تَهمّ الولايات المتحدة بشن حرب على مرمى صواريخ من عقر دارنا، ومع ذلك لا يجري اي نقاش عام لدينا سواء بالنسبة لضرورة الحرب او بالنسبة لعدالتها. وقد خرج الناس في ارجاء المعمورة من اقصاها الى اقصاها للتظاهر ضد هذه الحرب، اما في اسرائيل وهي الدولة التي قد تتضرر عسكريا وسياسيا اكثر من معظم دول العالم – فقد ساد صمت مطبق.ولعل الموقف الوحيد الذي يحظى بتعاطف وتأييد علني هو موقف المؤسسة الرسمية (الاسرائيلية) ومتحدثيها الذين يساندون الحرب، بل ان قسما من الاسرائيليين لايخفون بأنهم ينتظرون وقوعها بفارغ الصبر. ويجهد المحللون في شتى المجالات في استعراض عديد الفرص الذهبية التي ستكون متاحة أمام الدولة الاسرائيلية بعد الحرب. وعلى رأي هؤلاء فسوف تجد الازمة الاقتصادية التي تعاني منها اسرائيل حلا شافيا وسريعا لها، وسيختفي ياسر عرفات من الساحة وسيغدو السلام قاب قوسين او أدنى، وستعم الديمقراطية الليبرالية في الدول العربية، وسيعود السياح للتدفق مجددا، كما وستتخلص اسرائيل اخيرا من التدخل الاوروبي المزعج في منطقتنا.
يبدو أن محاولات المسؤولين الاسرائيليين، الحكوميين والعسكريين، زرع الرعب بين أوساط الاسرائيليين ونشر "أجواء الطوارىء" في اسرائيل في ما يتعلق بالأستعدادات الأمريكية لشن الحرب على العراق، وما سيتخللها من ضربات عراقية محتملة ضد أهداف اسرائيلية، قد فشلت، وذلك في حين يتعمد المسؤولون الاسرائيليون في الأسابيع الأخيرة رفع حدة ووتيرة التحذير من أخطارها واحتمالات وقوعها "الأكيدة".
العنوان مكتوب على الحائط، والحروف آخذة في التشكل: أريئيل شارون يطبخ حكومة وحدة، خطوةً فخطوةً. حاليًا، كل التطورات تسير بحسب الخطة الأصلية، وربما أسرع منها بقليل. هكذا ستبدو الحكومة الجديدة: "الليكود"، "شينوي"، "العمل" و"المفدال". وكلما تقدمت المحادثات بين طومي لبيد زعيم "شينوي" وبين أيفي أيتام زعيم "المفدال"، كلما اتضح أن شارون سيعرض أمام عمرام متسناع ورفاقه حكومة من دون "حريديم"، لا يمكن أن يرفض "العمل" الانضمام إليها.
فوز أرئيل شارون في انتخابات الكنيست على رأس قائمة الليكود منحه ما يدحض به الكليشيه المألوفة: فرصة ثانية لترك انطباع الوهلة الأولى. فحتى الآن كان يترأس حكومة تستند إلى كنيست انتخبت مع إيهود باراك. والآن غدا وحده على القمة، ومسؤوليته جسيمة مثل الامتحان الذي يواجهه.
الصفحة 825 من 860