تحتدم السجالات في إسرائيل حول نتائج تقرير فينوغراد وأثره على استقرار الائتلاف الحكومي حتى قبل نشر هذا التقرير في نهاية شهر كانون الثاني الجاري. وخلافاً للتوقعات الأولية التي رأت أن إيهود أولمرت سوف يجتاز بسهولة تقرير فينوغراد، فإن عملية تسخين واسعة تشهدها الحلبة الإسرائيلية. فإضافة إلى انسحاب حزب إسرائيل بيتنا من الائتلاف الحكومي ومطالبة حركة شاس بتوضيحات سياسية هناك الموقف الغامض لقيادة حزب العمل والتصدعات داخل كديما.
ويبدو أن طرفين على الأقل، من خارج الحلبة السياسية، سوف يلعبان دوراً هاماً في عملية التسخين الجارية لتحويل تقرير فينوغراد إلى مناسبة للتخلص من رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت. وأول هذين الطرفين هم جنود القوات الاحتياطية الذين شعروا في حرب لبنان الثانية بأن أولمرت زج بهم في معركة من دون استعداد، وأنه لم يتحمل لاحقاً مسؤوليته عن الفشل فيها. أما الطرف الثاني فهم العائلات التي ثكلت بأبنائها في هذه الحرب، وخصوصا عائلات الجنود الثلاثة والثلاثين الذين لقوا مصرعهم في اليومين الأخيرين للحرب بعد صدور قرار وقف النار.
ومن طرف خفي هناك التوتر القائم في المؤسسة العسكرية التي تخشى أن تصب لجنة فينوغراد جام غضبها على الجيش لتبرئة المستوى السياسي أو تخفيف أعباء المسؤولية عنه. ويعتقد كثيرون أنه إذا أثار التقرير مثل هذا الانطباع فإن حملة تضامن واسعة مع الجيش ستبدأ وبهدف إجبار إيهود أولمرت على تحمل المسؤولية.
ويبدو أن التقاء هذه العوامل مع معطيات سياسية داخلية وخارجية أخرى تخلق ظروفاً ضاغطة بشكل يصعب احتماله. فهناك قضية إدارة الصراع مع قطاع غزة والتي تجعل من شبه المستحيل إدارة عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية في رام الله. وهناك الحاجة الإسرائيلية الأميركية إلى النظام الرسمي العربي لدعم مسعى محاصرة إيران وهو ما يتضارب مع وقف العملية السياسية أو مع تصعيد حربي في قطاع غزة.
فالواقع السياسي الإسرائيلي الراهن يشهد بأن الشريك الأساسي في الائتلاف الحكومي وهو حزب العمل يأمل أن يضعف التقرير أولمرت وحزبه. بل أن عدداً من خصوم أولمرت في كديما يأملون أن يقود التقرير إلى الإطاحة به. وهذا يعني أن خصوم أولمرت وكديما لديهم أمل أكبر في أن يحدث التقرير هزة يمكن استغلالها لإسقاط الحكومة والاندفاع نحو انتخابات مبكرة. وقد سبق حتى لمسؤول كبير في حزب العمل، مثل الوزير بنيامين بن إليعازر، أن أشار إلى أن حزبه قد يعمد إلى التوافق مع الكتل الأخرى على تقديم موعد الانتخابات. وهناك الكثير من المعلقين الإسرائيليين الذين يؤمنون بأن الدعوة لتقديم موعد الانتخابات قد تكون إحدى خيارات إيهود باراك للتعامل مع تقرير فينوغراد.
ومن الجائز أن هذا ما قاد، ولأول مرة، إلى محاولة المقربين من إيهود أولمرت للرد على التكهنات بأن الانتخابات المبكرة ليست مرفوضة. وقالت مصادر مقربة من أولمرت بأنه لا يخشى من تقديم موعد الانتخابات شرط أن يبادر الداعون لذلك للخروج من الحكومة.
وقال مقرب من أولمرت لموقع "يديعوت"، أول من أمس الأحد، إن "رئيس الحكومة لن يدير أي مفاوضات حول موعد متفق عليه لإجراء الانتخابات ولن يوافق على إدخال الدولة في حالة جنون سياسي، لا يمكن فيها فعل شيء. ولذلك فإن على كل من يرغب في إجراء انتخابات بعد تقرير فينوغراد، أن يتكرم بالانسحاب من الحكومة وسيتم إجراء الانتخابات في الشهور القريبة". ويحاول أولمرت بذلك استغلال خشية باراك من الانتخابات العامة الفورية عن طريق التهديد بأنه لا خيار سوى البقاء في الحكومة أو الانتخابات الفورية. وهنا يحاول أولمرت تذكير باراك بما جرى له سنة 2000 عندما أعلن في الكنيست: إذا كنتم تريدون انتخابات فخذوها فوراً. وفي الليلة ذاتها من 28 تشرين الثاني أقرت الكنيست قانون حل نفسها بالقراءة الأولى.
ومعروف أن الليكود يحاول بلورة ائتلاف يؤيد تقديم موعد الانتخابات بشكل متفق عليه. ومن الجائز أن يوفر له نشر تقرير فينوغراد فرصة للنجاح خاصة إذا نجحت الضغوط التي تمارس من اليمين على شاس للانسحاب من الحكومة.
ويبدو واضحاً التوتر الذي يسود تحركات إيهود أولمرت قبل أيام قليلة من نشر تقرير فينوغراد. فهو يقوم بتصعيد الموقف العسكري والإنساني في قطاع غزة، ربما ليوحي لليمين الإسرائيلي بإمكانية الاعتماد عليه في سفك دماء العرب. غير أن ما لا يقل أهمية عن ذلك في هذا السياق هو الاستفادة من القاعدة الإسرائيلية المعروفة: اصمتوا، إنهم يطلقون النار.
فأولمرت قد يريد بنيران القذائف ودويها أن يسكت الأصوات الداخلية من جهة اليمين في حين يستطيع بإعلانه الرغبة في التسوية السياسية الدائمة مع الفلسطينيين أن يكسب صمت اليسار. وهكذا تنشأ مفارقة غير مسبوقة تتمثل في سباق إسرائيل مع نفسها نحو تسوية سياسية من دون أفق وحرب فعلية من دون جدوى.