أظهر استطلاع جديد للرأي العام أجري في إسرائيل الأسبوع قبل الماضي أن أغلبية كبيرة من الجمهور اليهودي في إسرائيل (68 بالمائة) تعارض سماح إسرائيل "اليوم، وبواسطة جهات دولية" إدخال مساعدات الإغاثة الإنسانية إلى السكان في قطاع غزة، بينما يؤيد ذلك ثُلث المواطنين اليهود (29.9 بالمائة) وأغلبية ساحقة من الفلسطينيين المواطنين في دولة إسرائيل (85 بالمائة). وفي المجمل، تشكل نسبة المعارضين للسماح بإدخال هذه المساعدات أغلبية واضحة بين الجمهور الإسرائيلي عامة (58.2 بالمائة) مقابل تأييد 39.3 بالمائة فقط.
ليس من المبالغة القول إن الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، المستمرة منذ يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تقف في الوقت الحالي أمام لحظة فارقة، وذلك في ضوء آخر التطورات المرتبطة بها على الصعيد الميداني وعلى المستوى الإسرائيلي المحلي، وكذلك على المستويين الإقليمي والدولي.
وإذا ما بدأنا بالمستوى الإسرائيلي يمكن ملاحظة أن أبرز ما تناولته أحدث التحليلات هو إصرار رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على ما يصفه البعض بأنه "تحقيق النصر عبر إنجازات تكتيكية" من دون سياسة استراتيجية بعيدة المدى، تأخذ في الحسبان، من ضمن أمور أخرى، المخاطر التي قد تترتب على دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى رفح، كما أشار أمس الثلاثاء واليوم الأربعاء كل من اللوائين في الاحتياط إسحق بريك وعاموس جلعاد ("هآرتس"، 20/2/2024 و"يديعوت أحرونوت"، 21/2/2024).
تصدّرت العملية العسكرية الإسرائيلية الواسعة في رفح مؤخراً العناوين الإخبارية والنقاشات السياسية، في إسرائيل وخارجها، ويأتي ذلك في أعقاب تصريح لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أكّد فيه أن إسرائيل ستنفّذ عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح. هذا التصريح، أثار عاصفة من النقاشات السياسية الدولية والإقليمية، بما في ذلك تحذيرات دولية وعربية من أن يتسبّب إقدام إسرائيل على مثل هذه العملية بمجزرة كبيرة أو تهجير الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية، لا سيما وأن رفح يُقيم فيها اليوم قرابة 1.5 مليون فلسطيني من المدنيين، جزء كبير منهم تم تهجيره من مناطق شمال ووسط وجنوب قطاع غزة منذ بداية الحرب.
تشكل شبكات التواصل الاجتماعي، منذ زمن، جبهة إضافية أخرى من جبهات الحروب حيث تدور عليها معارك "إعلامية" ودعائية حامية الوطيس بحيث يحاول المتحاربون على جبهة العساكر والأسلحة المتنوعة كسب التعاطف والتأييد، كل إلى جانبه، من جهة، ونشر أعداد لا تُحصى من الأخبار والتقارير الكاذبة، الملفقة، المختَلَقة، كجزء من الحرب الإعلامية ـ النفسية، من جهة أخرى. هذه حقيقة أصبحت معروفة للجميع تقريباً ويحاول الجميع تحقيق أكثر ما أمكن من النقاط من خلال الاستفادة من "جبهة شبكات التواصل الاجتماعي" هذه. لكنّ ما واجهه الجيش الإسرائيلي، ولا يزال، في حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة منذ أربعة أشهر ونصف الشهر، هو ظاهرة جديدة شكلت مفاجأة بالنسبة له، لم يكن مستعداً لها ولا يعرف الآن طريقاً إلى التخلص منها فيقف عاجزاً تماماً حيالها.
الصفحة 45 من 859