يعتبر الحاخام مائير كهانا واحداً من أبرز دعاة التطرّف الديني والعنصري في تاريخ الحركة الصهيونية واسرائيل، وواحداً من أبرز الدعاة والناشطين في تاريخ الحركة الاستيطانية في الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان بعد عام 1967، ورغم ذلك يمكن القول بأن المكتبة العربية كانت تفتقر كلياً لنصوص عن هذا الناشط الصهيوني، حتى جاء هذا الكتاب ليسد النقص الحاصل في معلوماتنا عن هذه الشخصية التي كثيراً ما أثارت الجدال حتى داخل اسرائيل ذاتها.
ينقسم الكتاب إلى قسمين، القسم الأول يتضمن مقدمة تاريخية للمشروع الصهيوني في فلسطين، ودور حركة كاخ، أي (رابطة الدفاع اليهودية) بزعامة مائير كهانا في هذا المشروع بعد حرب 1967، والقسم الثاني يتضمن حواراً مطوّلاً مع مائير كهانا قبل اغتياله (اغتيل في نيويورك بتاريخ 5/11/1990) أجراه الصحفيان فيليب سيمون ورفائيل ميرجي، وهو يقدّم صورة لمائير كهانا بالطريقة التي حرص صاحب الصورة على تصوير الملامح العامة والتفصيلية لشخصه.
في عودة إلى القسم الأول لا بد من الاعتراف بأهمية الجهد الذي بذلته المترجمة التي حرصت من خلال القسم المذكور على تقديم مدخل مطوّل عن حياة ونشاط ومفاهيم مائير كهانا، بطريقة تسهم في تمكين القارئ العربي من الاحاطة بشخص الحاخام كهانا وتاريخه قبل الولوج في موضوعات القسم الثاني، الذي عبّر من خلاله مائير كهانا عن نوازعه والأبعاد السياسية والدينية، لمشروعه الهادف إلى إقامة دولة يهودية خالية تماماً من العنصر العربي.
القسم الثاني، كما سبق القول، هو حوار مطوّل، ويتضمن عرضاً لرؤيته وفلسفته السياسية في أكثر من ميدان وعلى أكثر من صعيد، ولعل أبرز ما جاء به كهانا من آراء يتعلق بالعلاقة بين الصهيونية والديموقراطية الغربية وهي علاقة مستحيلة حسب اعتراف كهانا. فالصهيونية والديموقراطية لا تلتقيان: لأن الديموقراطية الغربية (التي تجاهر اسرائيل بها) تدعو إلى الاعتراف بحقوق متساوية للسكان في الدولة، بغض النظر عن الأصول الدينية والعرقية لهذه المجموعة أو تلك، وهذا في حد ذاته ـ حسب اعتراف كهانا ـ نفي للصهيونية التي لا يمكن أن تتعايش إلا مع ديموقراطية من نوع خاص بها أي مع "ديموقراطية يهودية"، فإسرائيل اليهودية لا تتقبل الديموقراطية إلا إذا كانت تلتزم بقانون التوراة.
العرب في اسرائيل، أو فلسطينيو عام 1948، لهم حضور طاغ في الحوار مع الداعية المتطرف مائير كهانا، فبحسب كهانا فإن العرب داخل الخط الأخضر الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية يشكلون "المشكلة الوجودية الأشد خطراً على اسرائيل" وهي أخطر بما لا يقاس عن مشكلة التواجد العربي الكثيف في الضفة الغربية وقطاع غزة، لأن فلسطينيي عام 1948 باتوا يشكلون الأكثرية السكانية في منطقة الجليل وبطريقة باتت المنطقة المذكورة مهددة بنزع الصفة الاسرائيلية عنها وإكسابها صفة العروبة. ويتهم الحاخام كهانا اسرائيل بالسلبية المفرطة تجاه معالجة مشكلة فلسطينيي 1948 الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية، والذين من المتوقع أن يصبحوا أغلبية في هذا البلد، وبالتالي لن يتقبلوا بعد مرور 20 عاماً على سبيل المثال العيش في بلد يدعي بأنه (الدولة اليهودية)، وسيعملون على تعديل هذه السمة اليهودية للدولة التي ستصبح كتحصيل حاصل سمة غير مطابقة للواقع. وبحسب كهانا فإن العرب حالما يفوزون بالأغلبية سوف يغيّرون القوانين في هذه الدولة، وفق آليات الديموقراطية الغربية التي ستمكنهم من ذلك، وسيعملون على نفي صفتها اليهودية وتدمير الأسس الصهيونية التي ما زالت تقوم عليها الدولة الاسرائيلية. وتلافياً لذلك، وبهدف استبعاد الخطر قبل وقوعه، يعرض كهانا مشروعه الصهيوني القائل بطرد عرب 1948 الذين يحملون الجنسية الاسرائيلية خارج الدولة اليهودية، لأن "الترانسفير" هو السبيل الوحيد الذي سينقذ اسرائيل من المصير الذي سينزع عنها صفة اليهودية والصهيونية.
الكتاب:" مائير كهانا وغلاة التطرف الأصولي اليهودي"، الكاتب: فيليب سيمون، رفائيل ميرجي، ترجمة عائدة عم علي
الناشر: دار الأوائل، دمشق (2003)