"كامبين" العمل لا يحلّق – اذا كان هناك شيء من هذا القبيل: فـ "جدار الفصل" تراجع للوراء، وقصص الفساد التي سلبت "الليكود" ستة مقاعد في الاستطلاعات تتلاشى، مؤقتا على الاقل، لذلك يخطط "العمل" إعادة اكتشاف ماضي متسناع العسكري، الممتد على مدار ثلاثة عقود، حصل خلالها على وسام البطولة بعد عدوان الخامس من حزيران 1967، وعلى وسام تقدير بعد حرب الاستنزاف مع مصر، وكان قائدا عسكريا في جبهة الحرب على لبنان 82 وقائدا للمنطقة الوسطى خلال الانتفاضة الاولى، وتسرح في ختامها من الجيش برتبة "لواء"..
تبدأ في السابع من يناير 2003 حملة الدعاية الانتخابية الرسمية في اسرائيل، التي من المتوقع ان تبلغ تكاليفها الإجمالية أكثر من 475 مليون شيكل، تصرف للأحزاب المختلفة من ميزانية الدولة العامة، أي: من جيب المواطن الاسرائيلي.
وباستثناء حزب "شينوي" (يوسف لبيد)، الذي يؤسس حملته الإنتخابية هذه المرة أيضا على تأكيد التناقض التام بينه وبين حزب "شاس" ("شينوي أنظف حزب.. شاس في الحضيض.."، كشعار افتتاحي!)، لم تتبلور بعدُ لدى الطواقم الإعلامية المختلفة في بقية الأحزاب الصهيونية الشعارات الانتخابية التي سترفعها في المعركة الحالية.
وبينما يخطط "العمل" إعادة اكتشاف ماضي متسناع العسكري (الممتد على مدار ثلاثة عقود، حصل خلالها على وسام البطولة بعد عدوان الخامس من حزيران 1967، وعلى وسام تقدير بعد حرب الاستنزاف مع مصر، وكان قائدا عسكريا في جبهة الحرب على لبنان 82 وقائدا عسكريا للمنطقة الوسطى خلال الانتفاضة الاولى، وتسرح في ختام خدمته برتبة "لواء")، يبدو حزب "الليكود" عالقا مع مرشح "سوبر عسكري" هو ارئيل شارون، العائد الى انتخابات تشريعية هذه المرة مع قائمة مشتبهة بالفساد، دون ان يكون بامكانه القول إن شيئا ما تحقق من حملته السابقة التي عرضها على الجمهور، عندما خاض انتخابات 2001 قبالة ايهود باراك، وبخاصة على الصعيدين الامني والسياسي.
ولدى استراتيجيي "العمل" مشكلة عويصة في كيفية التغلب على صورة "الحمامة" التي ترتسم لمتسناع بفضل تصريحاته السياسية المتعلقة بالحل مع الفلسطينيين، وابرزها الانسحاب من غزة والفصل من جانب واحد إن لم يكن باتفاق، وكذلك ازالة مستوطنات "نائية" دون انتظار الحل الدائم. ونقلت "يديعوت احرونوت" عن مصادر في طاقم "العمل" الاستراتيجي قولها ان استطلاعات الرأي تبين ان قطاعات واسعة من الاسرائيليين لا يعرفون خلفية متسناع العسكرية بما يكفي، لذلك سيتم التركيز لديها على صورته "الامنية" وماضيه العسكري، وتخصيص حملات دعائية في مخاطبتها. ويقصد استراتيجيو "العمل" جماعات المهاجرين الروس بوجه الخصوص، الذين يصوتون لحزبي "الليكود" و "شينوي"، وهم يقولون ان قسما كبيرا منهم "لا يعرف ان متسناع كان لواء في الجيش".
ونقلت "يديعوت" عن هذه المصادر قولها: "سنستخرج المادة التي يظهر فيها متسناع العسكري، خلال الانتفاضة الاولى، برأس جنوده في مواجهة راشقي الحجارة الفلسطينيين، ما يعني انه لن يظل "حمامة" بنظر من لا يعرف ماضيه، بل سيبدو رجلا امنيا يعرف كيف يقطع دابر الارهاب. اذا قال متسناع انه سيقضي على الارهاب، فهو يعني ما يقول، فلديه رصيد في ذلك"!.
على ذلك عقبت اوساط في مكتب رئيس الوزراء الاسرائيلي قائلة ان أي صورة عسكرية لمتسناع لن تنجح في اخفاء نواياه الحقيقية المتمثلة باستعداده للتفاوض في ظل الارهاب، وكذلك الاستعداد للعودة الى حدود الرابع من حزيران 1967 وتقسيم القدس والاعتراف بحق العودة الفلسطيني. وتنوه هذه المصادر الى ان متسناع ابدى علنا استعداده لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين من النقطة التي توقفت عندها في كامب ديفيد وطابا، خلال فترة رئاسة ايهود باراك.
في الرد على ذلك يعتزم "العمل" التركيز على ظاهرة الفساد في "الليكود" التي تمثلت بفضائح شراء المقاعد الفعالة على اللائحة الانتخابية، والتي طالت على ما يبدو نجل رئيس "الليكود" ومرشحه ارئيل شارون، عومري.
لكن عمرام متسناع – في تصريحاته السياسية – لا يسهّل من مهمة استراتيجييه، عندما يقول على سبيل المثال انه لن ينضم الى حكومة طوارىء برئاسة شارون حتى في حالة حرب مع العراق، بل سيكتفي بتقديم شبكة امنية لها. ويقول هؤلاء ان تصريحا كهذا مخالف لميول اغلبية جمهور ناخبي "العمل".
بالمقابل، يبدي هؤلاء مخاوفهم من التشديد في الحملة على الفساد في "الليكود" كما يعرضها متسناع نفسه (وبضمنها تصريحاته حول تسلل الاجرام المنظم الى "الليكود" وبواسطته الى الحكومة القادمة)، ويقولون ان حملة نابية من المحتمل ان تعيد ناخبي "الليكود" الى حزبهم.
ويقع في اساس هذا الاعتقاد الادراك بأن قصص الفساد في "الليكود" ستختفي من العناوين في مرحلة معينة، لكنهم لم يتوقعوا ان يتم ذلك سريعا. فالشعب – متأثرا بحملات التخويف التي قادها شارون – يتحضر للحرب القادمة، ولا يأبه كثيرا بالانتخابات. على هذه الارضية لا عجب في ان "كامبين" العمل لا يحلّق – اذا كان هناك شيء من هذا القبيل: فجدار الفصل نحّي جانبا، وقصص الفساد التي سلبت "الليكود" ستة مقاعد في الاستطلاعات تتلاشى، مؤقتا على الاقل، وحتى "شينوي"، التي تبدو للكثيرين جزءا من "كتلة اليسار"، اعلنت انها لن تنضم الى كتلة العمل – ميرتس – والقوائم العربية.
* "شارون بحاجة لصدام وبوش لإنقاذه"
قبل ثلاثة شهور، عندما بدأ رئيس "العمل" آنذاك بنيامين بن اليعيزر بتفكيك حكومة الوحدة، قال احد المقربين من رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون إن صدام حسين وجورج بوش وحدهما القادران على انقاذ حكومة شارون.
لكن بوش وصدام عملا بموجب اجندة مختلفة، وتأجلت الحرب المؤملة وسقطت حكومة حرب اخرى في اسرائيل.
في هذه الايام، وقبل الانتخابات بشهر تقريبا، وفي اوج عمليات تحقيق في الفساد الحزبي لا احد يعرف كيف ستنتهي، والى اين ستؤدي، يحصل شارون على فرصة ثانية من صدام وبوش. أي: يصنعها بنفسه!
وتتلاحق الاحداث. وكلما اشتدت النار كلما كان ذلك افضل لشارون. وتقول التسريبات ان الحرب ستندلع مباشرة بعد الانتخابات. وشارون وطواقمه يعرفون ان ناخبي "الليكود" وبضمنهم المستاؤون من فساد حزبهم لن يحسوا بالراحة لاستبدال سلطة عشية الحرب، وعلى خلفية الصدام المتواصل مع الفلسطينيين.
قبل ايام وصل شارون ووزير دفاعه موفاز الى مقر قيادة الجبهة الداخلية الاسرائيلية، وخلافا لعادته لم يسارع شارون الى تهدئة خواطر الاسرائيليين القلقين من الحرب القادمة، فتحدث عن "الخطر" وعن الحاجة الى "قول الحقيقة للشعب". وبذلك يكون قد ضرب عصفورين بحجر واحد: من جهة، يقدم نفسه كقائد متزن لا يخفي شيئا، ومن جهة ثانية يقوم بصب المزيد من الزيت على النار المشتعلة.