المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

لم يجد زعيم حزب "العمل"، شمعون بيريس، الذي أعلن قبل أيام ان لا حاجة البتة في اسرائيل لأي حزب ديني، سوى استخدام تعبير ديني لوصف سياسة حكومة شارون الاقتصادية ب"الخنزيرية". وليس ثمة حرمات كثيرة تفوق حرمة أكل أو تربية الخنزير أو حتى لمسه. وليس صدفة ان يطلق بيريس هذا الوصف عندما تبين له صعوبة، أو استحالة، إقامة حكومة وحدة وطنية بسبب مساعي بنيامين نتنياهو وأريئيل شارون لضم "يهدوت هتوراه" الدينية الى الائتلاف الحكومي. وربما أراد من وراء ذلك إطلاق رسالتين في اتجاهين مختلفين: الاولى لشارون والليكود يقول فيها ان حزب "العمل" لم يعد بعد الآن في الجيب، والثانية ل"يهدوت هتوراه" تنصحهم بالابتعاد عن "المحرمات".


ومن الواضح ان إشارة بيريس هذه، وما تبعها من إلغاء "شبكة الامان" التي وفرها حزب "العمل" لأريئيل شارون في كل ما يتصل بخطة الفصل، تظهر المأزق الذي تعيشه حكومة شارون من ناحية، وأحزاب المعارضة من ناحية اخرى. فحزب "العمل" حاول خلال الاسابيع الماضية إثبات إخلاصه لفكرة دعم حكومة شارون والاستعداد لدخول هذه الحكومة. ولكن هذا الاستعداد جوبه اولا بخلافات داخلية عميقة ارتكز بعضها على فكرة معارضة خطوات بيريس تحديدا وليس معارضة الانضمام لحكومة شارون. كما ان بعض قادة حزب "العمل" رفضوا الانضمام لأن ذلك يعني بقاء الحزب مجرد ذيل لليكود وسياسته وليس البديل الفعلي له.
وفي "الليكود" كانت الخلافات حول ذلك أشد قوة. ففي نظر الكثير من قادة "الليكود" كانت حكومة الوحدة أكثر من مجرد خوف من الآثار السياسية لها، وخصوصا على خطة الفصل. اذ كان أشخاص مركزيون مثل وزير المالية بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية سيلفان شالوم يخشون على مناصبهم. اذ من المنطقي الافتراض ان حزب "العمل" سيطلب واحدا أو أكثر من المناصب الكبرى: الدفاع، المالية والخارجية. وهذا يعني اضطرار أحد أقطاب مثلث نتنياهو- شالوم- ليفنات للابتعاد عن منصبه.


غير ان الامور تتداخل وبشكل كبير بين الشخصي والايديولوجي والحزبي والسياسي. وموقف "المفدال" من خطة الفصل والبقاء في الحكومة هو الدليل الاكبر على ذلك. اذ ان خشية هذا الحزب من فقدان مواقعه في الوزارات والمؤسسات العامة دفعه الى ما يشبه الانقسام، فخرج قسم من أعضائه، بمن فيهم زعيم الحزب آفي إيتام، وبقي آخرون ينتظرون. والشيء ذاته يمكن قوله عن حركة "شينوي" التي تعاني من خسارة الزخم كقوة رائدة على الصعيد العلماني في اسرائيل. ومن غير المستبعد ان يقود بقاء "شينوي" في الحكومة اذا حصل اريئيل شارون على دعم خارجي من الاحزاب الحريدية، الى القضاء على آخر بقايا مصداقية هذه الحركة.


وفي كل الاحوال ليس هناك خلاف حول ان شارون يعيش الآن على رأس الحكومة لا لسبب إلا لانعدام البديل. فهو الآن، أكثر من أي وقت مضى، لا يمثل الزعيم الفعلي لليكود. واذا صحت الانباء بأن لدى بنيامين نتنياهو واحدا وستين توقيعا من أعضاء كنيست يؤيدون تقديم موعد الانتخابات، فإن هذا يعني انه الزعيم الفعلي لليكود واليمين الآن. ومع ذلك فإن ما يمنع نتنياهو والعديد من قادة اليمين و"الليكود" من الاطاحة بشارون لم يعد العجز. وإنما الرغبة. فهم لا يرغبون في الظهور الآن أمام أميركا وكأنهم يقفون ضد مواقفها علنا وبشكل صدامي. ويعتقدون ان بوسعهم، من خلال بقاء شارون والتلاعب به في رئاسة الحكومة، المناورة الى حين انتهاء الانتخابات الاميركية. ويجزمون بأن خطة الفصل لن تنفذ لأن شارون أعجز من ان ينفذها.
وربما ان إدراك هذه الحقيقة دفع حزب "العمل" الى رفع الصوت عاليا في الاحتجاج على سياسة حكومة شارون الاقتصادية. كما ليس من المستبعد ان تكون هذه الحقيقة وراء تراجع حركة "شينوي" عن وضع الموضوع السياسي ضمن أولوياتها.

ومع ذلك لا بد هنا من الاشارة الى ان الوضع السياسي القائم في اسرائيل لا يثير الثقة لدى أحد. فالاحتمالات مفتوحة في كل الاتجاهات تقريبا، وهذا ما يدفع الجميع الى خوض معركة البقاء من خلال نهش كل طرف للحم الطرف الآخر. وهكذا وجدنا ان أريئيل شارون لم يدخر جهدا في الاسابيع الاخيرة في التحريض على بنيامين نتنياهو سرا وبشكل شبه علني. والشيء ذاته في مواقف نتنياهو و"ثلاثي" الاعتراض من شارون.

غير ان هذا السجال لم يتوقف عند حدود الحزب الواحد بل تعداه الى الصراع بين الاحزاب المشكلة للائتلاف الحكومي أو الراغبة في الانضمام اليه. ويمكن قراءة ما بين سطور هذا السجال بين وزيري الخارجية والعدل، سيلفان شالوم وتومي لبيد. ففي أثناء اجتماع الحكومة الاسبوعي ( الأحد) جرى بحث تقرير "معهد تخطيط السياسة للشعب اليهودي" والذي أشار الى ان سياسة الحكومة الاسرائيلية تؤثر بالسلب على يهود العالم. وحينها تساءل لبيد عن مقدار المساواة في اسرائيل بين التيارات اليهودية الثلاثة: الارثوذكسية، الاصلاحية والمحافظة. وقال ان "الجيل الشاب في النخبة اليهودية الاميركية، حيث خمسة وثمانون في المئة منهم من الاصلاحيين والمحافظين، يبتعدون عن اسرائيل لأنها لا تعترف بحاخاماتهم".
رد عليه وزير الخارجية: "لقد ضجرت من كثرة ما تردد هجماتك على اليهودية في كل مرة يجري فيها الحديث عن اليهود". لم يسكت لبيد ورد عليه: "أنت لا سامي". ولم يسكت شالوم فرد: "أنت عنصري". وبعد وقت قصير اعتذر الرجلان ولكن مواقفهما لم تتغير.

فحدة السجال بين اليهود وغير اليهود في الخارج تحولت، وباستخدام العبارات ذاتها، الى حدث اعتيادي في الحلبة السياسية الاسرائيلية، التي صار البعض فيها يستخدم ضد البعض الآخر ايضا، صفات "النازية".

المصطلحات المستخدمة:

بنيامين نتنياهو, الليكود, شينوي, اريئيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات