المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب فراس خطيب:

عاد قائد "المتمردين" ووزير المالية الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يوم الاثنين من نيويورك، الى واقعه المرير حالك السواد (على الأقل في الايام القليلة الماضية)، ليجد نفسه قائداً على نفسه المتمردة فقط في حكومة تخلو حاليا من المتمردين، بعدما تراجعت حليفته الأزلية ليمور ليفنات التي "أخطأت في تقييم الصورة"، على حد قولها في كل ما يتعلق بقضية "الموعد الأخير" الذي أعطي لرئيس الحكومة، من أجل إتخاذ قرار لإجراء "استفتاء عام" حول مصير "الانسحاب أحادي الجانب من غزة". ليفنات التي هربت من اللعبة إكتفت بالقول إنها لن تقبل انشقاقا في الليكود، ولا تقبل نوايا نتنياهو التي تلوح فوق كرسي رئاسة حزب الليكود. "لم يكن هذا قصدي منذ البداية"، أكدت. لا تظهر هذه التصريحات في السياق الاسرائيلي المعهود الا باعتبارها تراجعا في موقف ليفنات من ناحية، وصفعة في مسيرة نتنياهو السياسية من ناحية اخرى. والانكى من ذلك ان هذه الصفعة في وجه وزير المالية أتته من حيث لا يدري في فترته العصيبة. حاليًا فإن بنيامين نتنياهو وحده لا حليف له يصارع "البلدوزر" شارون في معركة نهايتها يحسمها القوي منهما، ومن الممكن إعتبار ان التاريخ يعيد نفسه، نتنياهو وشارون، العين بالعين والسن بالسن، وحاليا شارون هو المنتصر المؤقت!

لا يسرع شارون بإتخاذ موقف من نتنياهو المتألم، كل شيء على نار هادئة، فلم يصرح حتى الآن تصريحات ضد نتنياهو بعدما أعلن الأخير موقفه الواضح الذي يتعارض تماماً مع موقف رئيس الحكومة، والاكثر من ذلك هو أن شارون يلمح عن طريق مقربيه إلى انه "ليس معنياً بالتخلي عن نتنياهو بهذه السهولة".

يبدو ان الغزل المبطن الطالع من مكتب رئيس الحكومة ينتهي مع رد مقربي نتنياهو الذين أعلنوا على الملأ انه لا توجد نية عند نتنياهو بالتراجع عن موقفه في كل ما يخص قضية "الاستفتاء العام". وفي ظل هذا التشديد، يشتد الخلاف وتسخن الاجواء في نفوس مقربي رئيس الحكومة بإعطاء تلميح آخر: "نتنياهو يستطيع التراجع عن موقفه وكأن شيئاً لم يكن، وزارة المالية لم تفعل لبيبي الا الخير، إما ان يتراجع والا سيجد نفسه في اوساط اليمين المتطرف المعارض للحكومة". ولكن لا فائدة. "لا مجال للنقاش" يرد مقربو وزير المالية، "الموقف باق كما كان".

نتنياهو.. الخاسر في بث حي ومباشر

نتنياهو هو الخاسر الاكبر، ومسلسله المنقول من اروقة الكنيست يوم الثلاثاء الماضي (يوم التصويت على خطة الانفصال) وضعه على كرسي هزّاز. قبل التصويت على خطة الانسحاب الاحادي الجانب، اجتمع المتمردون الاربعة، القائد نتنياهو والحليفة الابدية ليمور ليفنات (التي ندمت فيما بعد) والمتردد المتحفظ الوزير داني نافيه، وعاشق نتنياهو المعهود، يسرائيل كاتس. اجتمع هؤلاء في غرفة ليمور ليفنات في الكنيست، والسؤال المركزي الذي دار في ذلك المكتب الضيق كان: "ماذا سنصوت؟". كانت الكفة ترجح الإمتناع عن التصويت، ربما لضمان أماكنهم في الحكومة، لان شارون هدد ان كل من سيصوت ضد الخطة سيجد نفسه خارج الحكومة. الإمكانية الثانية (مع تلهف أقل) كانت التوحد ضد خطة شارون واعلان عهد جديد. والامكانية الثالثة هي التصويت الى جانب خطة شارون. نقاش ونقاش والوقت يداهمهم، تغيبوا عن دورة التصويت الأولى، وآن الأوان لان يتخذوا قراراً. وما هي الامكانية التي اتخذت؟ لم يتخذ اي قرار موضوعي الا بعد ان يئس الاربعة، ولم ينجح القائد نتنياهو في ضم هؤلاء تحت جناحيه. كان الوزير داني نافيه اول المنكسرين، تلاه يسرائيل كاتس، تلته ليمور ليفنات، وتلاهم وزير المالية بنيامن نتنياهو. وفي الجولة الثانية للتصويت اعلن الاربعة عن تأييدهم للخطة، وكان هذا طعماً للصحافة، ونشوة لرئيس الحكومة، وصفعة لنتنياهو .. كيف يعقل؟ تعالت اصوات "المتمردين" الصغار (اعضاء الكنيست من الليكود)، نتنياهو تجاهل الاصوات كلها، لكنه لم يستطع تجاهل عشرات الصحفيين الواقفين له بالمرصاد على باب غرفة الجلسات ليسمعوا منه عن هذا التأييد الغريب. وعادت الصحافة الاسرائيلية لتضع نتنياهو على المهداف المعهود.

خرج نتنياهو مهرولاً هو أيضاً لتبرير ذلك الموقف الغريب. وكسراً للتقليد الاسرائيلي لم يسطع نجم نتنياهو امام الكاميرات. كان شاحباً، مكفهراً، يتصبب عرقه. بإختصار وجه آخر لنجم الصحافة. وعلى ذمة "يديعوت احرونوت" ومحللها السياسي ناحوم برنياع، طلب نتنياهو من منتجي التلفزيونات المتواجدة في ممرات الكنيست تنظيم مؤتمر صحفي له، لكن المنتجين رفضوا، "تقنيا لا يمكن"، قالوا، واجبر نتنياهو الشاحب المتوتر على إعلان موقفه امام الكاميرات الموجودة في مكان لا يرغب الوقوف فيه: "صوتت الى جانب خطة فك الارتباط. واذا لم يتقرر اجراء استفتاء عام خلال الاسبوعين القادمين سأتخلى عن منصبي كوزير للمالية"، وهذا ما قالته بحرقة وزيرة التربية والتعليم ليمور ليفنات أيضاً. وفي ظل هذه التصريحات انتظر نتنياهو الصحف الصادرة غداة التصويت ليرى ان الصحافة تهاجمه من كل صوب، والعناوين تلاحقه الى كل مكان، واجمع المعلقون السياسيون على ان نتنياهو يقترب من نهايته، ربما تفاوتت الآراء لكن الاجماع كان على ان شارون سحق نتنياهو.

في طابق الحكومة الموجود في الكنيست عادوا وتحدثوا عن عودة "بيبي القديم" الذي لا يمكن الاتكال على أي كلمة ينطقها. ويقول ناحوم بارنياع في هذا الصدد :"ليس شارون من خان بيبي ولكن أعصاب بيبي هي التي خانته". وأضاف برنياع: "انتصار رئيس الحكومة كان بارزا، واضحاً وحلواً، وانساه لوهلة الحقيقة انه ما زال في بداية معارضة الخطة".

لقد أجمع بعض المحللين السياسيين على ان بنيامين نتنياهو الذي يحظى بشعبية دائمة لا يستطيع التصرف تحت الضغوطات، القصد من ذلك هو التصرفات التي فقد من خلالها السيطرة على مجريات الامور. ويذكر المحللون بعض الحالات، منها محاولة إغتيال خالد مشعل في الاردن، وعندما أزال واقي الرصاص من عليه في إجتماع لمركز الليكود بعدما سأل (بصورة منتقدة) ما يهم اذا كان واحد ليس ليكوديا من بين الحضور، هذا بالاضافة الى هرولته الى أروقة التلفزيون الاسرائيلي للتأسف عن أشرطة الفيديو التي نشرت وضبط فيها متلبسا وخائنا لزوجته. ويربط المحللون تلك التصرفات "غير المسؤولة" على حد قولهم، مع تصرفه الأخير فيما يخص التصويت على خطة "فك الإرتباط". وإعتبره ايتان هابر في "يديعوت أحرونوت"، الاحد، انه متواجد في نفس الخندق مع ايهود باراك: "هناك فشلان محترمان حلا على الساحة السياسية الإسرائيلية: بنيامين نتنياهو وايهود باراك". وأضاف "نتنياهو إعتاد على الادعاء بأنه تعلم من تجربته، لكنه الآن دمر كل ما إدعاه".

شارون ونتنياهو.. هل يعيد التاريخ نفسه؟

الحديث هنا عن معسكرين، "معسكر شارون" من جهة ومعسكر نتنياهو من جهة أخرى، وما زالت الصورة قاتمة. في هذه الاثناء تبدو العلاقة بين شارون ونتنياهو لا يمكن فهمها بشكل طبيعي. هل يعيد التاريخ نفسه؟ يمكن القول. ولكن كيف؟.

لقد استغل شارون، بعد سقوط الليكود في الانتخابات عام 1999، فرصة غياب نتنياهو عن اسرائيل من اجل الامساك بزمام الامور كلها ونجح فعلاً. وإستطاع ان يعيد بناء الليكود المهشم والمهمش آنذاك الى قلب الخارطة السياسية الإسرائيلية في ظل تغيب القيادة "الهاربة"، كما اسماها الإعلام آنذاك. ولكن هذا العمل الشاق والتوحدي الذي قام به شارون لم يضعف شعبية نتنياهو الذي يسكن الولايات المتحدة، وظهر هذا بعدما عاد نتنياهو الى البلاد "بعد الهروب".

شارون قائد حزب الليكود لم يتنازل بمجرد عودة القائد المعهود، لا بل تحلى بالصبر وبقي على كرسي قيادة الحزب، فالحرب كانت بينهما طاحنة ووجود شارون على عرش الليكود في تلك الفترة أقلق نتنياهو، والسبب هو "تصفية حسابات من الماضي"، وليس من الماضي البعيد، لا بل القريب (قبل سفر نتنياهو). فعندما فاز بنيامين نتنياهو برئاسة الحكومة (عام 96) وزع الحقائب الوزارية وبقي بلدوزر حزب الليكود، اريئيل شارون، من دون حقيبة وزارية تذكر. لم يكن تصرف نتنياهو آنذاك مفهوماً بعد الانتصار المفاجئ على شمعون بيريس. شارون، أحد أعمدة الليكود في ذلك الوقت، صمت وانتظر تحول الاجواء السياسية وتبادل الاتهامات. "عارض الازياء" كانت أحد الاتهامات التي تفوه بها شارون عن نتنياهو، ونتنياهو المنغمس في ترتيب اموره وسعادته لم يرد الاتهامات الى عضو الكنيست الذي يفتش عن حقيبة.

لم يسلم نتنياهو حتى من المقربين منه في قضية شارون، أحد أعمدة الليكود المتروك. وبعد الضغط المنقطع النظير عليه وبعد توزيع كل المهام والحقائب، "قطّب" نتنياهو لشارون حقيبة وزارية فريدة من نوعها، اسمها "البنى التحتية القومية"، وكان شارون اول من أشغل ذلك المنصب، لم يكن راضيا لكنه قبل الواقع.

شارون قبل الحقيبة الغريبة، وغاص في حكومة نتنياهو متهما اياه بين الحين والآخر وبين السطور بسوء الادارة وفي الوقت الذي بدأت حكومة نتنياهو تواجه أيامها الأخيرة، كانت لشارون فرصة ذهبية، وتنقل بين الحقائب الوزارية العالية في الدولة الى حين سقوط نتنياهو، وصعود ايهود باراك الى الحكم.

شارون كان يعلم ان عودة نتنياهو الى الخارطة السياسية ستحجمه نظراً لشعبية نتنياهو التي لم تختف من الليكود. ومع انهيار معسكر باراك عاد نتنياهو من الولايات المتحدة يحمل سلة المفاجآت خاصته، باراك استقال من منصبه، ونتنياهو لم يوافق على ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، نتنياهو طالب بإنتخابات شاملة، والقانون لا يمنح نتنياهو ان يرشح نفسه خلال الفترة المتبقية لانه لم يكن عضوا في الكنيست. عندها اقرت الكنيست قانونا يمنح نتنياهو هذا الحق، اطلق عليه اسم "قانون نتنياهو". نتنياهو لم يقبل الا بإنتخابات شاملة، وشارون على عكس هذا، رشح نفسه وفاز برئاسة الحكومة، وأصبح نتنياهو وزيرا للخارجية. في تلك الاثناء لم يسطع نجم نتنياهو وشارون في انتصار مستمر عليه، انتصر عليه للمرة الثانية، وبات نتنياهو وزيرا للمالية وشارون في دالته التصاعدية.

نتنياهو في مأزق..

لا يستطع أحد اليوم تشخيص الحالة التي ينوجد وزير المالية بنيامين نتنياهو في خضمها اليوم، وزادت الحالة صعوبة بعد عودته من نيويورك، تلك المهمة المخفية عن عيون الكثير من المحللين السياسيين اليوم. نتنياهو قال انه مسافر في رحلة شخصية لا تمت بصلة الى وزارة المالية التي يقف على رأسها، لكنه اجتمع في نيويورك مع كبار أصحاب رؤوس الاموال. ماذا طلب منهم؟ ربما طلب تمويل حملته الانتخابية؟ لم تنف ولا اية صحيفة عبرية هذه الامكانية. عندها من الممكن التفكير في اتجاه صريح وهو التصميم على قضية "الاستفتاء العام"، وبهذا ينسحب نتنياهو من الحكومة والى جانبه تأييد من عدد كبير من أعضاء الكنيست، يبني نتنياهو من خلاله معارضة لشارون، وبهذا يدخل حزب العمل الى الحكومة. والامكانية الثانية هي تراجع نتنياهو عن موقفه وبقائه في الحكومة الامر الذي سيصعب عليه مستقبلا اكتساب الشعبية التي حظي بها ذات مرة.

وعلى الرغم من الصورة السوداء التي ظهر فيها نتنياهو في الفترة الاخيرة الا ان بعض الصحفيين استبشروا في حالته خيراً، ومنهم الصحفية حانا كيم من صحيفة "هآرتس" التي كتبت في تحليلها السياسي انه من الممكن الا نبدي قلقا على حالة نتنياهو فامكانية عودته واردة ويجب ان نتذكر انه الانسان الذي استطاع التغلب على بيريس في العام 96 وكذلك التنصل من عدة قضايا واخطاء، "ومن الممكن التغلب على المأزق الذي علق فيه"، على حد قول كيم..

نتنياهو في سطور

يعتبر نتنياهو أول رئيس حكومة في إسرائيل انتخب بطريقة مباشرة. ولد في إسرائيل في عام ‎1949 وكان رئيس الحكومة الأول الذي ولد بعد إقامتها. قضى شبابه في الولايات المتحدة. عاد الى اسرائيل للخدمة في جيش الدفاع الإسرائيلي في السنوات ‎1972-1967 ووصل إلى رتبة نقيب في وحدة الاستطلاع التابعة للأركان العامة "سييرت متكال". بعد إنهائه لخدمته العسكرية عاد إلى الولايات المتحدة حيث غير اسمه إلى بنجامين نيتاي. نتنياهو حاصل على اللقب الأول في الهندسة المعمارية، لكن خلال دراسته عاد إلى إسرائيل للمشاركة في حرب يوم الغفران (1973).

وفي عام ‎1976 حصل من جامعة ‎M.I.T على الماجستير في إدارة الأعمال، حيث بدأ بالعمل في شركة الاستشارة الدولية " ‎Boston Consultant Group "، وذلك في دول مختلفة وفي مجالات صناعة وأعمال مختلفة. وفي هذه السنوات كان نشيطا في الإعلام الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

بعد مقتل يوني أخيه في عملية عنتيبه عاد في عام ‎1978 إلى إسرائيل وبدأ بتنظيم عملية دولية لمكافحة الإرهاب. وفي عام ‎1980 أقام وترأس "معهد يونتان لدراسة الإرهاب"، الذي حمل اسم أخيه، وبدأ يعمل مديرا للتسويق في شركة الأثاث "ريم" في القدس. وفي السنوات ‎18-1982 شغل منصب القنصل العام في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، وبعدها سفير إسرائيل في الأمم المتحدة حتى عام ‎1988.

انتخب نتنياهو عضوًا في الكنيست الثانية عشرة ممثلا لليكود، وقد تم تعيينه نائبا لوزير الخارجية في حينه موشيه آرنس. وبعد سقوط حكومة الوحدة الوطنية ودخول دافيد ليفي إلى وزارة الخارجية، عمل نتنياهو كنائب وزير في مكتب رئيس الحكومة. في هذا المنصب اشترك في مؤتمر مدريد، وكان الناطق المركزي بلسان وفد إسرائيل. إنضم نتنياهو إلى المؤيدين المتحمسين القلائل في الليكود للانتخاب المباشر لرئيس الحكومة، وفور فوز حزب العمل في الانتخابات للكنيست الثالثة عشرة في عام ‎1992، أيد إجراء الانتخابات التمهيدية (البرايمريز) لانتخاب زعيم الليكود وقائمته للكنيست. وفي الانتخابات التمهيدية التي أجريت في الليكود في الخامس والعشرين من آذار عام ‎1993، تم انتخاب نتنياهو بأغلبية مطلقة (بنسبة ‎ 52.1%) لزعامة الليكود. في هذه الفترة أعرب عن آراء سياسية صقرية وشجب اتفاقيات أوسلو، كما شجب الخصخصة المكثفة للشركات الحكومية ولعقارات الدولة، التي بات ينتهجها الآن في منصبه الأخير كوزير للمالية .

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات