أقرت الحكومة الإسرائيلية، في الأسبوع الماضي، مشروع تعديلات ميزانية العام الجاري 2024، والتي تطرح في أعقاب تبعات وكلفة العدوان المستمر على قطاع غزة، وتشمل التعديلات ضربات اقتصادية متعددة الاتجاهات للجمهور، منها ما سيدخل حيز التنفيذ فورا، ومنها ما سيكون في العام المقبل 2025. في المقابل فإن الحكومة أقرت إضافة 55 مليار شيكل لميزانية الجيش، وهي زيادة بنسبة 70% عن الميزانية المقررة مسبقا، لكن هذه بداية لزيادة سنوية مشابهة حتى العام 2027؛ ويطرح المختصون سؤال: "من أين؟". وفي الوقت نفسه فإن أحزاب الائتلاف حافظت على الغالبية الساحقة من الميزانيات التي تخدم جمهور مصوتيها، رغم العبء الكبير على الجمهور العام. وفي ظل كل هذا، يحذر خبراء ومحللون من أن السوق الإسرائيلية مقبلة على موجة تضخم مالي كبير، في العام الجاري، بعد لجمه في العام الماضي، نسبياً.
تلخص هذه المقالة المناخ العام في الشارع الإسرائيلي حيال قضايا أساسية تتعلق بالحرب ضد قطاع غزة. وبغض النظر عن موقف الحكومة الإسرائيلية الحالية وكابينيت الحرب وأعضاء الكنيست، أو المواقف التي تسود في الخطاب الإعلامي، فإن الشارع الإسرائيلي يشكل هو أيضا مواقف معينة من اللوحة الشاملة للحرب التي يعيش أتونها.
في نهاية العام 2023، أجرى مركز إسرائيلي استطلاعاً عاماً حول رأي الشارع الإسرائيلي من قضايا أساسية تتعلق بالحرب، وهو ما سوف نستعرضه أدناه: 1) ما هو موقف الشارع الإسرائيلي من قضية الأسرى الإسرائيليين وصفقة تبادل شاملة تنهي الحرب؟ 2) ما هو موقف الشارع من الدخول في حرب مفتوحة مع حزب الله؟ وهل الشارع الإسرائيلي راض عن أداء رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو؟ 4) هل يدعو الشارع الإسرائيلي إلى عودة المستوطنات اليهودية إلى قطاع غزة؟ 5) هل أصبح الشارع الإسرائيلي أكثر يمينية أم أكثر يسارية خلال الحرب الحالية؟
في هذه المقالة (السابعة والأخيرة في هذه السلسلة)، نختتم هذا العرض التفصيلي الذي قدمناه لما توصل إليه مشروع مشترك للرصد والتوثيق أطلقته مؤسستان إسرائيليتان بارزتان في أعقاب الهجوم المباغت الذي شنته المقاومة الفلسطينية على القواعد العسكرية والبلدات المدنية في منطقة ما يسمى "غلاف غزة" في عمق الأراضي الإسرائيلية يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وقد خلص المشروع المذكور إلى وضع ما يمكن تسميته "وثيقة المفاهيم المركزية" الأبرز التي شكلت قاعدة الرؤية الأمنية ـ السياسية الإسرائيلية التي يُجمع المجتمع الإسرائيلي، بشكل شبه تام، على حقيقة أنها مُنيت بالفشل الذريع، بل بالانهيار التام، في "يوم السبت الأسود" وعلى أنّ مسيرة إعادة ترميم ما ينبغي ترميمه في العقيدة السياسية والأمنية الإسرائيلية يتطلب، أولاً وكشرط ضروري لا مهرب منه، تحديد تلك المفاهيم التي حكمت العقيدتين السياسية والأمنية في إسرائيل عقوداً من الزمن، وأنه بدون ذلك لن يكون بالإمكان، من ثم، إعادة هيكلة الأجهزة، المنظومات والأذرع المكلفة بتطبيق هذه العقيدة في المستقبل. وقد رسمت مؤسستا "بيرل كتسنلسون" (شعارها المركزي: "نبني أسساً طويلة الأمد لمعسكر المساواة في إسرائيل") و"مركز مولاد" (لتجديد الديمقراطية في إسرائيل)، في "وثيقة المفاهيم" هذه خارطة تفصيلية لعشرة مفاهيم هي "المفاهيم المركزية التي انهارت، فقادت بنفسها وبانهيارها إلى الإخفاق". وكنا قد عرضنا في الحلقات الست السابقة لتسعة من هذه المفاهيم المركزية، كان آخرها العرض الذي قدمته الحلقة السابقة (السادسة) للمفهومين الثامن والتاسع، تحت العنوانين التاليين: "إسرائيل تتقوى بتقليص القطاع العام" و"تعيين المقربين يساهم في تقوية الدولة وتعزيزها".
بعد ثلاثة أشهر على موجة ترخيص السلاح للأفراد بتسهيلات غير عادية، بدأت جهات مختلفة تنتبه إلى الخطورة الملموسة الكامنة في هذه الحالة. وحالياً، ينتظر أن تبحث المحكمة العليا في التماس قدمته "الحركة من أجل جودة الحكم" تطالب فيه بالعودة عن كل السياسة التي أقرّت بموازاة الحرب وإبطال تراخيص أسلحة كثيرة موجودة بأيدي مواطنين.
وتقول المنظمة في بيان صحافي: لقد قدمنا التماسا إلى المحكمة العليا مطالبين بإلغاء رخص السلاح غير القانونية التي أصدرها إيتمار بن غفير وأمير أوحانا. فبحسب ما نُشر، قام وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بتعيين أشخاص ليس لديهم تفويض قانوني للموافقة على تراخيص الأسلحة النارية. ومن بين المسؤولين الذين عينهم للمصادقة على التراخيص هناك موظفون في الكنيست، وعاملون في مناصب الثقة (وظائف يخصصها الوزراء لمن يعتبرونهم موضع ثقتهم، أو بكلمات أخرى تعيينات سياسية – هـ. ن.) وكذلك مجندات شابات في الخدمة الوطنية (بديل الخدمة العسكرية) يؤدين الخدمة في وزارة الأمن القومي.
الصفحة 52 من 859