أحد العناصر المركزية في أسباب تضاؤل الإيمان والثقة بإمكانية حل الدولتين بين الجمهور الإسرائيلي، اليهودي، بشكل عام، هو "الخوف من المس بالأمن القومي اليهودي"، الذي كرسته طروحات الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية الإسرائيلية الصهيونية المختلفة، عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية ومن خلالها، ضمن سعي منهجيّ متواصل على مدى عشرات السنوات. والبحث الذي أجراه د. عومِر عيناف ونُشر في كتاب صدر في نهاية الشهر الأخير عن "مركز مولاد ـ لتجديد الديمقراطية في إسرائيل"، تحت عنوان "الأمن في واقع وجود دولتين"، هو الأول من نوعه الذي يحاول مقاربة هذه المسألة، بما فيها من حجج وادعاءات، تفكيكها، البحث فيها والخلوص إلى استنتاجات هامة جداً بشأنها، في مقدمتها استنتاج مركزي يجزم بأن "أمن إسرائيل القومي ليس أنه لن يتأذى من جرّاء قيام دولة فلسطينية إلى جانبها، وإنما هو الإمكانية الأكثر صواباً وحكمة لضمان المصالح الإسرائيلية، وعلى رأسها مسألة الأمن القومي، على المدى البعيد".
بعد موجات من الصعود والهبوط في العلاقات الإسرائيليّة- المغربيّة، يبدو أنّ تطبيعاً رسمياً بات قاب قوسين أو أدنى. يُحاول هذا المقال استكشاف ملامح التطبيع التاريخيّة والوضع الآني، خاصّةً وأنّه يعيش في إسرائيل ما يُقارب المليون يهودي من أصول مغربيّة، وعشرات آلاف الإسرائيليين يزورون المغرب سنوياً للسياحة والتجارة أو حتّى زيارات عائليّة. بفعل هذا الواقع، تسعى إسرائيل لنسج علاقات حميميّة مع دولة المغرب العربيّ، وهو ما يتمّ نسجه منذ فترة طويلة، إذ نجد عدداً كبيراً من الأمثلة على التنسيق التي يندر أن تجدها بين إسرائيل ودول عربيّة أخرى. مع كل هذا، ظلّ لسنوات طويلة موضوع التطبيع الرسمي بعيداً بسبب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، ومُتأثراً من حركات المقاطعة التي يقودها الشعب المغربي.
فضلاً عن قضية كون الانتخابات الإسرائيلية العامة القريبة بمثابة منافسة بين أحزاب اليمين على خلفية التمرّد على استمرار زعامة بنيامين نتنياهو لمعسكر اليمين جراء اتهامه بشبهات فساد، وإخضاعه سياسة إسرائيل الداخلية والخارجية إلى مصالحه الخاصة وأجندته الشخصية المتمثلة في الهروب من محاكمته أو إلغاء هذه المحاكمة إن أمكن، فإن حقيقة ذهاب إسرائيل إلى انتخابات رابعة خلال أقل من عامين تطرح قضية أخرى هي جوهر السيناريو الذي قد تكون حظوظ نجاحه مضمونة في مآلات الحلبة السياسية الحزبية، بغية التخلص من عهد نتنياهو أخيراً.
بطبيعة الحال من السابق لأوانه الكلام عن عناصر مثل هذا السيناريو، الذي من المتوقع أن يظل في نطاق التكهنات إلى أن تظهر النتائج النهائية للانتخابات. وفي هذا الشأن تحديداً يُعاد التذكير بأن سيناريواً كهذا كان ماثلاً بقوّة، وانطوى على احتمالات تأليف حكومة تستند إلى أغلبية مناهضة لاستمرار حُكم نتنياهو، لو تمّ اعتماد الاستعانة بأصوات نواب القائمة المشتركة الخمسة عشر.
يشهد بحر السياسة الإسرائيلية عاصفة شديدة قلّ مثيلها. الأمواج تعلو، ومراكب وزوارق أصغر يتهدّدها الغرق، ومراكب جديدة تستعد لاختراق عباب الموج، وتلقي بعض إطارات الإنقاذ للملمة بعض من يتهدّدهم الغرق السياسي. وبوصف آخر، فإن أجواء الانتخابات الرابعة للكنيست، في غضون أقل من عامين، تشهد "طوشة عمومية"، وكل الأحزاب والتحالفات القائمة واللاحقة، باستثناء الحريديم، لا تعرف مصيرها الدقيق، فاتضاح الصورة يحتاج إلى بضعة أسابيع. ولكن ما هو واضح منذ الآن، أن المنافسة الشديدة ستكون في اليمين الاستيطاني، أما ما يسمى "يسار" و"يسار وسط"، فإن "الإنجاز" الوحيد الذي ينتظره، هو بقاؤه على وجه السطح.
الصفحة 261 من 882