض العربية منذ خمس وعشرين سنة<.

لقد كان في رد بيكر خلاصة الأمر كلّه، فالشرط لاطلاق >عملية السلام< وفق المواصفات الأميركية -الإسرائيلية، اقتضى بالدرجة الأولى، إقرار العرب بهزيمتهم، كي تكون عملية السلام معهم تجسيداً لهذه الهزيمة .

وهذا ما يحاول هذا الكتاب قوله، وهو أن الحرب التي أرادتها إسرائيل، وقادتها الولايات المتحدة و دفع ثمنها العرب، وقعت كما خطط لها، لتتوج مسلسل هزائم العرب بهزيمة كاسحة، محققين بذلك الرؤيا الأميركية لشرق أوسط جديد، وهو شرق أوسط تحصل فيه إسرائيل على >لقمة عيشها< منه، كي لا تظل تتكئ على المائدة الأميركية.

المؤلف

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الليكود, تدمر, مؤتمر مدريد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات