المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • المكتبة
  • 1426

"دولة انتخابات"، هو عنوان الإصدار الجديد من سلسلة "اوراق اسرائيلية" (13)، الصادرة عن "مدار". وهي سلسلة تقارير صحفية حول انتخابات 2003 في اسرائيل كتبها ونشرها الصحفي آري شافيط في صحيفة "هآرتس" خلال معركة 28 كانون الثاني، التي أعادت ارئيل شارون، وكما كان متوقعًا، الى الحكم للمرة الثانية.
ترجم المادة الى العربية وقدم لها علاء حليحل. جاء في التقديم:

 

"لعلّ من المجدي التوقفُ في هذا التقديم، على واحدة من القضايا الهامة التي برزت في الانتخابات الاسرائيلية للكنيست السادسة عشرة، والتي جرت في الثامن والعشرين من كانون الأول 2003. هذه القضية هي إنتقال الحملات الانتخابية من الشوارع والمفارق والأحياء، إلى التلفزيونات خصوصًا، وإلى الاعلام عمومًا. هذا الانتقال الذي يُفرغ تدريجيًا مفهوم وممارسة الديمقراطية الاسرائيلية الصُورية، من أبعادها الشعبيّة والعامة، ويدفع بها نحو الموديل الأمريكي بثباتٍ وبسرعةٍ.

قليلة هي وسائل الاعلام الاسرائيلية التي شدّدت على المواطن والجوانب الحياتية الخاصة به، في هذه الانتخابات. وعلى الرغم من تأكّد إهتمام المواطنين بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والمُعاشة في كل الاستطلاعات، إلا أن كل الأحزاب السياسية ركّزت بشكل يكاد يكون قاطعًا على الجانب الأمني- السياسي في الدولة. ولذلك، يمكن القول إن سلسلة التقارير الصحفية الموسّعة المنشورة هنا، بقلم الصحفي آري شبيط من صحيفة "هآرتس"، هي جزيرة وحيدة في بحر الاعلام الاسرائيلي، التي حاولت وضع اليد على النقاط الحسّاسة عند الجمهور الاسرائيلي، وحاولت أيضًا رسم ملامح لهذا المجتمع المتفكك والمتعب، والذي يجرونه إلى "حفلة ديمقراطية وحيدة" في الشرق الأوسط، كل سنتين في المعدل.

من خلال قراءة التقارير التي كتبها شبيط طيلة الانتخابات، والمنشورة هنا كلها، باستثناء تقرير واحد، يمكن التعرف عن كثب على عدة جوانب لم يُولها الاعلام الاسرائيلي الأهمية الكافية. الهدف من هذه القراءات هو الفهم الأعمق والأنجع للتغييرات التي يمرّ بها المجتمع الاسرائيلي، على شرائحه وطوائفه وقومياته المختلفة. أكبر مثال على ذلك هو التقرير الأخير في السلسلة، والذي تركّز حول لقاء مع موطي أشكنازي، مؤسس حزب "لهافاه" (شعلة)، الذي لم يعبر نسبة الحسم، وما لدى أشكنازي ليقوله عن المسار الذي تنحدر فيه اسرائيل، والتشابه الكبير بين "يوم الغفران" في 1973، الذي حارب فيه أشكنازي ورأى فشل القيادة الاسرائيلية فيه على أرض المعركة، وبين "يوم الغفران" الذي تمرّ به الدولة العبرية اليوم.

كما يمكن استشراف التمزّق الاجتماعي والطائفي الذي ميّز هذه الانتخابات، وسيميز الانتخابات المقبلة، من خلال لقاء مطول مع طومي (يوسف) لبيد، زعيم حزب "شينوي"، الصرعة الأكبر في هذه الانتخابات. من المثير رؤية الأغلبية الأشكنازية الحاكمة في الدولة منذ تأسيسها، في أحط مراحل تدهورها إلى طائفة أخرى "مضطهدة" في الدولة، تنتهج سياسة القبلية الضيقة، من أجل حماية مصالحها الخاصة. ما يحب طومي لبيد تسميته بـ "نصرة الطبقة الوسطى".

المنفعة المرجوة من هذه السلسلة، وترجمتها إلى العربية، هي منفعة كبيرة جدًا. فكل باحث اليوم يعنى بالشؤون الاسرائيلية، يمكنه أن يرتكز في محاور بحثه وإستقائه للمرجعيات، من هذه السلسلة (وغيرها بالطبع). كما أن القراءة المعمّقة في هذه الترجمات ستضع القارئ العربي، أينما كان، على عتبة فهم هذه الانتخابات الغريبة، فاتحةً أمامه الكثير من الأبواب والمنافذ المطلة على المجتمع الاسرائيلي الآني، بعيدًا عن الكليشيهات المعروفة والمستهلكة في العناوين الكبيرة. نحن لا نود بالطبع التقليل من شأن العناوين الكبيرة. ولكننا نصبو إلى إضافة الكثير من الأمور التي يُسقطها الاعلام الاسرائيلي، الرسمي والتجاري، والتي تغيب حتى عن المواطن الاسرائيلي اليهودي المتوسط.

كما أن ظهور هذه السلسلة من المقالات في "هآرتس" هو ليس صدفةً أيضًا. فصحيفة "هآرتس" هي الصحيفة الوحيدة التي تهتم منذ إندلاع الانتفاضة الثانية، بتغطية أخبار المناطق المحتلة، وإبراز مقتل الفلسطينيين اليومي. حتى أن "هآرتس" مرت في أزمة حقيقية، قبل شهور، حين ألغى الكثير من المشتركين فيها إشتراكاتهم في الصحيفة، كإحتجاج على "يسارية" الصحيفة. نحن نعرف أن "هآرتس" هي صحيفة النخبة الاسرائيلية، الاقتصادية والسياسية والثقافية، وهي بعيدة عن أن تكون يسارية، على الأقل في المجالين الاقتصادي والسياسي. ولكن المجتمع الاسرائيلي الذي اعتاد على إعلام متجند مع المؤسسة، في كل أزمة تمرّ بها الدولة، يستهجن ما تكتبه "هآرتس" - وهو، بالمناسبة، أضعف الأيمان وليس أشدّه، المرجو من وسيلة إعلام مخلصة للمبادئ الصحفية. من هنا يبدو نشر هذه السلسلة، على كل ما كتب فيها، في "هآرتس" أمرًا مفروغًا منه. ونحن في ترجماتنا عن هذه الصحيفة، لا نلغي أهمية التقارير المنشورة في سائر الصحف العبرية. على العكس، كنا نتمنى نشر مثل هذه التقارير في سائر الصحف الاسرائيلية، وبالتالي ترجمتها هي أيضًا.

كما أن القارئ المتابع للصحفي آري شبيط يلمس فيه تغييرًا نحو المركز. فشبيط، الذي كان من أبرز مدراء "جمعية حقوق المواطن في إسرائيل"، أحد رموز اليسار الاسرائيلي ومحبي حقوق الانسان، عُرف كرمز لليسار الاسرائيلي الصهيوني. ولكنه في هذه السلسلة يبدي الكثير من الامتعاض من هذا اليسار، ويجنح نحو المركز. من هنا أهمية أن ينكشف القارئ العربي للتحوّلات التي يمرّ بها الصحفيون المهمون في إسرائيل، والذين يكتبون ما تقرأه النخب، صانعة القرارات في الدولة، ويؤثرون عليها.

من أجل فهم أكثر عمقًا وشفافيةً لما حدث في اليسار الاسرائيلي بعد إندلاع الانتفاضة الثانية، يمكن قراءة المقابلة المزدوجة التي أجراها شبيط مع "عَلَميْ" اليسار الصهيوني: عاموس عوز ودافيد غروسمان. فالاثنان، كاتبان مهمّان جدًا في المجتمع الاسرائيلي، تحدّثا في هذه المقابلة عن أسباب أفول اليسار وعن الخطوات المرجوّة من أجل إعادة إحياء أفكاره ووجوده المؤثر في اسرائيل. بالنسبة للقارئ العربي، يمكن أن تشكل هذه القراءة مفتاحًا هامًا لجنوح الاسرائيليين عمومًا نحو اليمين (الأمر الذي تَبدّى في نتائج الانتخابات الهدّامة)، وتخلّيهم عن "اليسار" وعن "اليسار - المركز".

نهايةً، يجوز القول إن عرض هذه السلسلة من التقارير على القارئ العربي، قد يكون فاتحة جيدة لتقوية تعامل العرب، في كل أماكن تواجدهم في العالم، مع الانتخابات الاسرائيلية، كحدث مُركّبٍ وعميقٍ، ولا يمكن إختزاله في الأسباب الجاهزة: رفض السلام، العنصرية، التشدد والاستسلام لشارون. هذه الأسباب، كلٌ على إنفراد، وكلها مجتمعة، هي صحيحة. ولكنها وجهٌ واحدٌ للعملة. الوجه الثاني موجودُ في أحياء الفقر، وفي أحياء الغنى؛ في غرف المعدمين والموظفين والعمال البسطاء، وفي غرف المثقفين والكتّاب المؤثرين؛ في هامش المجتمع الاسرائيلي الممزق، وفي مراكز إتخاذ القرارات.

من دون الوجه الآخر، يبقى التعامل مع التطورات الاسرائيلية الداخلية، التي تنعكس على سياساتها الخارجية وممارساتها الفعلية، تعاملاً منقوصًا وغير مكتمل. ونحن نعرف أن فهم الآخر جيدًا، هو الخطوة الأولى نحو مخاطبته بأدوات أفضل من أدواته.

 

المصطلحات المستخدمة:

المطلة, هآرتس, شينوي

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات