المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* المستعربون الأوائل
قصة الدائرة العربية في "البلماح"

تأليف: غمليئيل كوهن

اصدار وزارة الدفاع الاسرائيلية

408 صفحة، تل ابيب 2002

اقيمت شعبة المستعربين في التنظيم العسكري الصهيوني "البلماح" في سنة 1943 بمبادرة من قائد "البلماح" في حينه اسحاق سديه ونائبه يغئال الون. كان الهدف من اقامتها تحديد وتشغيل عملاء يهود قادرين على الاندماج والعمل لفترات طويلة او قصيرة داخل التجمعات السكانية العربية في البلاد وخارجها، في نطاق مهمات استخبارية او حتى عمليات عسكرية سرية. امتد عمل هذه الشعبة التي حملت الاسم "شاحر" (فجر) الى اواخر العام 1950 بعد النكبة الفلسطينية بعام ونصف تقريبا. وفي ذلك يتردد على السن قدامي الشعبة العائدين من الخارج سنة 1950 انها كانت الاطار الاخير في "البلماح" الذي فككته المؤسسة الامنية – الاستخبارية الاسرائيلية.

عملت الشعبة فترة قصيرة نسبيا، تمكنت خلالها من تجميع المعلومات في البلاد وخارجها وحاولت التأثير على مجريات الامور فيها، من خلال زرع عملاء بهوية عربية لفترات متفاوتة، كأداة استخبارية هامة، تحولت مع الوقت كما يقول المؤلف الى نمط في اوساط الاذرع الاستخبارية الاسرائيلية المختلفة.

تشكلت الشعبة العربية في "البلماح" بغالبية افرادها من مهاجرين قادمين من البلدان العربية، وكانت كما يكتب كوهن - الذي كان بنفسه محور "الموساد" في بيروت - "دفيئة لرجال المخابرات الذين انتظموا لاحقا في مجالات العمل الاستخباري في سلاح المخابرات والامن العام والموساد وغيرها"، بعد اقامة اسرائيل.

قبل تشكيلها بسنتين، عرض البريطانيون على القيادة الصهيونية المحلية – عن طريق الشعبة السياسية في الوكالة اليهودية – استغلال الطاقة الكامنة لدى ابناء الطوائف الشرقية من بين ابناء الييشوف اليهودي في البلاد، واختيار وكلاء مخابرات سريين من بينهم، وإعدادهم وإدخالهم الى التجمعات السكانية العربية في فلسطين وسورية ولبنان. كانت سورية ولبنان منذ سقوط فرنسا بيد النازيين عام 1940 خاضعتين لسلطة حكومة فيشي، حليفة المانيا النازية وايطاليا الفاشية، التي تم كنسها لاحقا بغزو البريطانيين المنطقة.

ظلت هذه الفكرة تختمر الى ان تبناها يغئال الون واسحاق سديه، وفي نطاق استعداداتهم لاحتمالات غزو نازي للبلاد شجع البريطانيون وبالتعاون مع "البلماح" و "الهجناه"، وضع خطة المعقل الاستراتيجي اليهودي على الكرمل، اطلق عليها اسم "متسادا على الكرمل" او "حيفا متسادا". بالمقابل ايد البريطانيون اقامة شبكة لاسلكي استخبارية سرية يشغلها يهود موزعون في مناطق مختلفة في البلاد، بقيادة موشيه ديان. كان هدف هذه الشعبة العمل كتنظيم سري مؤيد للبريطانيين تحت الاحتلال الالماني – الايطالي الذي ظلت تهديداته قائمة بدءا بصيف 1941 حتى مطلع خريف 1942، والسيطرة على منطقة اسيا الغربية بكاملها، بين تركيا ومصر.

في ذلك الحين، وبغياب أي امل بالعثور على وكلاء استخبارات عرب في سوريا ولبنان، توجهت قيادة الشرق الاوسط البريطانية الى الادارة الصهيونية في القدس، وطلبت ان يتم اختيار عدة عشرات من اليهود الذين سيتم تدريبهم للعمل في تفعيل اللاسلكي ويتم زرعهم كعرب في كل شيء في ارجاء سورية ولبنان. كل ذلك لخدمة المصالح الاستخبارية البريطانية في حال سيطرت المانيا وايطاليا على هاتين الدولتين. وهكذا تم اقامة ما وصفه البريطانيون بـ "الخطة السورية". وفي نطاق "الهجناه" اسميت "الدائرة السورية" التي تسلم يغئال الون قيادتها. في خريف 1942، وبعد الهزائم التي منتيت بها جيوش الالمان والايطاليين في العلمين، وفي جبهة ستالينغراد الى الشمال من القفقاز، تبدد نهائيا خطر احتلال الشرق الاوسط على يد دول المحور النازي – الفاشي. على هذه الارضية تم حل شبكة اللاسلكي التي تولاها موشيه ديان و "الدائرة السورية" التي تولاها يغئال الون.

من موقعه كنائب لقائد "البلماح" تمكن الون من تشكيل وحدة مستعربين عملت سبع سنوات بكاملها خلف الخطوط، ولعبت دورا حاسما في تحديد رد الفعل الاسرائيلي لاحقا على كل ما يقع في المحيطين، القريب والبعيد، على السواء.

المؤلف يكتب كشريك من الداخل، فقد عمل مندوبا عن "الموساد" في عدد من الدول العربية وبضمنها لبنان، ومنذ 1952 حتى 1964 كلف بمهمات كثيرة ومتنوعة في اربع قارات.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات