صدر العدد الجدي التاسع من فصلية "قضايا اسرائيلية"، الصادرة عن "مدار"، طارحاً السؤال الكبير التالي: الى اين يتجه المجتمع الاسرائيلي بعد انتخابات 2003؟
في الصفحات الاولى تستهل "قضايا" بندوة حول الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة، بادرت المجلة الى عقدها في معهد اميل توما بحيفا، بعد أيام من اعلان نتائج الانتخابات، تحدث فيها عدد من الأكاديميين اليهود والعرب الذين يتابعون قضايا المجتمع الاسرائيلي، وهم: البروفسور سامي سموحة، الباحث في علم الاجتماع بجامعة حيفا، والدكتور اسعد غانم، الباحث في علم الاجتماع بجامعة حيفا ايضاً، والدكتورة حانا سفران، من قسم الدراسات النسائية في حيفا، والدكتور ايلان بابيه، المحاضر في قسم العلوم السياسية ورئيس معهد اميل توما، والدكتور خليل ريناوي، المحاضر في قسم الاتصالات ومدير معهد الجليل للابحاث، والبروفسور كالمان ألتمان المحاضر في معهد التخنيون وأحد نشيطي مركز السلام. عقدت الندوة قبل الاعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة ونشر برنامجها. كذلك تناول مدير التحرير سلمان ناطور السؤال ذاته في افتتاحية العدد.
وتضمن العدد كذلك تقرير "مركز مساواة" عن نتائج الانتخابات بين العرب في اسرائيل، اظهر ان نسبة التصويت بين المقترعين العرب في الانتخابات الاسرائيلية تراجعت هذا العام لتصل الى 46%، كما تراجع عدد النواب العرب في الكنيست ليشغلوا عشرة مقاعد. ونوه التقرير الى وجوه جديدة، وتغيرات في تمثيل الكتل العربية يتطرق إليها التقرير، رابطاً التمثيل العربي وتراجعه وتراجع الثقة بالانتخابات ببؤس القطاع العربي الناتج عن التمييز الكامن والمتأصل في التشريعات. ويخلص التقرير الى مجموعة توصيات، تزيد فرص المساواة بين اليهود والعرب في اسرائيل.
يكتب د. مسعود اغبارية عن المهاجرين الروس الجدد وانتخابات 2003: ويقول انهم حققوا اندماجا سياسيا وليس اجتماعياً. ومع التغييرات الحادة التي شهدتها الخارطة الانتخابية الروسية في اسرائيل العام الجاري، والتي انتهت باندماج "اسرائيل بعلياه" في الليكود، يطرح التساؤل: هل هذا برهان على انصهار القادمين الروس في المجتمع الاسرائيلي؟.
يحاول الكاتب الاجابة على هذا السؤال من خلال استعراض اسباب التغيير الذي حدث عند المصوتين من هذه الشريحة، معتبرا أنه من المبكر الحديث عن اندماج اجتماعي كما يحلو للمؤسسة الاسرائيلية أن تروّجه كنجاح صهيوني، ومرجحاً وقوف مصالح براغماتية آنية وراء هذه الظواهر. فقد تقاسمت الاحزاب الاسرائيلية خاصة الليكود وشينوي والاتحاد الوطني "الجسم" الانتخابي الروسي، ومن خلال التدقيق، يتضح ان ما يقف خلف ذلك هو البحث عن المؤثر والقادر على خدمة مصالح هذه الفئة، الامر الذي يندرج في اطار الاندماج السياسي، اما الاندماج الاجتماعي فهناك عقبات موضوعية وبنيوية تحول دون تحققه في فترة قصيرة.
بلال ظاهر قدم حوارا مع الأديب اليهودي – العربي من اصل عراقي سامي ميخائيل الذي امضى طفولته وبدايات شبابه في بغداد، ولم يكن ماضيه "عادياً" حيث كان ناشطاً سياسياً في الحزب الشيوعي العراقي. بعد العام 1948 هاجر الى اسرائيل لـ "يهجر" لغتة الأم التي تحدث بها وحلم بها الى لغة المشروع الصهيوني(العبرية)، وبعدها ليهجر الحزب الشيوعي، قبل أن يعود بعدها بكثير للكتابة بالعبرية، روايات فيها ظلال العراق.
عن محاور ماضيه في بغداد، ولغتيه العبرية والعربية ومواقفه السياسية، وعما يحدث في العراق (الآن) توزّع هذا الحوار.
القانونية د. روت غابيزون، المعروفة بتصدرها القوي للمدافعين عن ديمقراطية اسرائيل اليهودية، تعبر في مقال بعنوان "هل يمكن تبريروجود الدولة اليهودية؟"، عن قلقها إزاء ارتفاع الاصوات المنادية بجعل اسرائيل "دولة كل مواطنيها"، معددة ما تراه أسباباً مهمة تبرر "بقاء اسرائيل بوتقة تجسد حق تقرير مصير الشعب اليهودي، وتتيح ازدهار الثقافة اليهودية".
وتقول غابيزون ان التمييز ضد العرب "محصلته أفضل من اوضاع العرب في دول عربية اخرى" (؟!)، معتبرة "المساس برفاهية المواطنين العرب امراً مبرراً، حيث أن ازالته تضر بحقوق اليهود"، متنصلة من المسؤولية التاريخية عما حدث مع الفلسطينيين، ومعتبرة ان الاقرار بالمأساة الفلسطينية لا يبرر إعادة الوضع السابق.
ويتناول د. نزيه بريك في مقاله "انعكاس الفكر الصهيوني على وضع الفئات الاثنية في اسرائيل" أسطورة صهيونية رائجة لدرجة التغلغل عميقاً في جهاز البحث العلمي الاسرائيلي، تلك التي تعيد الفوارق الاقتصادية والاجتماعية الاثنية فيها الى تخلف الدول التي قدم منها الشرقيون، وكأن اسرائيل في بداياتها وقبل ذلك أيام "الييشوف" كانت دولة صناعية متطورة، وكأن المؤسسة الاشكنازية لم تتول توزيع السكان (من حيث القرب والبعد عن المركز) وفقاً لاعتبارات اثنية. من خلال القاء الضوء على الفوارق وتطوراتها في مجالات التعليم والتوزيع المهني والدخل والوضع السكني والبعد الاجتماعي، يخلص بريك الى أن الأسباب تكمن في تركيبة القوى على ساحة المجتمع وما فيها من اختلال، بين اصحاب قرار اشكناز وبين شرقيين ينفذون هذا القرار، وأنه لا يمكن الخروج من هذه الحالة بدون خلق توازن سياسي عبر تحول شامل داخل النظام السياسي والاجتماعي في اسرائيل.
وتابع د. جوني منصور، المحاضر في مادة التاريخ من حيفا، صحيفتي "يديعوت احرونوت" و "هآرتس" خلال الفترة الواقعة بين تشرين الثاني 2002 وشباط 2003، لفحص المصطلحات والتعابير فيها، ولتوفير معلومات حول موضوع الاصطلاحية الانتقائية في الصحافة العبرية، كانعكاس لقناعات سياسية وعقائدية عميقة.
ويخلص منصور الى توظيف الصحافة الاسرائيلية للانتقائية في تصوير الاسرائيليين كضحايا الى نهاية العالم، فيما الآخر مجرم بشكل تام وأبدي، الى جانب ترسيخ اسطورة التفوق الاسرائيلي (التكنولوجي خاصة). ويتم في اكثر من عنوان ضبط الصحافة الاسرائيلية متورطة في افكار مسبقة عن العربي والمسلم، تجد طريقها الى عالم العلاقات العامة على مختلف الاصعدة.
ونشرت "قضايا" تقريراً بعنوان: اسرائيل لا تعترف بحق رفض الخدمة العسكرية لأسباب ضميرية شرح كيف ان اسرائيل المتورطة في مشروع احتلال استيطاني طويل الأمد، يوجد فيها من يمتنعون عن الخدمة الالزامية لاسباب ضميرية، وهؤلاء في تزايد مستمر، وتحاول المؤسسة الاسرائيلية بكافة فروعها محاصرتهم وخنق صوتهم، وتعمد لمعالجتهم كحالات فردية، تتوصل معها الى تسويات، أو تتولي تذويبها بعيداً عن وسائل الأعلام المجندة، أو انها توجد لهم مسوغات قانونية "لا ضميرية".
قائمة الممتنعين عن الخدمة تزداد طولاً، ومع عسكرة المجتمع الاسرائيلي خلال اعادة احتلال الأراضي الفلسطينية يزداد قمع هذه الفئة شدة. الحقائق حول هذه الظاهرة بالارقام في تقرير لمنظمة مقاومي الحروب.
وبحث داني بيتر في السؤال التالي: "هل حقاً بيني موريس مؤرخ جديد؟" اوضح فيه كيف تراجع بيني موريس مؤخراً، عن "اكتشافاته" بشأن دور الحركة الصهيونية في مأساة اللاجئين الفلسطينيين، على قاعدة حتمية ما حدث، وما يزعم انه مسؤولية الرئيس ياسر عرفات عن "اجهاض فرصة السلام"، وارتباط مصير اسرائيل بالتوازن بين قوتها العسكرية وتفوق "العرب" الديمغرافي.
في مقالته ينتبه داني بيتر، الناشط في حركة السلام الاسرائيلية، الى قراءة موريس لكتابين لمردخاي بار أون، حيث يعمد موريس الى اتخاذه حجة على استنتاجاته الحديثة حول حتمية ما حصل، وأنه لو عادت عجلة الزمن للعام 1948، لكان اتخذ المواقف نفسها (تلك التي ادت للنكبة) تماماً.
يفكك داني بيتر هذه "الحتمية" من منظور تاريخي، ليثبت انه كانت هناك خيارات أخرى، مثل خيار الدولة ثنائية القومية، ويتوصل في بحثه عن افق لمصالحه حقيقية الى ضرورة الارتقاء بمستوى مساهمة المهزوم الى مستوى مساهمة المنتصر.
ويكتب د. خالد أبو عصبة عن السياسة الاسرائيلية والتعليم العربي العالي، الذي يعتبر في أي مجتمع مؤشراً على السياسات التعليمية، التي تعد جزءاً اساسياً من السياسات العامة، وما تقف خلفها من ايديولوجيا. فالناتج الطبيعي عن سياسات تمييزية، هو فوارق واضحة بين فئات المجتمع، وبالتالي فوارق في فرص التنافس على الموارد والمكانة.
نسبة التعليم العالي بين الفلسطينيين في اسرائيل لا تعبر عن حجمهم الحقيقي في المجتمع الاسرائيلي، خاصة عند مقارنة ذلك مع الواقع التعليمي في الوسط اليهودي. تقف وراء ذلك سياسات عامة وتعليمية أيضاً، يتولى د. خالد ابو عصبة هنا القاء الضوء عليها.
في مكتبة هذا العدد يقدم محمد حمزة غنايم، قراءة في مجموعة من احدث الاصدارات العبرية في اسرائيل تتوزع على اكثر من مجال.