ما يجري في العراق يمكن تسميته، ايضًا، أسرلة امريكا. اذا اغمضنا عيوننا يبدو احيانًا ان جنود المارينز في كربلاء هم جنود جولاني في طولكرم. ولا عجب في ان معسكرين سياسيين في البلاد، مواقفهما متناقضة، يعتقدان بأن شيئاً جيدًا سوف ينتج عن هذه الحرب. انهما يرقبان، مثلاً، بفضول كبير، نحو كل جندي امريكي يتفجر هناك في عملية فدائية وعلى رد فعل الجيش. عندما قتلت سيارة اجرة الجنود الذين توجهوا اليها، قضى جنود المارينز على السيارة التالية، بكل من كان فيها من المدنيين. اليسار واليمين لا يهتمان تحديداً بما يتعلمه الجيش الأمريكي من الحرب. ما يهمهما، بشكل خاص، هو العبرة السياسية التي سيستخلصها البيت الأبيض منها. لم يسبق ان كانت هناك حرب لم تشارك اسرائيل فيها وكان يفترض بها ان تؤثر الى هذا الحد على مصيرها.
السرية التي رافقت قرار رئيس الحكومة تعيين تساحي هنغبي وزيرًا للأمن الداخلي - بينما شيَّع مقربوه اسم تسيبي ليفنه كمرشحة لهذا المنصب - تعيد الى الأذهان طريقة تعيين روني بار أون لمنصب المستشار القضائي للحكومة. وزير القضاء آنذاك، تساحي هنغبي، عرض الترشيح على الحكومة في العام 1997 لبحثه تحت بند "متفرقات"، دون ان يكون بار أون قد حظي بانكشاف اعلامي مسبق.التخديرالإعلامي، عن وعي أو بدونه، منع اجراء نقاش جدي قبل اصدار قرار التعيين، الذي يبدو - في الظاهر ، على الأقل - قرارًا غير معقول. المستشار القضائي للحكومة استطاع، في اللحظة الأخيرة، نقل تحفظاته الى رئيس الحكومة على تعيين هنغبي في منصب له علاقة بتطبيق القانون، لكنه اعلن انه سيدافع عن التعيين امام الألتماس الذي قدم الى المحكمة العليا، التي أمرت النيابة العامة بتقديم ردها على الألتماس خلال 14 يوما.
الجدل بين البيت الأبيض وبين وزارة الخارجية الأمريكية بشأن خريطةالطرق، يذكر كثيرًا بأيام حكومة الوحدة السيئة. من الجانب الأول، اليوت ابرامس، مستشار بوش الجديد لشؤون الشرق الأوسط، قام بعزل ثلاثة من كبار الموظفين في دائرته: بلينت ليفرت، بن ميلر، وهيلاري مان. الثلاثة خريجو "سي .آي. ايه" وتم تعيينهم لاعتبارات مهنية، كما ثارت حولهم جميعاً شكوك بأنهم أيدوا خريطة الطرق التي وضعتها "مجموعة الأربعة" (من المهم التذكير بأن المجموعة تشمل، أيضا، الولايات المتحدة). ابرامس هو المراقب الرئيسي على صلاحية خريطة الطرق، ممثلا عن جماعة المحافظين الجدد التي تحيط ببوش. وفي الوقت نفسه بالضبط يتعهد وزير الخارجية كولن باول لكل من يريد - لإيهود براك الذي زاره في مكتبه مثلا - بأن ادارة بوش ستقدم خريطة الطرق الى ارئيل شارون، غداة الهجوم على العراق.هبت مجموعة لنجدة معسكر باول، ضمت مسؤولين كبارًا في الإدارات السابقة، ورؤساء دمقراطيين وجمهوريين. وقد أعد هؤلاء وثيقة، في ختام "مائدة مستديرة" نظموها في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، تحُثّ الرئيس بوش على تقديم خطة عاجلة لإقامة دولة فلسطينية. "وحدة المهمات" في المجلس، برئاسة هنري زيغمان، تلمح الى ان استجابة الرئيس للضغط الإسرائيلي بتأجيل استئناف مفاوضات السلام لا يربطها أي رابط مع مصالح الأمن القومي الأمريكي.
بدأت اسرائيل بنشر بطاريات صواريخ الـ "باتريوت" التابعة للجيش الأمريكي، في أراضيها، في عملية متواصلة ستنتهي خلال الأيام القريبة. ومن المفترض أن تمنح هذه البطاريات الدعم لنظام "السور" الذي تزوده صواريخ "حيتس"، في الدفاع عن منطقة "دان" (تل أبيب والمركز) من إطلاق صواريخ أرض - أرض من العراق.
وستنتشر البطاريات الأمريكية في ثلاثة مواقع في منطقة "دان"، ومن بينها منطقة شمال تل أبيب ومنطقة يافا. وستُنصب بطاريات "باتريوت" إسرائيلية، وإلى جانبها البطاريتان اللتان حصلت عليهما إسرائيل من ألمانيا، في مناطق أخرى في البلاد - خاصةً من أجل الدفاع عن منطقة حيفا وأيضًا عن منطقة النقب، وبالأساس عن المفاعل النووي في ديمونه.
الصفحة 817 من 882