أكثر مما كان متوقعاً، غضت غالبية الناخبين الإسرائيليين الطرف عن كل ما يثقل عليهم وعلى مجتمعهم ودولتهم ونظامهم السياسي من قضايا الفساد والتراجع الاقتصادي وانعدام الأمن، وأعادت منح رئيس الوزراء أرئيل شارون تفويضاً لمواصلة قيادته في ما يراه كثيرون منهم معركة فاصلة في الصراع مع الفلسطينيين / تحليل إخباري
كتب محمد دراغمة:
كدأبه في جميع الانتخابات التي جرت في العقد الأخير، كان الموضوع الفلسطيني هذه المرة أيضاً الأكثر تأثيرا على توجهات الناخبين الإسرائيليين.
فأكثر مما كان متوقعاً، غضت غالبية الناخبين الإسرائيليين الطرف عن كل ما يثقل عليهم وعلى مجتمعهم ودولتهم ونظامهم السياسي من قضايا الفساد والتراجع الاقتصادي وانعدام الأمن، وأعادت منح رئيس الوزراء أرئيل شارون تفويضاً لمواصلة قيادته في ما يراه كثيرون منهم معركة فاصلة في الصراع مع الفلسطينيين.
وقال الدكتور عبد الستار قاسم أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح: "لم يكن ثمة عنوان واضح في إسرائيل في هذه الانتخابات سوى حزب الليكود، أما العناوين الأخرى فهي إما كانت ضعيفة أو غير موجودة".
وأضاف يقول: "فاليسار الإسرائيلي ظهر مفتتاً وممزقاً، بينما شكل الليكود بؤرة استقطاب جبرية للناخبين، فمن أراد منهم وضوحاً في الطرح السياسي وجد أمامه شارون، وهذا كان ماثلاً في ذهن شارون عندما اتخذ قراره بتبكير موعد الانتخابات".
ومثلت نتيجة الانتخابات هزيمة ساحقة لقوى اليسار الإسرائيلي التي نحيت إلى هامش الخريطة السياسية لصالح قوى اليمين ويمين الوسط.
ووصف مراقبون عديدون هذه النتيجة بأنها: "لا" كبيرة لليسار في إسرائيل.
وأشرت النتائج على العديد من مظاهر الاحتجاج في المجتمع الإسرائيلي على ما هو قائم، منها تدني نسبة التوجه إلى صناديق الاقتراع إلى نسبة وصفت بأنها الأدنى في تاريخ الدولة العبرية "63%"، وحصول حزب شينوي الصغير، العلماني المناهض للمتدينين، على حصة كبيرة من الكعكعة الانتخابية "15" مقعداً.
ورغم قلق الفلسطينيين من بقاء شارون في الحكم واتساع الرقعة التي احتلها اليمين في الخريطة السياسية الإسرائيلية بصورة غير مسبوقة منذ تأسيس الدولة، إلا أن الشارع الفلسطيني لم يبدي أي ذعر من هذه النتيجة.
وقال جميل هلال الباحث في الشؤون الفلسطينية: "القادم – يقصد شارون - نعرفه جيداً، ليس في السنتين الأخيرتين بل منذ العام 82، مشيراً إلى اجتياح شارون للأراضي اللبنانية، وصولاً حتى قلب العاصمة بيروت، للقضاء على الوجود المادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وشطب دورها السياسي في قيادة الشعب الفلسطيني.
ووفق ما تظهره استطلاعات الرأي، فإن غالبية الفلسطينيين قد كيفوا أنفسهم على التعايش مع حالة الحرب المدمرة والحصار الشديد الذي يفرضه عليهم شارون.
ويرى كثيرون أنه ليس بمقدور شارون أن يفعل بالشعب الفلسطيني أكثر مما فعله. وقال الدكتور عبد الستار قاسم: "الدمار حصل، ولم يبقى لدينا الكثير مما نخشى أن يقوم شارون بتدميره، أما ما يقال عن تشريد وترحيل فهو مجرد أوهام، فليس من هو قادر اليوم على اقتلاعنا من أرضنا".
لكن نتيجة الانتخابات الإسرائيلية أيقظت الكثير من الاعتبارات السياسية التي بدت حتى وقت قريب غائبة،أو مؤجلة، في حسابات الفلسطينيين.
ويقول جميل هلال: "الإشكالية لدينا اليوم على ضوء ما جرى في هذه الانتخابات هي الاستراتيجية المطلوب منا أن نتبعها خصوصاً على ضوء الحرب الوشيكة على العراق". وأضاف قائلاً: "لا يوجد مفر أمام الشعب الفلسطيني وقواه اليوم من الوقوف أمام قضيتين هما أولاً أية رسالة يجب توجيها للإسرائيليين، وثانياً أي تشكيلة سياسية نحتاجها".
ومضى يقول: "في كل البلدان المستعمرة، بكسر الميم، كان التغيير الجذري يأتي من الداخل، فهذا ما حصل في أمريكيا وأجبرها على الانسحاب من فيتنام، وهذا ما حصل في فرنسا عند انسحابها من الجزائر..إلى آخر القائمة".
"علينا أن نبحث في ما سنقوله للإسرائيليين بوضوح تام، وأن ندعم ذلك بطبيعة وشكل المقاومة، فثمة أصوات ورسائل عديدة متناقضة ترسل من جانبها لهم ما يؤدي إلى نتائج عكسية"، قال هلال.
وتجري مختلف القوى الفلسطينية منذ شهور حوارات داخلية تتركز حول أكثر وسائل المقاومة ملائمة للشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في الفترة الراهنة.
وقد اختتمت جولة الحوار الأخيرة في القاهرة، التي شارك فيها 12 تنظيماً، دون التوصل إلى اتفاق نهائي حول مجمل قضايا الوضع الداخلي، وبضمنها وسائل وطرق المقاومة.
ففيما ترى بعض الأوساط أن العمليات الاستشهادية التي تستهدف مدنيين إسرائيليين داخل الخط الخضر تلحق إضراراً سياسية كبيرة وخطيرة بالقضية الفلسطينية، ترى فيها أوساط أخرى الوسيلة المتاحة للرد على جرائم الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين.
ويشهد الوسط السياسي الفلسطيني منذ فترة طويلة من الوقت جدلاً داخلياً حول طبيعية المؤسسات السياسية الأكثر ملائكة لإدارة النضال من أجل الاستقلال الوطني.
ويتمحور هذا الجدل حول الدور المطلوب لكل من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية في تعزيز وتنشيط الفعل السياسي والوطني للشعب الفلسطيني في الوطن و الشتات، وما يتطلبه ذلك من نظم وقواعد وآليات…