* شارون وضع أمامه هدفا استراتيجيا هو تطبيق خطة الإنفصال بنواياها المتسترة، كما كشف عنها مستشاره الاكبر فايسغلاس * تغيير شبه حتمي في مبنى الحكومة والائتلاف بدءًا من الاسبوع القادم*
ساعة الحقيقة تقترب أكثر فأكثر من شارون، في ما يتعلق بأزمة الائتلاف الحكومي الذي يقوده، هذه الأزمة التي عمل شارون على تأجيلها طيلة اربعة اشهر مضت، ولكنه لا يزال يراهن على تأجيلها أكثر. فقد عادت هذه الأزمة لتطفو على السطح مع افتتاح الدورة البرلمانية الطويلة، وعودة الحياة البرلمانية، ولكن الأهم من هذا، أن هذه الأزمة تتأجج مع اقتراب موعد اقرار أمرين هامين: الأول ميزانية الدولة، بالقراءة الأولى، بعد حوالي اسبوعين او ثلاثة، والثاني في الاسبوع المقبل، يوم 25 من الشهر الحالي، وهو اقرار "خطة الإنفصال" التي تتضمن انسحابا من قطاع غزة وبعض مناطق شمالي الضفة الغربية، وحتى الآن فإن شارون لا يقف على قاعدة صلبة تضمن له الأغلبية، مع انه واثق من أنه سيحصل على الأغلبية في تمرير خطة الإنفصال، بفضل دعم بعض أحزاب المعارضة.
في اليوم الأول لافتتاح الدورة البرلمانية تلقى شارون لطمة خفيفة، أو لنقل وخزة تحذيرية، حين رفض الكنيست قبول بيانه السياسي الذي تضمن "خطة الإنفصال". ونقول وخزة، لأنه قبل هذا التصويت بساعات قليلة رفض الكنيست نفسه اقتراحي حجب الثقة عن حكومته بغالبية ضئيلة.
منذ الساعات الأولى للدورة البرلمانية كان واضحا ان انتخابات قريبة بدأت تلوح في الأفق، ولكنها قد لا تكون قبل عام من الآن، أي قبل عام واحد من موعدها الرسمي. ولكن ما حصل في الجلسة الاولى جعل شارون يقرر العودة الى طاولة المفاوضات مع الأحزاب الثلاثة، التي قد يكون بالامكان ادخالها للائتلاف الحكومي، ولكن هذه الشراكة افتراضية، ولا يمكن تطبيقها إلا بعد احداث تفككات في الائتلاف الحكومي الحاصل، وعمليا لن يكون أي حل ائتلافي ثابت امام شارون، يضمن له الاستمرارية حتى نهاية الدورة البرلمانية في خريف العام 2006.
لا شك ان شارون يعي الأزمة التي تواجهه، ولديه قناعة ان أية معركة انتخابية قريبة لن تؤدي إلى أي انقلاب في الخارطة السياسية في اسرائيل، بادعاء انه استطاع شراء الرأي العام الاسرائيلي بخطته المعلنة، كما أن اليمين سيضطر للبقاء في حظيرته لأن البديل سيكون "أسوأ" من ناحيتهم، وهو عودة حزب "العمل" الى الحكم، ولكن الأمور لن تسير بهذه الانسيابية التي تدور في مخيلة شارون.
وأمام هذه الوضعية فإن شارون، على ما يبدو، وضع أمام نفسه هدفا استراتيجيا واحدا، يريد تحقيقه بأي ثمن ائتلافي وحزبي، ألا وهو خطة الانسحاب التي سيعتبرها شارون مشروع حياته، لما تتضمن من نوايا وأهداف لـ "القضاء على القضية الفلسطينية" من منظور شارون الخاص، وحسب ما كشف عنه مستشاره السياسي الأقرب المحامي دوف فايسغلاس، ولهذا فإن شارون قد يسارع الى تشكيل أغلبية موقتة يوزع فيها بعض المصالح الحزبية، تسمح له بتمرير خطته واقرارها نهائيا، ومن ثم اقرار الميزانية العامة للعام القادم وبعدها يجري اتفاقا مع الأحزاب الكبرى على موعد جديد للانتخابات البرلمانية.
الكنيست حاليا في المشهد العام
تعود الكنيست لدورتها الشتوية التي تستمر حتى شهر نيسان/ ابريل المقبل، تقريبا كما انهت دورتها الصيفية، ولكن مع ازدياد التقاطب في داخل معسكر اليمين، وهذا في ظل تهديد واضح بأن الائتلاف الذي يقف الى جانب شارون ويضم 59 نائبا من اصل 120 نائبا، سيتناقص حتما مع اقرار الكنيست لخطة الإنفصال، إذ سيؤدي هذا الى خروج من تبقى من كتلة "المفدال" الدينية اليمينية من الائتلاف، وهم 4 اعضاء، إذ كان قد سبقهم اثنان من زملائهم، وهذا بموجب قرار مجلس الحزب الذي سمح للاعضاء الاربعة بالبقاء في الائتلاف الى حين ان تقر الكنيست خطة الإنفصال، ولكن هذا القرار قد يكون مطاطيا لاسابيع أخرى، إذا قرر "المفدال" البقاء في الائتلاف ريثما يتم الاقرار النهائي للخطة بالقراءات البرلمانية الثلاث، وهذا يعطي متنفسا اضافيا لشارون لشهرين على الأكثر.
المشكلة الأكبر لشارون ليست في احزاب الاتئلاف وانما في بيته الداخلي في "الليكود"، فهو يواجه معارضتين، الأولى واضحة وصريحة ضد خطة الإنفصال كليا وتهدد بالتمرد، وقد يؤدي هذا الى انشقاق محدود في الحزب، ويقود هذا الجناح الوزير بلا حقيبة عوزي لنداو، أما المعارضة الثانية فهي تعلن انها تؤيد الخطة بشروط، ولكنها في المقابل تعمل على عرقلتها، من خلال مناورات برلمانية وسياسية، وآخر هذه المناورات تأييد اجراء استفتاء عام في اسرائيل حول خطة شارون، والهدف من الاستفتاء الذي تحسم نتائجه استطلاعات الرأي العام منذ الآن لصالح الخطة، هو كسب الوقت من خلال معركة انتخابية تستمر لشهرين او ثلاثة، وهذا ما يجعل شارون يرفض بشدة، حتى الآن، اجراء الاستفتاء.
في الحقيقة ان الارقام في داخل الليكود متحركة بسرعة، ولا يمكن ضمان العدد الحقيقي الذي سيدعم شارون حتى النهاية في خطته، ولكن بالامكان الافتراض ان مجموعة شارون قد تتجاوز نصف عدد اعضاء الكتلة بقليل، والكتلة مكونة من 40 نائبا.
امام صورة كهذه فإن شارون يتوجه الآن الى ثلاث كتل برلمانية وهي حزب "العمل"، والكتلتان الدينيتان الاصوليتان، "يهدوت هتوراه" (5 أعضاء) و"شاس" (11 عضوا). في كل ائتلاف سيضمن واحدة من هذه الكتل أو أكثر سيواجه شارون مشكلة جدية، فمشاركة حزب "العمل" ستؤجج الصراع في داخل حزب "الليكود". وحتى نهاية الاسبوع الماضي، كانت ملامح اتفاق بين الكتلتين الدينيتين على الذهاب الى شارون كوحدة واحدة، لضرب كتلة شينوي العلمانية المتشددة، أكبر شركاء شارون في الائتلاف الحكومي، وإذا ما فضّل شارون الكتلتين الدينيتين على "شينوي"، فحينها سيكون من الصعب ان يقبل "العمل" دخول الائتلاف، لأن اعضائه سيكونون اقلية بين غالبية يمينية متشددة. وامام صورة كهذه، فإن أي حل سحري سيصل اليه شارون سيكون موقتا جدا.
من أين سيستمد شارون الاغلبية لخطته؟
لقد حاول شارون تقليص حلقة المعارضة اليمينية له، لكي لا يتورط بأغلبية عمودها الفقري اليسار الصهيوني، وتجسدت هذه المحاولة بارسال اقرب المقربين له، مستشاره الأكبر المحامي دوف فايسغلاس، الى صحيفة "هآرتس" لاجراء مقابلة يكشف فيها عن كل النوايا الحقيقية لخطة الانسحاب من قطاع غزة، والعنوان العريض لهذه النوايا هو دفن القضية الفلسطينية، بمنظور شارون ولسنوات طوال، باعتبار ان خطة الانسحاب ستجمد "العملية السياسية"، التي يرى شارون بأنها كانت ستقود الى اقامة دولة فلسطينية وفتح ملفات اللاجئين والقدس والمستوطنات، ثم ان هذه الخطة ستسمح بابقاء 190 الف مستوطن من اصل 240 ألف مستوطن في اماكنهم (هذه الأرقام لا تشمل الاستيطان في القدس المحتلة والاحياء الاستيطانية فيها).
لقد اراد شارون من مقابلة فايسغلاس، التي حاول التنصل منها، أن تكون بمثابة صرخة "افهموا يا ناس"، وأن شارون ما زال على حاله، وحتى الآن لم يكن ملموسا تأثير هذه المقابلة على اوساط اليمين.
وعمليا فإن شارون لا يتوجه الى اليمين في الشارع لاقرار خطته بل الى اليمين في البرلمان، وهناك من الصعب عليه اجراء أي تعديل، ولكنه نجح في تسهيل اتخاذ القرار في الكتلة البرلمانية الفاعلة في الوسط العربي، التي قد تذهب كلها، وامام صياغات كهذه تضمن توسيع استيطان الضفة الغربية وتدمير العملية السياسية، الى التصويت ضد الخطة، وعدد هؤلاء النواب ثمانية.
شارون، على ما يبدو سيضمن تأييد 19 نائبا من كتلة "العمل"، و6 نواب من كتلة "ياحد" (ميرتس)، و3 نواب من كتلة عام إيحاد بزعامة عمير بيرتس، ونائب واحد من كتلة هئيحود هليئومي وهو ميخائيل نودلمان، الذي إما سيؤيد أو انه سيهرب من الجلسة لكي لا تعاقبه كتلته اليمينية المتطرفة. ويضاف الى هؤلاء اعضاء كتلة شينوي الشريك في الحكومة 15 نائبا، وفي هذه الحالة سيكفي شارون الحصول على نصف عدد اعضاء كتلته "الليكود" فقط (20 من 40) ليضمن له اغلبية مطلقة في الكنيست، ولكن هذا الحساب أخرج الكتلتين الدينيتين "يهدوت هتوراه" و"شاس"، اللتين علمت التجربة انهما تختاران الهروب من القضايا المصيرية، وبشكل خاص السياسية، فكتلة "شاس" صوتت في السنوات الـ 11 الماضية على اتفاقيات اوسلو وما تبعها بموجب موقعها الحكومي، فكانت تؤيد اي اتفاق تحضره الحكومة التي تشارك بها وتعارض كل اتفاق حين تكون في المعارضة.
كما أن تأييد هاتين الكتلتين لخطة شارون منوط بقضايا ليست سياسية وبشكل خاص الميزانيات التي يطالبان بها لجمهورهما، ولكن حتى وإن تلقت الكتلتان ما تريدان فعلى الاغلب ستمتنعان عن التصويت، وهذا مما يزيد الفرق بين المؤيدين والمعارضين للخطة في الكنيست، وقد يكتفي شارون بذلك.
وهنا علينا الأخذ بالحسبان احتمال شبه مؤكد، وهو ان تطلب مجموعة برلمانية اعتبار التصويت على الخطة بمثابة منح أو حجب ثقة عن الحكومة، وهذا ما سيضع بعض اعضاء الكنيست من اليسار الصهيوني امام سؤال صعب، وقد يختار بعضهم الامتناع منعا للظهور كمن يؤيد حكومة شارون بكل سياستها.
تغيير حتمي في الحكومة
لقد اطلق رئيس الحكومة، اريئيل شارون، مساء يوم الجمعة الاخير، تهديدا واضحا لكل وزير سيعارض الخطة في الكنيست، بفصله من الحكومة، وهذا الأمر لا يحتاج الى تهديد لأنه موثق بالقانون الاسرائيلي، وهنا سيكون الامتحان الصعب لاربعة او خمسة وزراء من حزب "الليكود"، وسيسأل السؤال من منهم سيحضر الجلسة وسيصوت ضد الخطة ومن سيختار الهروب من الجلسة لكي لا يصوت، وحسب الصورة الماثلة امامنا وحدة الخطاب الذي يطلقه وزير مثل عوزي لنداو، لا بد وان نشهد تصويتا معارضا لشارون داخل حكومته، وهذا ما سيؤدي الى فصل وزير أو وزراء.
وكما ذكرنا في العدد الماضي من "المشهد الاسرائيلي"، فما هو مؤكد ان الكنيست لن تبقى على حالها مع نهاية دورتها الشتوية.
لقد ظهر شارون امام كتلة "الليكود"، في اجتماعها الخاص الذي عقدته قبل ساعتين من افتتاح الدورة البرلمانية، يوم الاثنين من الاسبوع الفائت، وقد بدا عليه نوع من الارهاق، وانهى كلامه بابتسامة صفراوية ماكرة حين قال لنوابه: "اتمنى لكم دورة برلمانية ناجحة دون احراجات وأن تحافظ الكتلة على هيبتها ووحدتها".
كلام شارون لم يكن مجرد صدفة، فهو يعلم ما هو مقبل عليه.